بعد سلسلة الإخفاقات والفشل التي صاحبت أداء
جيش
الاحتلال طوال الشهور السبعة الماضية في قطاع
غزة، سرت قناعات متزايدة في
أوساط الاحتلال مفادها ضرورة التأكيد على وجود فشل مزمن في حماية دولة الاحتلال،
ولعل إخفاقه الأخطر في السابع من أكتوبر في الدفاع عن حدودها، وهي مهمته الأساسية
منذ قيامه، يؤكد أنه ليس حدثاً نادرا.
ودفعت هذه الاستنتاجات الإسرائيليين لطرح
تساؤلات كثيرة منها: أين سلاح الجو الذي يهاجم كل أسبوع في دمشق وفي جميع أنحاء
الشرق الأوسط؟ أين رئيس الأركان ووحدات النخبة والشلداغ؟ أين الطرادات والدروع
والمدفعية؟ أين
الجيش الذي يستثمر فيه مجتمع الاحتلال أفضل ما لديه من ميزانيات؟
إيتاي لاندسبيرغ نيفو الكاتب الإسرائيلي، أكد أن
"فشل الجيش في أكتوبر ليس الحادث الوحيد في تاريخه، فإنه فشل في حماية مستوطنة
معالوت شمال فلسطين المحتلة، وفي حماية الرياضيين في الألعاب الأولمبية في ميونيخ
بألمانيا، وفشل في منع المسلحين من التسلل إلى الطريق الساحلي في كريات شمونة، رغم
أنه غزا صحراء سيناء بأكملها، والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان خلال 6 أيام....
لكنه فشل بشكل كارثي في حرب يوم الغفران في الدفاع عن نفس الحدود التي احتلها،
وانهارت خطوطه الدفاعية في قناة السويس، وسقطت مواقعه، وأسر المئات من جنوده، وتم
الاستيلاء على جبل الشيخ، وكادت الدبابات السورية أن تمس بحيرة طبريا".
وأضاف في مقال نشره موقع
زمن إسرائيل، وترجمته
"عربي21" أن "جيش الاحتلال لا يعرف كيف يخوض معارك دفاعية، لأنه
لم يتم تدريبه على الدفاع عن المواقع الاستيطانية والكيبوتسات والسياج الحدودي،
رغم أنه وصل إلى بيروت في غضون أربعة أيام خلال حرب لبنان الأولى 1982، لكنه لم
يتمكن طوال 18 عاماً من خوض معركة دفاعية في المنطقة الأمنية، عندما كانت
التنظيمات الفلسطينية تطلق النار في سماء مستوطنات الجليل، وتزرع المتفجرات على
جنودها، وتطلق النار على الجنود، وتلحق به خسائر فادحة".
وأشار إلى أن "جيش الاحتلال الذي احتلّ الضفة
الغربية في غضون أيام، لم يتمكن على مدى عقود من توفير الحماية ضد الهجمات
الفلسطينية الخطيرة باتجاه المستوطنات التي استولى عليها في الأيام الستة خلال
ساعات، لكنه لم يتمكن لسنوات من توفير الحماية المناسبة لمستوطني قطاع غزة الذين
استقروا هناك بتشجيع ودعم من حكومات الاحتلال، وقد خاض الجيش مؤخراً معركة دفاعية
ضد وابل مئات الصواريخ الإيرانية، لكن السؤال الأهم: أين هو هذا الجيش خلال
الـ365 يوما المتبقية من العام؟".
وأكد أنه "لو كان جيش الاحتلال يعرف كيف
يخوض مثل هذه المعركة ضد حماس، لما كان هناك الآن 133 مختطفاً في جحيم غزة، مع
أنه كان في السابع من أكتوبر غنياً بالتقنيات الهجومية في مجال الإنترنت،
والصواريخ المضادة للصواريخ، والقوة الجوية التي تمتلك أفضل الطائرات الحديثة
والطائرات بدون طيار والدبابات التي تحميها الصواريخ، ومع ذلك فإنه فشل في حماية
مستوطني غلاف غزة، رغم كل الوسائل والميزانيات والقوى البشرية التي أتيحت
له".
وأوضح أن "جيش الاحتلال اليوم، ومباشرة
بعد عملية رفح، قد يبدو مطالباً ببناء خطة دفاعية عن المستوطنات في الجنوب، وأن
يقول لنفسه إنه كي لا يبقى في وحل غزة، ولا ينجرّ للحكم العسكري فيها، فإنه من
المفترض أن يوفر الحماية للمستوطنات المحيطة جنوباً من الخط الحدودي، بكل
الإمكانيات والوسائل التي وفّرتها له الدولة، ولو أنه فعل ذلك قبل كارثة أكتوبر
2023 لكان الواقع برمّته مختلفاً اليوم، وكان من الممكن إنقاذ آلاف القتلى
الإسرائيليين، ولما انهار الاقتصاد، ولما تآكلت مكانة إسرائيل الدولية".
واستدرك بالقول بأنه "لا ينبغي تجاهل الدور
المركزي الذي لعبته حكومة الاحتلال بالفشل في حماية المستوطنين، وما مارسته من
سياسة غير شرعية ضد حماس طيلة سنوات، ولم تتخذ قراراتها في الوقت المناسب، ورفضت
أي نقاش حول المستقبل وأهدافها في الحرب، ولا ينبغي تجاهل السلوك غير اللائق
للحرب، والإصرار على عدم التخطيط لها في اليوم التالي، ومضايقة أهالي المختطفين،
وتنفيرهم من مصير أبنائهم".
وخلص إلى القول إن جيش الاحتلال "فشل في
جميع معاركه الدفاعية، صحيح أنه يعرف كيف يهاجم، لكنه لم يتعلم بعد كيفية الدفاع،
وسيكون من الصعب للغاية على قادته أن يخوضوا معركة ليس لهم فيها تفوق، أو لا تشمل
عملية جراحية تقوم بها دورية نخبوية، أو إطلاق صاروخ دقيق على نافذة مسؤول إيراني
في دمشق، لكن ذات الجيش رغم ذلك يخوض معركة عبثية ضد عدو ينتظر ويتربص في كل لحظة
بنفس الضعف والتراخي واللامبالاة، وحتى يعترف الإسرائيليون بهذه الحقيقة، فإنهم سيظلون
محكومين بالبحث عن حلول بالمزيد والمزيد من الهجمات والحروب الهجومية، ما سيدعو
دائما إلى ردّ الفعل والانتقام، والاستمرار في دائرة القتال بلا نهاية".
ويمكن الخروج باستنتاج من هذه القراءة
الإسرائيلية المتشائمة، والتي مفادها أن جيش الاحتلال لم يستخلص بعد الدروس
المستفادة بشأن الحماية المطلوبة للحدود، رغم مزاعمه الفضفاضة بالمضي قدماً في
تدمير حماس، وتحقيق ما يدّعيه بشأن "النصر الكامل"، لكنه رغم ذلك لا
يقدم حماية مطلقة وقوية للمستوطنات، مع أنه متجهّز بدفاعات قتالية بأفضل الوسائل
والأسلحة والاستخبارات، لكن الخطورة رغم ذلك أن المقاومة الفلسطينية استطاعت، وما
زالت، اختراق هذه التحصينات، ومفاجأة جيش الاحتلال وحكومته الفاشلة.