تحت شعار "لا
مساعدات حتى يعود آخر المختطفين"٬ يقوم تنظيم "الأمر 9" اليهودي اليميني المتطرف بمنع وصول المساعدات إلى
غزة والاعتداء عليها، بهدف تجويع سكان القطاع المحاصر.
فما هو تنظيم "الأمر 9"٬ ومن الذي يقف وراءه٬ ولماذا لا تقوم سلطات الاحتلال بمنعه٬ وهل يمارس هذا الاعتداء بفرده؟.
الفكرة والتأسيس
بمبادرة من الزوجين رعوت ويوسف بن حايم، وهما مستوطنان يعيشان في مستوطنة "نتيفوت" التي تقع في النقب٬ وتأسست العام 1956 واستوطنها مهاجرون يهود شرقيون، وخاصة من شمالي أفريقيا.
ويضم تنظيم "الأمر 9" نحو 5 آلاف شخص أغلبهم من اليهود المتطرفين خريجي المدارس الدينية٬ والمنتمين للأحزاب اليمينية من الرجال والنساء وحتى الأطفال، بالإضافة إلى بعض ممثلي عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة.
وبحسب الموقع الرسمي للمنظمة٬ فتعرف رعوت نفسها على أنها "أم لثمانية أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر إلى 15 سنة٬ تعيش في مدينة نتيفوت منذ 16 عامًا. وتعمل بشكل يومي كمعلمة روضة أطفال، وهي في سنة التقاعد".
وتضيف في تعريفها "باعتباري من سكان نتيفوت، أشعر بالحرب عن كثب. ألم لا يطاق في بعض الأحيان، ولكن مع الألم لدي الرغبة في تغيير الواقع الذي نعيش فيه. لم أستطع الاستمرار في الجلوس في منزلي وانتظار أن يغير بلدي وجهه. يجب أن أفعل كل ما بوسعي لكي أتحسن، وأن أبذل جهداً، وأعلم أنني بذلت كل ما في وسعي لتشجيع عودة المختطفين".
بينما يعمل زوجها يوسف٬ جندي في صفوف الاحتياط لدى جيش الاحتلال.
وبحسب صفحتهم الرسمية فإن أول نشاط للتنظيم لمنع المساعدات كان في 10 من كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث نشرت رعوت منشورا تستنكر فيه استمرار تدفق المساعدات لقطاع غزة من
المعابر، ودعت إلى التجمهر عند معبر كرم أبو سالم في 11 كانون الثاني/ يناير 2024.
ويكثف التنظيم نشاطه عند معبري "كرم أبو سالم"، و"معبر العوجة" بين دولة الاحتلال ومصر. ويرفضون التحرك من أماكنهم إلى أن تتراجع بالنهاية شاحنات الإغاثة.
ومن أمام معبر كرم أبو سالم وقفت رعوت وهي تحمل طفلا صغيرا قائلة: "بدلاً من الضغط على حماس، نمنحهم الهواء والأكسجين الذي يسمح لهم بمواصلة قتالنا، وهذا ببساطة غير مقبول. جزء كبير من الناس لا يريدون إطعام العدو أثناء الحرب. إنه أمر مضحك ومحزن للغاية في الواقع".
وتضع الحركة بيانات الاتصال والتواصل على موقعها لنقاط التجمع التي يتواجدون وينشطون فيها٬ وتحث الحركة المستوطنين على الانضمام إلى تجمعاتهم عن طريق مجموعات "الواتس آب" التي تنشط عند كل الحواجز لمنع وعرقلة وصول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر والمدمر.
وبحسب الموقع الرسمي للتنظيم٬ فإلى جانب منع المساعدات عن قطاع غزة٬ "فإن الهدف التالي هو منع شرعية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا إسرائيل، بما يتوافق مع جوهر المنظمة الإرهابية وعملياتها".
ضوء أخضر من الدولة
وفي منشور سابق دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، وهو زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف في منشور على منصة "إكس" إلى وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وقال: "يجب تقديم الدعم الكامل لجنودنا الأبطال العاملين في غزة، الذين تصرفوا بشكل ممتاز ضد "الغوغاء الغزيين" الذين حاولوا إيذاءهم"، وفق تعبيراته.
وأضاف: "لقد ثبت اليوم أن نقل المساعدات الإنسانية إلى غزة ليس مجرد جنون بينما يتم احتجاز مختطفينا في غزة في ظروف دون المستوى المطلوب، ولكنه يعرض أيضا جنود الجيش الإسرائيلي للخطر"، على حد قوله.
وتابع بن غفير: "هذا سبب واضح آخر يدفعنا إلى التوقف عن نقل هذه المساعدات، التي هي في الواقع مساعدة لإيذاء جنود الجيش الإسرائيلي ومنح الأكسجين لحماس".
وبحسب مقال في صحيفة هآرتس حول تنظيم "الأمر 9" ٬ فإن الشرطة والجيش يلقي كل واحد منهما بالمسؤولية في إتلاف المساعدات على الآخر.
وتؤكد أنه "عندما يعارض بن غفير نقل المساعدات الإنسانية٬ فلا غرو في أن الشرطة القوية على عائلات المخطوفين وعلى المتظاهرين ضد الحكومة، تبدي ضعفاً تجاه متظاهرين يسدون طريق الشاحنات إلى غزة، ينزلون الحمولة وينثرونها على الطريق، بل ويحرقونها".
والأربعاء الماضي كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن أن الجيش والشرطة
الاحتلال الإسرائيلي يبلغان المستوطنين والناشطين اليمينيين المتطرفين الذين يهاجمون شاحنات المساعدات المتجهة لقطاع غزة بمعلومات دقيقة عن مكانها، مما يمكّنهم من مهاجمتها.
وذكرت أنها اطلعت على رسائل بين الناشطين الإسرائيليين اليمينيين عبر تطبيق واتس آب، قولهم إنهم كانوا بانتظار معلومات من رجال الأمن عن مكان قوافل المساعدات لتنسيق هجوم عليها.
ونقلت الصحيفة عن روايات شهود عيان أن جنود الاحتلال الذين كانوا مكلفين بحماية قوافل المساعدات لم يحموا السائقين أو الشاحنات من هجمات المستوطنين التي تكررت خلال الفترة الماضية.
الأمم المتحدة تحذر
وحذرت الأمم المتحدة، الخميس الماضي، من الوضع المزري في قطاع غزة، قائلة إنه "بدون قدر كبير من المساعدات، سينتشر الجوع واليأس بسرعة".
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، للصحفيين، إن "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي يحذر من أنه إذا لم تبدأ المساعدات في دخول غزة بكميات كبيرة فإن اليأس والجوع سينتشران".
وأشار دوجاريك، إلى أن "إغلاق معبر رفح والوظائف المحدودة لمعبر كرم أبو سالم في الجنوب، خنقت تدفق الإمدادات المنقذة للحياة".
ولفت إلى أن "برنامج الأغذية العالمي أعلن عدم قدرته على توزيع المواد الغذائية في جنوب القطاع". كما أوضح دوجاريك، أن "المستشفيات تفتقر إلى الوقود والدواء اللازمين بسبب استمرار إغلاق معبر رفح جنوبي القطاع".
ولا تدخل مساعدات إنسانية أو وقود أو أدوية ومستلزمات طبية إلى القطاع، سوى كميات محدودة جدا، ما يهدد بوقوع كارثة إنسانية، حسب تحذيرات أممية ورسمية فلسطينية.
ويواصل جيش الاحتلال الحرب على غزة رغم العدد الهائل من الضحايا المدنيين، ورغم اعتزام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير حربها يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية".