قالت صحيفة
الإيكونوميست، إن دولة
الاحتلال عادت لتمزيق نفسها، بعد 7 أشهر من شنها
العدوان على قطاع
غزة، بفعل فشل المسؤولين
عن إدارة الحرب، وعودة الكثير من الأزمات.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه تم بث إضاءة الشعلة التي تفتتح عادة في
ذكرى النكبة الذي يعتبره الاحتلال استقلالا، مساء يوم 13 أيار/ مايو كالمعتاد، ولكن
بدلا من بث الحدث على الهواء مباشرة كالمعتاد، تم تسجيل الحدث مسبقا. وقالت
الحكومة إن هذا يرجع إلى جدية إقامة الحفل بينما كانت الأمة في حالة حرب.
لكن السبب الحقيقي كان
خوف السياسيين من أن يعرقلها المحتجون الغاضبون من فشلهم في التعامل مع العدوان،
وفي انتهاك للبروتوكول، قامت بعض محطات البث في الوقت نفسه ببث حفل بديل بمناسبة
عيد الاستقلال نظمته عائلات الرهائن المحتجزين في غزة، احتجاجا على الحكومة.
وذكرت الصحيفة أنه
بينما احتفل الاحتلال بالذكرى الخامسة والسبعين للنكبة قبل سنة، بدا للكثيرين أن
التهديدات الأكثر إلحاحا لازدهارها واستقرارها وأمنها تأتي من الداخل. فقد أطلقت
الحكومة الجديدة، التي سيطرت عليها الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب القومية
الدينية، إصلاحا دستوريا جذريا، يهدف إلى إضعاف المحكمة العليا المستقلة بشكل
كبير. وأدت الإصلاحات المقترحة إلى خروج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع
في احتجاجات مريرة ضد ما اعتبروه تآكلا خطيرا للأسس الديمقراطية في بلادهم.
لقد كان صراعا بين
إسرائيليتين: دولة علمانية، أو على الأقل في نظرها ليبرالية، لا تزال متحالفة مع
روح مؤسسي إسرائيل الاشتراكيين الصهيونيين، وإسرائيل الجديدة التابعة لحزب الليكود
اليميني الحاكم وشركائه من اليهود المتشددين. وبدت هاتان الرؤيتان لهوية البلاد غير
متوافقة على نحو متزايد، ولاحت في الأفق أزمة دستورية، وحذر الرئيس الإسرائيلي
إسحاق هرتسوغ من نشوب حرب أهلية.
وبحسب الصحيفة، ففي
الوقت نفسه، بدا أن التهديدات الخارجية طويلة الأمد، الفلسطينيون وإيران، يمكن
التحكم فيها، وتلاشى بروز الاحتلال الإسرائيلي المتقيح للفلسطينيين في الضفة
الغربية والحصار المفروض على غزة على الصعيدين الإقليمي والدولي. وأضفت إسرائيل
علاقات دبلوماسية رسمية مع خمس دول عربية، ويبدو أن تحقيق انفراجة مع السعودية
أصبح قاب قوسين أو أقرب. وكان التكاتف لمواجهة نفوذ إيران، المنافس المشترك، له
الأسبقية على حل محنة الفلسطينيين.
وأضافت أنه بعد مرور
12 شهرا على الذكرى السنوية السادسة والسبعين، تلوح في الأفق المخاطر خارج حدود الاحتلال،
العالق في حرب كارثية في غزة، مع وصول عدد الشهداء إلى 35272 شهيدا و79205 مصابين.
وقد أثار ذلك موجة من
الاحتجاجات ضد الاحتلال، واتخاذ إجراءات قانونية تتهمها بانتهاك القانون الدولي
وتصاعد عالمي في النشاط، وقد بدأ الرئيس جو بايدن في تقييد إمدادات الأسلحة إلى
إسرائيل من أجل إثنائها عن غزو واسع النطاق لرفح.
أما خارج غزة، فإن
الصورة قاتمة، فقد شن
حزب الله حرب استنزاف خاصة به، ما أجبر عشرات الآلاف من المستوطنين على ترك منازلهم، وأصبحت المنطقة الأوسع أكثر تهديدا. ويستهدف الحوثيون في اليمن
السفن في البحر الأحمر.
وفي 13 نيسان/ أبريل، ردت
إيران بهجوم كبير على اغتيال أحد كبار جنرالاتها في قنصليتها في دمشق، وساعد
تحالف من الجيوش الغربية والعربية الاحتلال على صد الهجوم، وتجنب حرب مفتوحة، على
الأقل في الوقت الحالي، ولكن مع ارتفاع عدد الشهداء في غزة، تتدهور العلاقات مع الجيران
العرب، وتبدو العلاقة مع مصر، التي لها حدود مع غزة وتشعر بالقلق من امتداد العدوان،
هشة بشكل خاص. ويبدو أن ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي، محمد بن سلمان، لا يزال
منفتحا على "تطبيع" العلاقات، لكنه يريد أن يرى وقفا لإطلاق النار في
غزة وإحياء عملية السلام المحتضرة مع الفلسطينيين أولا.
لا يمكن أن تستمر
ولفتت الصحيفة إلى أنه
في البداية، ردت إسرائيل على هجوم حماس بإظهار الوحدة، ويبدو أن الإسرائيليين
وضعوا خلافاتهم جانبا، حيث اجتمع متطوعون علمانيون ومتدينون للحشد للحرب على غزة.
ولكن مع استمرار العدوان،
عادت الانقسامات إلى الظهور، إن دعم غزو غزة لم يترجم إلى دعم للحكومة، وحل محل
الخلافات حول النظام القضائي الغضب من السياسيين الذين أساءوا إدارة الحرب بشكل
كارثي.
وتعمقت مشاعر الاستياء
مع تجادل الإسرائيليين حول ما إذا كانوا يتحملون عبئا مماثلا في الحرب. وأدى
القتال إلى تفاقم غضب الإسرائيليين العلمانيين تجاه اليهود المتشددين، الذين
يمثلون 13 بالمئة من الإسرائيليين، والذين تم إعفاء شبابهم منذ فترة طويلة من
الخدمة العسكرية. وقضت المحكمة العليا بأن الإعفاء غير دستوري، ما أثار غضب
الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة التي تشكل عنصرا رئيسيا في ائتلاف نتنياهو.
وهذه السنة، تعرض
وزراء الحكومة للمضايقات في مراسيم ذكرى النكبة، خاصة عائلات الجنود القتلى،
وانسحب أقارب الجنود الذين قتلوا في الحرب في غزة من خطاب نتنياهو في المقبرة
الوطنية.
قبل سنة، حاول الرئيس
استخدام منصبه فوق السياسة للتوصل إلى حل وسط بشأن الإصلاح الدستوري. لقد فشل في
التوفيق بين الفصائل المتحاربة في إسرائيل في ذلك الوقت، ويبدو أنه من المرجح أن
يفشل الآن.
وقد ساهمت الانقسامات
بين الإسرائيليين في تشكيل مسار العدوان، وقد رفض نتنياهو صياغة إستراتيجية لإنهاء
الحرب تتجاوز الأهداف الغامضة المتمثلة في "تدمير حماس" و"النصر
الكامل"؛ لأنه لا يزال يعتمد بشكل كبير على شركائه في الائتلاف اليميني
المتطرف. وهم لا يبذلون أي محاولة لإخفاء رغبتهم في إعادة احتلال غزة بشكل دائم
وإعادة بناء المستوطنات اليهودية التي قام الاحتلال، بتفكيكها هناك في سنة 2005.
وقد أيدت أغلبية ساحقة
من الإسرائيليين العدوان في الأشهر الأولى، لكن هذا الوضع يتغير، فوفقا لأحد
الاستطلاعات التي أجريت مؤخرا، فإن 62 بالمئة من سكان البلاد يعتقدون حاليا أن
اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت لإطلاق سراح الأسرى الباقين على قيد الحياة في غزة
يجب أن يكون له الأولوية على أي هجوم عسكري آخر داخل رفح، لكن نتنياهو متردد،
ويهدد المتشددون في حكومته بإسقاط الحكومة إذا توقفت الحرب.
لقد عاد أولئك الذين
احتجوا ضد الإصلاحات القضائية التي أجراها نتنياهو إلى الشوارع، لكنهم كافحوا من
أجل إيجاد رسالة موحدة. ويطالب البعض بإطلاق سراح الأسرى مهما كان الثمن. ويطالب
آخرون بإنهاء الحرب. ويطالب الكثيرون ببساطة برحيل نتنياهو، وفي الوقت نفسه، نظم
أنصار الحكومة مجموعات ضغط خاصة بهم مكونة من عائلات الأسرى والجنود القتلى الذين
يطالبون بمواصلة قصف غزة.
وقد عرضت إدارة بايدن
وشركاؤها في المنطقة على إسرائيل مخرجا من الحرب من خلال رؤية السلطة الفلسطينية
"المنشطة" التي تحل محل حماس في غزة، وبناء تحالف إقليمي مدعوم من
الولايات المتحدة ضد إيران، وقد يكون الأمر أبعد ما يكون عن البساطة، لكنه سيكون
أفضل مما يبدو، وكأنه حرب لا يمكن الفوز فيها.
وأكدت الصحيفة مع ذلك أن الانقسامات داخل الاحتلال تجعل من المستحيل تقريبا على البلاد أن تتبع مثل
هذا المسار. ويعرقلها مزيج من السكان المصابين بصدمات نفسية ومنقسمة، ونظام
انتخابي يمنح سلطة غير متناسبة للأحزاب المتطرفة الصغيرة، وزعيم لا يحظى بشعبية
يناضل من أجل بقائه السياسي قبل كل شيء.
واختتمت الصحيفة
بقولها إنه قبل سنة مضت، اعتقد أولئك الذين ينتمون إلى اليمين، بما في ذلك
نتنياهو، أن إسرائيل قادرة على النجاة من الاضطرابات الداخلية التي تعيشها، ويرجع
ذلك جزئيا إلى أنها لم تعد تواجه التهديدات الخارجية من الماضي. واليوم، من الواضح
أنه حتى في ذروة الحرب، تظل التهديدات الكبرى لإسرائيل موجودة داخل حدودها، وفقا
للصحيفة.