في موقف يثير العديد من التساؤلات، تجاهل
رئيس النظام
المصري عبد الفتاح
السيسي، الحديث عن تجاوز "إسرائيل" ما اعتبرته
مصر "خطًا أحمر" على حدودها، وذلك في أعقاب اقتحام محور فيلادلفيا الذي كان
دائمًا محاطًا بتفاهمات بين الطرفين.
هذا التجاهل وضع مصر في موقف محرج، خاصةً أن السيسي لم يصدر أي تعليق سواء في تصريحات مباشرة أو صحفية، أو حتى عبر تدوينات
على صفحته الرسمية، على الرغم من تكرار تصريحات قادة آخرين مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن عن تطورات الحرب في القطاع المحاصر والمدمر.
بدلاً من التعليق المباشر من السيسي، تصدرت
"المصادر المجهولة" مثل "مصادر رفيعة المستوى"، و"مصادر مطلعة"
عناوين الأخبار المتعلقة بالتوتر بين البلدين، ما أثار تساؤلات حول سبب غياب رد فعل
رسمي من الرئيس المصري. ولماذا اختار السيسي الصمت حيال هذا التجاوز الإسرائيلي الذي
يعتبر خرقًا للتفاهمات السابقة؟
أعلنت مصر عبر مصادرها المجهلة مطلع العام
الجاري أن الدولة المصرية ترفض أي محاولات إسرائيلية لانتهاك الاتفاق الموقع
بين القاهرة وتل أبيب بخصوص "محور فيلادلفيا".
واعتبرت أن حديث قادة الاحتلال عن اجتياح
مدينة
رفح "تعتبره مصر خط أحمر، وسبق أن أعلنت الدولة المصرية رفضها التام لأي
محاولات إسرائيلية لانتهاك الاتفاق الموقع بين القاهرة وتل أبيب بخصوص "محور فيلادلفيا"
.
وفي وقت سابق اعتبر رئيس هيئة الاستعلامات
المصرية ضياء رشوان، المتحدث نيابة عن الرئاسة في تلك الأزمة، أن أي تحرك إسرائيلي
في هذا الاتجاه (احتلال ممر صلاح الدين (فيلادلفيا) في قطاع
غزة على طول الحدود مع
مصر، المخالف للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية) سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات
المصرية-الإسرائيلية.
وصف رشوان حينها "التحرك الإسرائيلي
نحو الممر يعد خطاً أحمر وينضم هذا الخط الأحمر إلى سابقه والذي أعلنته مصر مراراً"،
على حد قوله.
ورغم اقتحام جيش الاحتلال للمنطقة الحدودية
مع مصر في السابع من أيار/ مايو الجاري وتصاعد التوتر بين البلدين الذي حرص خلاله رئيس
وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وقادة جيشه على الظهور بشكل مستمر لتبرير اقتحام رفح واحتلال
المعبر البري من الجانب الفلسطيني، فقد التزم السيسي الصمت.
ومن المثير أن احتلال الجانب الفلسطيني
من معبر رفح تبعته اتهامات من وفد "إسرائيل" لمصر أمام محكمة العدل الدولية،
زعم خلالها أن القاهرة تقدم الدعم لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، وتحتفظ بالأسرى
لديها في شمال سيناء.
وظل الموقف المصري حبيس المصادر "المطلعة"
و"المسؤولة" رغم استيائها البالغ، وتهديدها بالخروج من دور الوساطة لإعادة
الأسرى، والحديث عن خفض التمثيل الدبلوماسي، وإعادة النظر في اتفاقية السلام، ورفض
إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح ما دامت تسيطر "إسرائيل" على الجانب
الآخر منه.
وفي منتصف شهر كانون الثاني/ يناير الماضي
أعلن مسؤول أمني أن مصر لن تسمح لـ"إسرائيل" بالسيطرة على محور صلاح الدين
الحدودي بين مصر وقطاع غزة، وفق ما نقلت وكالة أنباء العالم العربي.
وأضاف المسؤول حينها أن ضبط الحدود مع غزة
مسؤولية مصر، "ولا نسمح بأي أنشطة غير قانونية"، لافتا إلى أن اتفاقية السلام
تمنع قيام "إسرائيل" بأي تحركات عسكرية في محور صلاح الدين.
ونقلت "قناة الإخبارية" عن مصدر
رفيع المستوى، أن "مصر رفضت التنسيق مع "إسرائيل" في دخول المساعدات
من معبر رفح بسبب التصعيد الإسرائيلي غير المقبول، وحملتها مسؤولية تدهور الأوضاع في
قطاع غزة أمام كافة الأطراف".
ما دلالة وأسباب موقف السيسي
أرجع رئيس منتدى البرلمانيين المصريين بالخارج،
الدكتور محمد عماد صابر، موقف السيسي من اجتياح رفح والسيطرة على معبر رفح وجزء من
محور فيلادلفيا إلى أن "السيسي يواجه أزمة اقتصادية عنيفة وغير مسبوقة بسبب سياساته
الفاشلة، كما أنه يواجه تراجعا سياسيا وغيابا للمعارضة والعمل السياسي في ظل مصادرة
الحريات وسياسة تكميم الأفواه وابتلاع السجون والمعتقلات لعشرات الألوف منهم معظم قادة
العمل السياسي في مصر ففي معتقلات النظام أكثر من مائة ( 102) من نواب البرلمان السابقين".
وأضاف لـ"عربي21": "يصاحب ذلك
أزمة اجتماعية خانقة بسبب غلاء الأسعار الشديد الذي ينذر بشيء أقرب للاحتراب الأهلي
بين طبقات المجتمع، الأمر الذي لا يمكن النظام من مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية
والذي أدى في النهاية للنتيجة التي نراها من إبادة جماعية لأهلنا في غزة وعبث إسرائيل
باتفاقية السلام واختراقها لكل الخطوط الحمر على حدود مصر الشرقية".
وبشأن اختفاء خطوط السيسي الحمر، أوضح
صابر أن "كل هذا العبث الصهيوني الأمريكي بالأمن القومي المصري يتم في ضوء الصمت
المصري واختفاء خطوط السيسي الحمر تماما والقيام ببعض الاستعراضات البدائية لما
يسمى اتحاد قبائل سيناء، أو بعض التصريحات المجهولة المصدر التي لا وزن لها، وحقيقة
الأمر أن نظام السيسي بات عاجزا عن الحركة والمناورة أو التهديد بأي حراك فاعل بعد
أن وضع مصر كبرى البلاد العربية في حالة موت سريري".
وتابع: "لا يوجد توتر لأن السيسي عاجز
عن الحركة فعليا، وبناء عليه فإنه التزم الصمت وغاب عن التعليق، خلافا لم فعل نتنياهو وبايدن
بشكل مستمر".
الخطاب الرسمي المصري متوافق مع مصالحه
فند الباحث المختص في شؤون سيناء والشأن
الأمني المصري، مهند صبري، موقف الخطاب الرسمي من اجتياح معبر رفح والاقتصار على مصادر
مجهولة لا تمثل الحد الأدنى من المواقف والتصريحات الرسمية الجادة، وقال: "الخطاب
الرسمي في مصر هو انعكاس لموقف النظام، منذ بداية الحرب والنظام المصري إما عاجز عن
رد الفعل، أو خاضع تماما للقرار الإسرائيلي".
ورأى في حديثه لـ"عربي21" أن
"الموقف الرسمي المصري في أحسن الأحوال هو موقف رد الفعل الهزيل الذي لا يتماشى
مع حجم الأزمة الإنسانية والسياسية والعسكرية"، مشيرا إلى أن "هذا النسق
لم يتغير منذ بداية الحرب، وللأسف فلا توجد أي مؤشرات على أنه سيتغير".
وذهب صبري إلى القول بأن هناك معيارا خاصا بالنظام المصري يسير علي نهجه في مثل تلك الأزمات الكبرى: "ما يحكم سياسة النظام
المصري هو مصالحه وثبات حكمه، ولن يخاطر بهذه المصالح ولا بسياسات وخطوات مصرية سيادية
جادة، ولا بخطاب قد يعرضه لخطر من أي نوع".