نشر موقع "
سبيكتاتور" الأمريكي، تقريرًا، بيّن فيه كيف أن
روسيا، رغم كونها الدولة الأكثر تعرضا للعقوبات في العالم بعد مرور أكثر من سنتين على غزو أوكرانيا، سجّلت هذه السنة نموا اقتصاديا أسرع من أي ديمقراطية في مجموعة السبع.
وأوضح الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، أنه بالعودة إلى سنة 2022، فقد تعهد بوريس جونسون بـ"الضغط على روسيا من خلال
الاقتصاد العالمي.. يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع". ووعد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأن العقوبات "ستفرض تكلفة باهظة على الاقتصاد الروسي، سواء على الفور أو مع مرور الوقت".
لكن لم تتحقق هذه التحذيرات قط، إذ أثبت الاقتصاد الروسي مرونته في مواجهة العقوبات. ومرونة موسكو في إعادة هيكلة علاقاتها التجارية والطلب المحلي، سمح لها بالصمود في وجه العاصفة.
ومنذ سنة 2022، حلّت الصين بشكل مطرد محل الاتحاد الأوروبي باعتبارها الشريك التجاري الرئيسي لروسيا والمورد التكنولوجي. وفي الداخل، أعطت الزيادة في الإنفاق العسكري حافزاً كبيرًا للاقتصاد الأوسع.
وأشار
الموقع إلى أن صندوق النقد الدولي رفع توقعاته، الشهر الماضي، للنمو الاقتصادي في روسيا إلى 3.2 بالمائة في سنة 2024، وهذا يجعل البلاد تتماشى مع المتوسط العالمي وتتجاوز معدلات النمو المتوقعة للولايات المتحدة (2.7 بالمائة) - أكبر اقتصاد في العالم - والمملكة المتحدة (0.5 بالمائة)، وألمانيا (0.2 بالمائة)، وفرنسا (0.7 بالمائة).
وقال الموقع إن مؤشرات الأعمال الرئيسية، مثل مؤشر مناخ الأعمال الذي يصدره البنك المركزي، وهو مقياس لآراء الشركات، استنادًا إلى استطلاعات الرأي، والتفاؤل في الصناعة بشكل عام، أصبحت مرتفعة.
وقد وصل مؤشّر مديري مشتري الصناعات التحويلية، وهو قراءة أساسية لثقة الأعمال، إلى أعلى مستوى له منذ 18 عامًا تقريبًا. كما أن الرواتب، بعد تعديلها وفقًا للتضخم، والتي لا تزال مرتفعة عند مستوى الـ7.4 بالمائة ولكنها مستقرة، آخذة في الارتفاع خاصة بالنسبة للعمال من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط.
وينفق الروس المزيد على المطاعم، والسلع المنزلية، بل وحتى العقارات، ولم يسبق لهم قط أن حظوا بمثل هذه الرفاهية. مع ذلك، فإن الأخبار السيئة بالنسبة للروس، ولرئيسهم فلاديمير بوتين، هي أن هذا النجاح الاقتصادي هش.
وأضاف الموقع أن الإنفاق الحكومي في روسيا يدفع النمو، وحاليًا تملي الحرب هذا الإنفاق. ومن المتوقع أن يرتفع الإنفاق الحكومي بمقدار النصف بنهاية السنة مقارنة بسنة 2021.
وقفز الإنفاق المالي بمقدار الربع في سنة 2022، وهي السنة الأولى للحرب، أي أكثر من ضعف معدل التضخم، ليصل إلى ما يزيد قليلًا على الـ32 ألف مليار روبل. وزادت الحكومة إنفاقها بنسبة 4 بالمائة في سنة 2023، وستزيد مبلغ 4000 مليار روبل أخرى أو نحو ذلك (حوالي 12 بالمائة) هذه السنة. وبعد تعديله ليتناسب مع التضخم، فإن هذا يمثل ارتفاعًا بنسبة 14 بالمائة بين سنتي 2021 و2024.
وذكر
الموقع أن هذه الزيادة الهائلة في الإنفاق هي التي تغذّي صناعة الحرب المتطورة في روسيا. وقد تضاعف الإنفاق العسكري المباشر لروسيا ثلاث مرات تقريبًا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 6 بالمائة من 2.7 بالمائة في سنة 2021، وهي السنة الماضية التي ظل فيها تقريبًا متماشيًا مع متوسط العقدين البالغ 3 بالمائة. وإذا أخذنا في الاعتبار النفقات السرية، والمدفوعات لأرامل الحرب، والإنفاق المرتبط بالحرب في الأراضي المحتلة في أوكرانيا، فإن الحصة الحقيقية من الناتج المحلي الإجمالي أعلى بلا شك.
وكما كان الحال في العصر السوفييتي، فإن الحرب كانت بمثابة نعمة مالية للمجمع الصناعي العسكري الروسي والصناعات المرتبطة به، والقوات المسلحة وأسرها، وجميع أجزاء القطاع العام المرتبطة بالدفاع والأمن. فإن المحطات العسكرية، التي كانت شبه خاملة منذ عقد من الزمن، تعمل الآن على مدار الساعة.
