اقتصاد عربي

هكذا زادت سياسات مصر المالية من أرباح الخليجيين.. وأثرت على الفلاح المصري

استثمارات رؤوس الأموال الخليجية في مصر تحصل على مزايا غير متاحة في غيرها- جيتي
كشفت نتائج أعمال بعض الشركات باتت بين يدي مستثمرين خليجيين في مصر، عن تحقيق مكاسب مالية كبيرة، بسبب "فروق سعر الصرف"، وهو ما أرجعه مراقبون لدور سياسات رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي الاقتصادية والمالية، والتي أدّت لانهيار دراماتيكي بقيمة الجنيه، مقابل العملات الأجنبية، وأحدثت خللا بالسوق المحلية، منذ العام 2016.

والأحد الماضي، أعلنت شركة "موبكو" المصرية للأسمدة، والتي تستحوذ الإمارات والسعودية على نحو 45 بالمئة من أسهمها، منذ العام 2022، عن مكاسب صافية وصلت إلى 95 بالمئة، من فروق أسعار العملة المحلية، مقابل الدولار الأمريكي.

"ارتفاع تاريخي"
الخبر الذي تناولته الصحف والمواقع الاقتصادية المحلية، يقول: ارتفعت أرباح شركة مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو" بنسبة 95 بالمئة خلال الربع الأول من العام الجاري، لتصل إلى 7.64 مليار جنيه، مقارنة بربح 3.92 مليار جنيه في نفس الفترة من عام 2023.

مبيعات الشركة خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري زادت لتصل إلى 4.79 مليار جنيه، مقابل 1.5 مليار جنيه خلال الربع نفسه من العام الماضي، فيما سجّلت "موبكو" المرتبة الثامنة بين أقوى 50 شركة في مصر لعام 2023.

المثير للانتباه، أن الشركة أرجعت السبب في زيادة الأرباح إلى "فروق ترجمة الأرصدة بالعملات الأجنبية بمبلغ 5.7 مليار جنيه عن الفترة المقارنة من العام الماضي"، مؤكدة أنه "ارتفاع تاريخي" لأرباح الشركة التي سجّلت صافي ربح بلغ 4.79 مليار جنيه فقط خلال عام 2021، أي قبل الاستحواذ السعودي الإماراتي بنحو عام.

وبعد منافسة كبيرة بين الصندوق السيادي السعودي والإماراتي، استحوذت الشركة "السعودية المصرية للاستثمار" التابعة لـ"صندوق الاستثمارات العامة" على 25 بالمئة من أسهم "موبكو" في آب/ أغسطس 2022، فيما سبقها في نيسان/ أبريل من ذات العام، استحواذ "القابضة أبوظبي" على 20 بالمئة في موبكو، مقابل 266.5 مليون دولار.

وإلى جانب الاستحواذ الخليجي تتوزع باقي أسهم "موبكو" على الشركة "المصرية القابضة للبتروكيماويات"، بنسبة 30.75 بالمئة، و"ألفا أوريكس ليمتد" بـ20 بالمئة، و"المصرية القابضة للغازات الطبيعية" بـ7.62 بالمئة.

"سياسات البيع"
وخلال سنوات حكم السيسي (2014- 2030) تواصل حكومته عرض الشركات الحكومية والأصول العامة للبيع على مستثمرين استراتيجيين، ما دفع الشركات والصناديق الإماراتية والسعودية بشكل خاص للدخول في صراع على تلك الأصول التي كان آخرها عرض القاهرة 40 شركة للحصول على 40 مليار دولار في 4 سنوات.

وشهدت الاستحواذات الخليجية على الأصول المصرية، طفرة منذ العام 2022، فيما تبارت صناديق الرياض وأبوظبي الاستثمارية حولها، حيث حصل صندوق أبوظبي السيادي على حصص بشركات مصرية بقيمة ملياري دولار، ونال صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصصا بـ4 شركات مقابل 1.3 مليار دولار.

وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قدر اتحاد الغرف السعودية، الاستثمارات الخليجية بمصر بـ67 مليار دولار، منها 35 مليار دولار استثمارات سعودية (تمثل 52.2 بالمئة)، فيما تعمل 8500 شركة سعودية وإماراتية وقطرية وكويتية وبحرينية بمصر، وتتركز أعمالها في قطاعات التشييد والبناء، والصناعة، والطاقة، والعقار، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والزراعة.

وشهدت قيمة الجنيه المصري، منذ التعويم الأول للعملة المحلية، في عهد السيسي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 سلسلة سقوط حتى قرار 6 آذار/ مارس الماضي بالتعويم الأخير، من نحو 8.88 جنيه للدولار، إلى نحو 50 جنيها، ليسجل سعره الرسمي حاليا نحو 46.7 جنيه.

وهو الوضع المتفاقم بفعل تأزّم ملف ديون خارجية فاقت الـ168 مليار دولار، في نهاية العام الماضي، ودفع الكثير من الخبراء إلى رفض بيع الأصول المصرية العامّة، خوفا من تقييمها بأقل من قيمها الحقيقية، خاصة مع تهاوي قيمة الجنيه، وفي المقابل تربح المستثمرين الخليجيين بشكل مبالغ فيه مع قرارات تحرير سعر الصرف المتتابعة منذ العام 2016.

"ثلاثة قراءات"
وفي رؤيته، وعبر حديثه لـ"عربي21"، قال الخبير الاقتصادي المصري، أحمد ذكر الله، إن "زيادة أرباح (موبكو) بهذه الصورة الكبيرة نتيجة فروق العملة لها أكثر من قراءة".

الأكاديمي المصري، وخبير واستشاري دراسات الجدوى، أكد أن القراءة الأولى منها هي "مجال النشاط الذي تعمل به الشركة، وهو الأسمدة، وهذا الربح يعني أن مبيعات الأسمدة في السوق المحلية تتسم بنوع ما من أنواع انعدام المرونة".

وأوضح أن "هذا مصطلح اقتصادي يدل على أن الطلب على تلك السلعة كبير مهما ارتفعت الأسعار؛ وبالتالي فإن الأسمدة تباع للمزارعين بصورة غير مرنة مثل السلع الاستراتيجية، وأن ما تم تحقيقه من أرباح كان على حساب مستوى معيشة الفلاح المصري".

القراءة الثانية وفق ذكر الله، هي أن "هذا الربح المتزايد لم يدخل خزينة وزارة المالية المصرية، بل دخل إلى خزينة الشركات الأجنبية، والبعض يشير إلى أن هذه الشركات ستحول هذه الأرباح بالدولار، وبالتالي فهي لم تربح كثيرا".

واستدرك: "ولكن دائما ما أقول إن هذا الربح يجب أن نقارنه بما دفعته الشركة من أصل رأسمال، عندما اشترت حصتها أو نسبتها من هذه الشركة، وبالتالي فإن هذه الشركة حققت أرباحا مضاعفة".

وأشار إلى أن "القراءة الثالثة تتمثل في أن هذه الأموال التي تحققت كأرباح يمكن أولا أن يستخدمها المستثمر الخليجي لزيادة حصته في الشركة نفسها، أو في الاستحواذ على تلك الشركات المعروض للبيع والمطروحة من قبل الحكومة المصرية بالعملة المحلية".

الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري، خلص للقول: "بالتالي فهناك استفادات كبيرة وكبيرة للغاية للمستثمرين الخليجيين، ولكن السؤال الأكثر أولوية بطرحه الآن، هو: ألم تكن الموازنة العامة المصرية أولى بهذه الأرباح، خاصة أن الشركة رابحة وتبيع سلعة استراتيجية للمواطن المصري؟".

وشهد سوق الأسمدة، ارتفاعات تاريخية في أسعارها مع زيادة الاستحواذات الخليجية على الشركات المحلية بينما سجل سعر طن سماد اليوريا الهام لدى الفلاح المصري والأكثر استخداما 4600 جنيه في نيسان/ أبريل 2021، سجّل سعر طن اليوريا 14 ألف جنيه في آذار/ مارس الماضي، ما يمثل عبئا كبيرا على الفلاح والمزارع المصري.

