مساحة جغرافية صغيرة، عدد سكان قليل، وفرة مالية كبيرة، مجتمع غني،
عقد سياسي بين آل الصباح والتجار مطلع القرن الماضي أنتج شراكة سياسية عبر بوابة
صناديق الاقتراع، وهذه كلها عوامل داعمة لإقامة
الديمقراطية وتطورها، وجعلت من
الكويت تجربة سياسية استثنائية في محيط جغرافي مختلف سياسيا إلى حد كبير.
لكن، خلف هذه الصورة العامة، تعاني الديمقراطية الكويتية من مشاكل
جوهرية حالت دون استقرارها وتطورها، بما ينعكس إيجابا على المستويات السياسية
والاقتصادية والقانونية.
مشكلات الديمقراطية الكويتية
1 ـ ثمة انقسام حضري وقبلي بين مؤسسي الدولة من آل الصباح والتجار
الكبار من جهة والقبائل البدوية (شمر، العوازم، العنوز، العجمان.. إلخ) من جهة
أخرى، متبوعا بتباين طائفي بين الأكثرية السنية والأقلية الشيعية، وانتشار حاد
للفساد والمحسوبية وتجاوز القانون.
وعلى الرغم من المناخ الديمقراطي القائم منذ مطلع ستينيات القرن
الماضي، متبوعا بحريات عالية مقارنة بالمحيط الجغرافي، إلا أن العلاقات العامودية
(القبلية، الطائفية، المناطقية) ما تزال هي الفاعل والموجه للسلوك السياسي، ولم
تنشأ رغم عقود الديمقراطية ثقافة سياسية قائمة على الفردانية.
بعد ستة عقود من هذه التجربة المشوهة كان يفترض أن تكون الكويت على موعد مع قفزة تاريخية باتجاه الديمقراطية يخلصها من مشاكلها الذاتية السابقة، لكن الذي حصل هو العكس، حيث كان المجتمع الكويتي والمهتمين بالديمقراطية في العالم العربي على موعد تاريخي عنوانه تعطيل الديمقراطية في البلاد، ولو إلى حين.
2 ـ واقع دستوري يحول دون تطور التجربة الديمقراطية، فالحكومات لا
تنبثق من البرلمان مباشرة، الأمر الذي يُفقد البرلمان قدرته على الحكم والتشريع،
ليتحول إلى مجرد مشاكس ومعرقل ينحصر عمله في ملاحقة الحكومة غير المنتخبة.
3 ـ مشاركة شخصيات من العائلة الحاكمة في الحكومة، ما وضع الحكومة في
موضع خارج المسائلة، أو على الأقل ضمن مسائلة شكلية، وهو ما رفضه كثير من النواب
ممن أصروا على فتح ملفات هامة، مثل ملفات فساد شارك فيها أفراد من العائلة الحاكمة.
4 ـ ضيق القاعدة الانتخابية على مستوى الأفراد واتساعها على مستوى
الدوائر: تقتصر عملية الانتخاب على أولئك الذين تجاوز سن الـ 21 عاما، مع استبعدا
المرأة وأفراد الجيش والشرطة والجالية الكويتية في الخارج، إضافة إلى فئة البدون
ممن لا يحملون الجنسية الكويتية.
أما على مستوى الدوائر، فالعكس صحيح، إذ قسمت الكويت إلى 25 دائرة
انتخابية، وهذا عدد كبير مقارنة بالمساحة الجغرافية الصغيرة وعدد السكان القليل،
الأمر الذي أدى إلى تشتت الأصوات وعدم تحولها إلى كتلة فارقة.
5 ـ غياب الأحزاب في العملية الانتخابية، الأمر الذي يحول دون تشكل
أجندات وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية يندرج تحتها الناخبون، وكان لهذا الغياب
أثر سلبي كبير، إذ جعل عمل البرلمان عملا فردانيا لا جماعيا، وحول الاهتمام من
القضايا الكبرى إلى قضايا الفساد والمحسوبية.
6 ـ غياب المجتمع المدني، فالمجال العام في الكويت مقتصر على
"الديوانيات"، ففيها يجري النقاش حول القضايا العامة، وفيها يستحصل
المرشح البرلماني على قاعدته الانتخابية، ولهذا حالت ظاهرة الديوانيات على ما فيها
من إيجابيات، دون نشوء مجتمع مدني يكون وسيطا بين المجتمع والدولة.
النتاج السياسي
بناء على هذه المعطيات السابقة، نشأ نظام سياسي غريب في الكويت، لا
هو بديمقراطي كامل ولا هو بنظام استبدادي تكون السلطة فيه محتكرة بالكامل في شخص
واحد.
فيه بعض القيم الديمقراطية، مثل شراكة الشعب في صنع القرار عبر
انتخاب السلطة التشريعية والفصل بين السلطات نسبيا، والرقابة على أداء السلطة
التنفيذية، وسلطة سحب الثقة من الوزراء، والحق في عدم التعاون مع رئيس مجلس
الوزراء مما قد يؤدي إلى إعفائه من قبل الأمير.
وبين هذا وذاك، تعقدت الحياة السياسية والتشريعية وتشابكت، ونشأت
صراعات انعكست سلبا على عمر الحكومات وعلى الأداء التشريعي.
مستقبل الديمقراطية الكويتية
بعد ستة عقود من هذه التجربة المشوهة كان يفترض أن تكون الكويت على
موعد مع قفزة تاريخية باتجاه الديمقراطية يخلصها من مشاكلها الذاتية السابقة، لكن
الذي حصل هو العكس، حيث كان المجتمع الكويتي والمهتمين بالديمقراطية في العالم
العربي على موعد تاريخي عنوانه تعطيل الديمقراطية في البلاد، ولو إلى حين.
لم تنشأ نخبة كويتية، سواء في مجلس الأمة أو في المجال العام تنظر إلى الديمقراطية من خارج المنظور البراغماتي والمناكفات السياسية، ولهذا السبب لم تخترق الديمقراطية في الكويت النسيج الاجتماعي القبلي والحضري معا.
ثمة ثلاثة أسباب رئيسية حالات دون حدون نقلة إيجابية في الديمقراطية
الكويتية، وأدت إلى هذه الانتكاسة:
1ـ نشأت الديمقراطية الكويتية في ظل معطيات تاريخية فرضت على آل
الصباح قبولها آنذاك، وخلال العقود الماضية لم تنشأ شخصيات من العائلة الأميرية
مقتنعة بالديمقراطية وبضرورة تطويرها، فظلت تنظر إلى الديمقراطية الكويتية على
أنها امتياز أعطته للشعب الكويتي بحدود الإمكان التاريخي.
2ـ لم تنشأ نخبة كويتية، سواء في مجلس الأمة أو في المجال العام تنظر
إلى الديمقراطية من خارج المنظور البراغماتي والمناكفات السياسية، ولهذا السبب لم
تخترق الديمقراطية في الكويت النسيج الاجتماعي القبلي والحضري معا.
3ـ مناخ جغرافي طارد للديمقراطية، وقد ظهر هذا جليا في الرسائل
الإماراتية والسعودية الداعمة لخطوة أمير الكويت بتعطيل الديمقراطية.
إن تعطيل التجربة الديمقراطية في الكويت يُشرع طرح السؤال الكبير
القديم ـ الجديد، لماذا تتقدم دول كثيرة نحو الديمقراطية (أميركا اللاتينية، شرق
أوروبا وجنوبها، منطقة أوراسيا، جنوب شرق آسيا، إفريقيا) فيما تتعطل الديمقراطية
دائما في العالم العربي؟