وأضاف الموقع أن الطلب المتزايد على العمالة الناجم عن هذا المحور لاقتصاد زمن الحرب اصطدم مع تضاؤل المعروض من العمال، الذي استنزفته التعبئة، والهجرة، وانخفاض تدفق المهاجرين من آسيا الوسطى. وفي مواجهة النقص في القوى العاملة، فقد اضطرت الصناعة العسكرية إلى زيادة متوسط الرواتب بنسبة 50 بالمائة على الأقل مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.
وترتفع الرواتب بشكل أسرع في المناطق الصناعية التي تعاني تقليديًا من الركود، كما هو الحال في جبال الأورال، والشرق الأقصى، ووسط روسيا، وبين العمال ذوي الياقات الزرقاء. ولا عجب أن معدلات البطالة انخفضت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بنسبة 2.7 بالمائة، كما يعشق بوتين أن يتباهى بانتظام.
وبحسب الموقع نفسه، فإن النتيجة الأخرى لزيادة الإنفاق الحكومي هي أنها تغذي طفر الإنفاق الاستهلاكي. وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة عائدات الضرائب، ما يسمح للحكومة بإنفاق المزيد. وهذا بطبيعة الحال هو أيضًا ما يجعل معدل التضخم أعلى من 7 بالمائة، ولكن لا يبدو أن هذا يزعج الكرملين، الذي يتمتع بشكل ملحوظ بمعدلات تأييد غير مسبوقة.
في بداية الحرب، كان الغرب يحاول إيجاد حل لدائرة حرجة، وهي كيفية حرمان روسيا من عائدات صادراتها مع الحفاظ على تدفق نفطها إلى الأسواق الغربية. هذه الاستراتيجية لم تكن لتنجح أبدًا. لقد جاءت العقوبات على النفط متأخرة للغاية وكانت متساهلة للغاية. وقد أعطى هذا التردد روسيا الوقت لإعادة توجيه مبيعاتها من أوروبا إلى آسيا، وفي المقام الأول إلى الهند والصين.
وأوضح الموقع أن "تكلفة المبيعات صحيح أنها أعلى، والمعدات أصبحت أكثر تكلفة ويصعب الحصول عليها، ولكن في الوقت الحالي تعمل الإيرادات التي تجنيها روسيا من بيع نفطها وغيره من السلع الأساسية على تغذية إنفاق ميزانيتها. وهذا الإنفاق بدوره يغذي النمو الاقتصادي".
وأفاد بأن "إنتاج دبابات الجيش وصواريخه مستمر على مدار الساعة لا يؤدي إلى زيادة الإنتاجية. ويعني ارتفاع الطلب على العمال وصعوبات الوصول إلى التكنولوجيا الغربية أن روسيا شهدت بالفعل انخفاضًا قياسيًا بنسبة 3.6 بالمائة في إنتاجية العمل في سنة 2022 (وهو الثاني فقط في هذا القرن بعد الانخفاض بنسبة 4.1 بالمائة المسجل في سنة 2009 وسط الأزمة الاقتصادية العالمية). وفشل الانتعاش الطفيف في سنة 2023 في إعادة مستويات الإنتاجية إلى مستويات ما قبل الحرب".
على هذه الخلفية، خفّضت الشركات استثماراتها الرأسمالية تحسبًا لانخفاض الأرباح وارتفاع الضرائب. ومع استشعارهم لمستقبل غير واضح، فإن المستهلكي يميلون أيضًا إلى الإنفاق، وليس الادخار. وقد حدث هذا أيضًا في روسيا.
وأضاف الموقع أن انخفاض أسعار النفط أو الارتفاع الإضافي في تكاليف المبيعات، في المستقبل، بسبب العقوبات من شأنه أن يؤثر على إيرادات الدولة. إن خفض الإنفاق العسكري من شأنه أن يعرض الاستقرار الاجتماعي للخطر، لأنه قد يؤدي إلى فقدان الوظائف في صناعة الحرب وتباطؤ الاقتصاد بشكل عام. وستعاني القطاعات غير العسكرية في الاقتصاد من نقص الاستثمار وانخفاض الإنتاجية. ومن ناحية أخرى، فإن أسواق رأس المال والتكنولوجيا الغربية سوف تظل مغلقة في وجه روسيا.
ولفت
الموقع إلى أن بوتين أو خليفته يجدون أنفسهم في دور الناكر للجميل الذي لعبه ميخائيل غورباتشوف، الذي أصبح الزعيم السوفييتي قبل أربعين سنة. وكما حدث في أواخر الاتحاد السوفييتي، فإن الحاجة إلى موازنة الميزانية في ظل انخفاض الإيرادات، وتراجع الإنتاجية، ونقص التمويل الأجنبي، من شأنها أن تؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية، سواء كان ذلك خفض الإنفاق المالي أو السماح ببقاء معدلات تضخم مرتفعة بشكل مستمر.
وبيّن الموقع أن روسيا ترهن مستقبلها لدفع تكاليف الحرب الحالية والنمو الاقتصادي. وهي قادرة في الوقت الحالي على الحفاظ على هذا الوضع، لكن الأمر لن يتطلب المزيد من الضغوط حتى ينهار الاقتصاد الهش الذي بناه بوتين، في حين أن ذلك قد يكون في أيدي الغرب.