"محدود ولا يضيف"
وفي قراءته الاقتصادية لدلالات ارتفاع مكاسب شركة "موبكو" وملاكها الخليجيين بنسبة تقترب من 100 بالمئة من فروق تحويل العملة، ودور سياسات حكومة مصر الاقتصادية والمالية في زيادة أرباح الخليجيين، قال الخبير الاقتصادي المصري، وائل جمال، إن "هناك أنواعا عدة من الاستثمار الأجنبي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكّد أن "النوع الأول هو الذي يستحوذ فيه المستثمر الأجنبي ومنه الخليجي على أصول شركات موجودة وقائمة بالفعل، بهدف تطوير إدارتها، وتحسين أدائها، وتحقيق العديد من الفوائد، وهذا استثمار محدود ولا يضيف للأصول".

مدير "وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، بـ"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، أضاف: "النوع الثاني من الاستثمار الأجنبي، ما يطلق عليه استثمارات الأرض الخضراء، والتي تتمثل في إنشاء مصنع جديد من الأساس، وتعيين عمالة محلية، وزيادة الإنتاج المحلي، وهو يحصل في النهاية على أرباحه مقابل الإنتاج".

ولفت إلى أن "الاستثمار الخليجي في مصر يتمثل في النوع الأول، وبعد سنوات من الاستحواذات الخليجية على أصول مصرية هناك العديد من المشاكل الناتجة عن تلك الاستحواذات التي لم تضف للاقتصاد الوطني أصولا جديدة، بل إنها كانت تنتقي وتستحوذ على الأصول الرابحة فقط".

"إشكالات الاستثمار الخليجي في مصر"
وأشار إلى أن "شركات مثل (موبكو) أو (الشرقية للدخان)، وغيرها من الشركات التي صارت ضمن الاستحواذ الخليجي كانت رابحة، ولديها شفافية حول أعمالها، ومسجلة بالبورصة المحلية، وتخضع حتى للرقابة المجتمعية، وكان يتم الإفصاح عن أعمالها ومكاسبها، وهي مع الاستحواذ الأجنبي أو الخليجي صار لديها وضع احتكاري كمستثمر أجنبي، وهذا إشكال أول".

وقال جمال، إن "الإشكال الثاني يتمثل في تأكيد المستثمرين أنهم جاءوا للتطوير وتدريب العمالة واستحداث طرق إنتاج ووسائل إدارة أفضل وأكثر تطورا، وهو ما يقابله نهم الحكومة في الحصول على الدولار من تلك الطروحات والاستحواذات لمواجهة أزمة شح العملة الأجنبية ولسداد خدمة الدين الخارجي (168 مليار دولار بنهاية العام الماضي)".

وأكد أن "المشكلة هنا تتمثل في أن منطق الحصول على الدولار له تبعات، حيث يقوم المستثمر أو المستحوذ على الأصول المصرية بعمل تدفق الدولار لمرة واحدة عن الاستحواذ أو الشراء؛ لكنه مع أول ربع سنوي يمر على استحواذه يطلب تحويل جزء من أرباحه بالدولار إلى شركته الأم وبلد المنشأ في عملية متكررة لا تنتهي".

وأوضح أن "منطق أو سياسة البيع للحصول على الدولار هو مجرد حقنة مسكنة يعود بعدها الألم أشد، ويصبح على الحكومة المصرية توفير الدولار للمستثمر بشكل دائم، ليقوم هو بالتالي بتحويله للخارج".

وأشار الخبير المصري إلى ما اعتبره الإشكال الثالث، مبرزا أن "تلك الشركات كانت في الأصل رابحة، ونمو الأرباح مستمر مع المستحوذ الجديد، خاصة في حالة الشركات التي تقدم منتجا للتصدير مثل موبكو وغيرها من شركات أسمدة أو شركة مصر للألومنيوم".

وأضاف: "وبالتالي فإن عوائد الشركة من الدّولار زادت قيمتها بنحو 40 بالمئة مع تراجع سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأخرى، خاصة وأنه تجري حسابات الأرباح بالجنيه المتراجعة قيمته بالعامين الأخيرين بشكل كبير".

وقال إن "هناك أصواتا كثيرة قالت بعدم صحة تلك التوجهات أو السياسات، وأكدت أن توقيت البيع توقيت سيئ، وفيه يصعد الدولار بصورة كبيرة ويجري تقييم الأصول بالعملة المحلية بينما قيمة الجنيه تقل مقابل الدولار، حتى إن صندوق النقد الدولي نصح القاهرة بالتمهل وبأن هذا ليس الوقت المناسب للبيع وأن السوق المحلية بوضع سيئ".

"إشكالات أخرى"
وأشار جمال، إلى أنه "بجانب أن التدفق الدولاري لتلك الاستحواذات الخليجية يكون لمرة واحدة وعلى الحكومة توفير النقد لهم طوال الوقت وذلك قبل أن يكون البيع قد تم بشكل بخس وبأقل من القيم الحقيقية للأصول العامة؛ فهناك إشكالات أخرى نتحسّب وقوعها".

وألمح إلى احتمالات أن "يقوم المستحوذ الخليجي بتقليل نسب العمالة في تلك الشركات التي يكون فيها الطرف المالك لحصص حاكمة، كما أنه قد يمارس سياسات احتكارية ويضر بالمنتج الوطني المنافس، أو يمنع بيع منتجاته للسوق المحلية، أو يرفع أسعار البيع بها".

ولفت إلى أن "نطاق الأموال الخليجية واسع جدا في مصر، وطال أغلب القطاعات ويستحوذ على أصول واسعة، وهناك تقدير يقول إن للخليج نحو نصف قطاع التصنيع الغذائي في مصر منذ 10 سنوات، وهو الأمر الذي زاد بالطبع كثيرا في السنوات الماضية".

"الاستغلال السياسي"
وأكد الخبير المصري أنه "كان يجب على الدولة أن تراعي بعض الأمور ومنها "القدرة على حماية السوق من أية ممارسات وإدارته بشكل متوازن، وخدمة احتياجات المواطنين بشكل أفضل، وذلك بجانب عدم خضوع مصر لأي ضغط سياسي من حكومات الشركات المستحوذة".

وواصل: "منذ انطلاق ظاهرة طرح الشركات والأصول العامة وتسارع الاستحواذات الخليجية عليها في العامين الأخيرين ظهر أن غرض المال الخليجي هو التربّح أولا وليس لأجل دعم الحكومة المصرية أو مساعدتها في أزمتها المالية والاقتصادية".

"حتى إن ودائع تلك الدول بالبنك المركزي المصري، مثلها مثل أي اقتراض خارجي تدفع مصر له فائدة عالية، كما أن لها وقتا يجب ردها فيه، وعندها يجري التفاوض على مدها بشروط جديدة" كما يضيف المتحدث نفسه.

وختم بالقول إن "الهدف واضح بأن هناك جانبا للربح من اقتصاد يخدم أكثر من 106 ملايين مصري، وجانبا سياسيا تأثيره على السياسات المصرية المحلية والخارجية أشد".

"بمقاس المشتري الخليجي"
وحول مدى اختلاف نوعية الاستثمار الخليجي في الغرب عنه في مصر، وهل يغلب عليه فكرة الاستحواذ على مشروعات قائمة كما هو حال الاستثمار الخليجي في مصر، أوضح الخبير الاقتصادي، إبراهيم نوار، بأن "الاستثمار الخليجي في الدول الصناعية الغربية أداته الرئيسية هي المال، لا تكنولوجيا، ولا هندسة، ولا معلومات".

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أضاف أن "أهم مجالات استثمار هذا المال، هي الأسهم والسندات والودائع والعقارات الجاهزة مع تفضيلات خاصة للإمارات في مجالات الموانئ، وقطر والسعودية في مجالات البترول والغاز".

وألمح إلى أنه "كانت هناك محاولة من الإمارات لشراء مجموعة (تليغراف) الصحفية في بريطانيا لكن الدنيا هاجت فتوقفت المحاولة"، موضحا أن "السعودية اشترت أغلبية أسهم شركة لوسيد للسيارات الكهربائية، بهدف التحكم في الشركة وتشجيعها على إنشاء مصنع بالسعودية، لكن الشركة تخسر وزنها في سوق السيارات الكهربائية ضئيل".

في المقابل، وحول وضع الاستثمارات الخليجية في مصر، أكد المستشار الأممي السابق، أن "استثمارات رؤوس الأموال الخليجية في مصر تحصل على مزايا غير متاحة في غيرها، لدرجة أن العقود والقوانين يمكن تفصيلها تفصيلا على مقاس المشتري الخليجي".