سياسة دولية

كيف تنتهك مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى "إسرائيل" الحدود القانونية؟

من المحتمل أن تكون عدة قنابل أمريكية الصنع تزن 2000 رطل قد استُخدمت في قصف مخيم جباليا في تشرين الثاني/ نوفمبر- الأناضول
مثل اعتراف الرئيس بايدن بأن الأسلحة الأمريكية تقتل المدنيين في غزة نقطة تحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه "إسرائيل" بعد أيام من قيام الجيش الإسرائيلي بأول تحرك له في رفح وقبل صدور تقرير حكومي متوقع للغاية حول التزام تل أبيب بقوانين الحرب.

وسلطت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها ترجمته "عربي21"، الضوء على قلق الإدارة الأمريكية بشأن ردود الفعل الدولية حول استخدام إسرائيل للأسلحة الأمريكية في غزة ضد المدنيين، ما يعني أن الحكومة الأمريكية قد تمارس ضغوطا على الاحتلال للتقيد بقوانين بيع الأسلحة وتجنّب استخدامها في الأعمال العسكرية ضد المدنيين.

وفي حين أعربت إدارة بايدن مرارا وتكرارا عن قلقها بشأن الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، يقول بعض المسؤولين السابقين إنها استغرقت وقتا أطول في تنفيذ القوانين والسياسات التي تهدف إلى منع استخدام الأسلحة الأمريكية في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.

وذكرت الصحيفة أن نقطة الانهيار جاءت بالنسبة لبايدن يوم الاثنين عندما أمر الجيش الإسرائيلي بإجلاء فوري لـ 100 ألف مدني من مدينة رفح الجنوبية واستولى على المعبر الحدودي مع مصر، محذرا من أنه سيستخدم "القوة المفرطة" ضد المسلحين في المنطقة المكتظة بالسكان.

ويقول الخبراء إن الولايات المتحدة كانت دائما انتقائية في كيفية تطبيق القانون الدولي، وفي كيفية الموازنة بين المخاوف الحقوقية والسياسة الواقعية، لكن دعمها المادي المستمر للحرب الإسرائيلية في غزة أدى إلى زيادة نادرة في ردود الفعل العامة من المسؤولين السابقين، الذين يقولون إن الإدارة تتباطأ في تطبيق القوانين التي تهدف إلى الحد من المساعدة العسكرية للحلفاء الأجانب أو فرض شروط عليها.

وأشارت الصحيفة إلى أن منظمات حقوق الإنسان أمضت أشهرا في توثيق الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي من قبل الجيش الإسرائيلي في غزة - التي تم تنفيذ كثير منها باستخدام أسلحة أمريكية الصنع - بما في ذلك الهجمات على الأحياء المدنية والمرافق الصحية والصحفيين وعمال الإغاثة.

 ووفقًا لجوش بول، الذي عمل سابقا في مجال نقل الأسلحة في وزارة الخارجية، فإنه من المنظور القانوني داخل القانون المحلي الأمريكي، هناك مجموعة أوسع بكثير من القواعد التي يتم تجاهلها في الوقت الحالي.

الأسلحة الأمريكية تحت المجهر
أكدت الصحيفة أن وزارتي الخارجية والدفاع يجب أن تقدما قريبا تقريرا إلى الكونغرس لتقييم مصداقية الادعاءات بأن الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة قد استُخدمت في انتهاك للقانون الدولي. 

وبحسب ما صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر للصحفيين الأربعاء، فإن هذا التقرير قد تم تأجيله، واعدا بإجراء تقييم "في المستقبل القريب جدا".

وخلص تحليل لعدة آلاف من تقارير الحوادث المختلفة من غزة، نشرته لجنة مستقلة من الخبراء الشهر الماضي، إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يتصرف "بتجاهل منهجي للقانون الإنساني الدولي مع شن هجمات متكررة على الرغم من الضرر المتوقع غير المتناسب للمدنيين والأعيان المدنية". 

 ووفقا لتشارلز بلاها، الذي عمل مديرا لمكتب الأمن وحقوق الإنسان بوزارة الخارجية بين 2016 و2023 وساهم في التقرير المستقل، فإنه بالنظر إلى تلك المباني المنهارة والناس المحاصرين تحتها، فإن الاحتمالات أن هذا الموت والدمار ناجم عن سلاح قدمته الولايات المتحدة.

بدوره، أشار بريان فينوكين، أحد كبار مستشاري مجموعة الأزمات، إلى أن تقرير الإدارة الأمريكية الذي قد يجد أن الضمانات الإسرائيلية بشأن دعم القانون الدولي ذات مصداقية، سيعني مواصلة النهج الأمريكي طويل الأمد لتقديم الدعم لـ "إسرائيل"، وجعل الدعم غير مشروط، وتأييد الإفلات من العقاب.

وأفادت الصحيفة بأنه استشهد ما يقارب الـ35 ألف فلسطيني خلال سبعة أشهر من الحرب، وذلك وفقا لوزارة الصحة في غزة، التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين لكنها تقول إن غالبية القتلى هم من النساء والأطفال. 

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل 13 ألف مقاتل لكنه لم يقدم أدلة داعمة. ووفقا لتحليل نشرته صحيفة واشنطن بوست السنة الماضية، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات جوية متكررة وواسعة النطاق بالقرب من المستشفيات في شمال غزة على مدى شهرين ونصف. 

وفي عشر حالات على الأقل، أشارت الحفر إلى استخدام قنابل تزن 2000 رطل، تم توفير العديد منها من قبل الولايات المتحدة. 

ومن المحتمل أن تكون عدة قنابل أمريكية الصنع تزن 2000 رطل قد استُخدمت في غارة نهارية على مخيم جباليا للاجئين المكتظ بالسكان في تشرين الثاني/ نوفمبر، وأدى الهجوم إلى استشهاد أكثر من 110 فلسطينيين.

وسجّلت مجموعة المراقبة "إنسكيوريتي إنسايت" 839 حادثة عنف ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية، أو إعاقة الوصول إلى الرعاية الصحية في غزة منذ بدء النزاع. 

وتوصل تحقيق أجري في أحد هذه الحوادث إلى أن سيارة إسعاف قد تم استهدافها على ما يبدو بقذيفة مضادة للدبابات أطلقت من دبابة "ميركافا"، وهي مركبة مدرعة قدمت لها الولايات المتحدة الأجزاء والمكونات الرئيسية.

وأضافت الصحيفة أنه تم ربط الأسلحة الأمريكية بهجمات متعددة على عمال الإغاثة والمنشآت، ومن المرجح أن ضربة إسرائيلية في شهر كانون الثاني/ يناير على مجمع سكني يقيم فيه عمال إغاثة دوليون، قد استُخدمت فيها "قنبلة ذكية" أمريكية الصنع تزن 1000 رطل، وذلك وفقا لنتائج تحقيق أجرته عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة.

وخلصت منظمة أطباء بلا حدود وفريق تحقيق مستقل إلى أن دبابة "ميركافا" قد استخدمت أيضا في هجوم يوم 20 شباط/ فبراير على دار ضيافة لموظفي منظمة أطباء بلا حدود، ما أسفر عن مقتل اثنين من أفراد أسرهم.

"إنه أمر لا يمكن تفسيره"
أشارت الصحيفة إلى أنه في أحد أعماله الأولى كرئيس، سمح بايدن بتجميد مؤقت لنقل الطائرات المقاتلة الشبح من طراز إف-16 إلى الإمارات العربية المتحدة والصواريخ الموجهة بدقة إلى المملكة العربية السعودية، في أعقاب تقارير تفيد بأن الأسلحة كانت مرتبطة بخسائر في صفوف المدنيين في حرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.

وتم اتخاذ هذا القرار بموجب سياسة نقل الأسلحة التقليدية، التي تتطلب من الحكومة وقف عمليات نقل الأسلحة حيثما يُنظر إلى أنها ستُستخدم "على الأرجح" لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي. وقد قُتل حوالي 9000 مدني في اليمن على مدار سبع سنوات من الغارات الجوية لقوات التحالف.

يتذكر بول أن وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية كان قرارا سياسيا بسيطا اتخذته إدارة بايدن حتى قبل أن يتولوا مناصبهم ثم أبلغونا به مباشرة في غضون 20 دقيقة من أداء اليمين. 

ويقول إن التوجيهات السياسية المحدثة، التي أصدرتها إدارة بايدن في أوائل سنة 2023، في ما يتعلق بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، هي "أفضل سياسة لنقل الأسلحة التقليدية على الإطلاق". 

وأضاف أن عدم تنفيذه في غزة، في حين أن هذا هو الشيء الذي طرحته هذه الإدارة، أمر لا يمكن تفسيره. 

ونقلت الصحيفة عن أونا هاثاواي، التي عملت لمدة سنة كمستشارة خاصة لوزارة الدفاع الأمريكية: "لا أعتقد أن هناك أي شيء اسمه استثناء. عندما تسمح لدولة ما بالمشاركة في أعمال يراها كثير من الناس على الأقل غير متوافقة مع القانون الإنساني الدولي، فإن هذا يكون له أثر".

وهناك مجموعة أخرى من القوانين الأمريكية، المعروفة باسم قوانين "ليهي"، تتطلب قطعا تلقائيا للمساعدة الأمنية للوحدات العسكرية الأجنبية المتورطة بشكل موثوق في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان حتى تتم معاقبة الجناة بشكل مناسب - أو "التعامل معهم".

 وفي سنة 2022، تم تطبيقها على الوحدات التي توفرها الولايات المتحدة في أذربيجان وقيرغيزستان والمكسيك ودولة سانت لوسيا الكاريبية.

وبينما يدرس وزير الخارجية أنتوني بلينكن ما إذا كان سيتم حجب الدعم عن إحدى هذه الوحدات الإسرائيلية التي تخدم في غزة، يصف بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين الإدارة بأنها تبذل قصارى جهدها لتجنب اتخاذ قرار مماثل. 

وقال اثنان من المسؤولين الأمريكيين الحاليين، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مداولات داخلية حساسة، إن الوحدة المعنية هي كتيبة نيتسح يهودا – سيئة السمعة بين جماعات حقوق الإنسان والمدنيين الفلسطينيين بسبب وحشيتها في الضفة الغربية.

وقد وثقت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، ومقرها واشنطن، 12 حالة من الانتهاكات الخطيرة من قبل الوحدة. وتشمل هذه الحوادث حادثتي إطلاق نار مميتتين، وحالتين للصعق بالكهرباء ضد معتقلين، وخمس حالات ضرب، وحالة اعتداء جنسي واحدة. 

وفي حين تم توجيه تهم جنائية ضد بعض الجنود ذوي الرتب الأدنى، فإن القادة غالبا ما نجوا من أسوأ العواقب.

وفي رسالة إلى رئيس مجلس النواب مايك جونسون (الجمهوري عن ولاية لوس أنجلوس) حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست"، قال بلينكن إنه في حين أن الوحدة متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ولم تتم معاقبتها بشكل مناسب، فإن الولايات المتحدة "ستعمل على تحديد هوية المسؤول والسبيل إلى الحل الفعال".

وقال فينوكين إن استمرار دعم واشنطن للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، حتى مع إدانتها لانتهاكات الحقوق في مناطق الصراع الأخرى - من أوكرانيا إلى السودان - "يقوّض مصداقية الولايات المتحدة في سعيها لتعزيز جهود العدالة الجنائية الدولية والمساءلة". وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين، الذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويته للحديث عن المناقشات الحساسة، إن الصين جعلت التبادلات الدبلوماسية مع الدول الأخرى أكثر نشاطًا في الأشهر الأخيرة.


الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع