في الوقت الذي تتعثر فيه مفاوضات
صفقة تبادل
الأسرى بين
الاحتلال و"حماس"، يتساءل الإسرائيليون بصوت عال: "لو ذكر أحد في الثامن
من أكتوبر احتمال أن تبقى حماس بعد ثمانية أشهر تحتجز عشرات الجنود والمستوطنين، لظننّا
أنه سقط على رأسه"، لكن اليوم أصبح واضحاً للجميع أن دولة الاحتلال تخلّت عن أسراها
لصالح استمرار الحرب، وسط قناعة متزايدة بأن الاحتلال سيعود للحرب بعد
التهدئة الإنسانية،
بحيث سيبقي الجنود خلفه لتبرير استمرارها حتى تحقيق ما يدعيه أنه "النصر الكامل"،
ولذلك تخشى المقاومة، أن تقع في الفخّ.
رونين بريغمان محرر الشؤون الاستخبارية
في صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، نقل عن "كثيرين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية
ندمهم على تفويت فرصة إنجاز صفقة تبادل في ظروف سابقة، ويعتقدون أنه كان ينبغي مواصلة
المفاوضات، والتغلب على الصعوبات، لأن من يدفع ثمن ستة أشهر دون أي تقدم نحو الصفقة
هم المختطفون الإسرائيليون لدى حماس، فبعضهم دفع حياته ثمنا، والبعض الآخر ينتظر ذات
المصير، أما بنيامين نتنياهو فيردّ على كل ذلك بازدراء تارة، وتارة أخرى بفظاظة، وتارة
ثالثة بإلقاء اللوم على الفريق المفاوض، مع وجود انطباع سائد بأنه لا يريد إزعاج المتطرفين
في حكومته".
وأضاف في مقال مطول ترجمته "عربي21"
أنه "لو كانت هناك بطولة عالمية في تبني المقترحات التي لم تعد مطروحة على الطاولة،
لفازت بها إسرائيل من كثرة رفضها المتواصل، لأنه في آذار/ مارس وافقت حماس على التنازل
عن بند نهاية الحرب، لكن الجيش لم يكن مستعداً للتنازل عن تقطيع قطاع
غزة، وتم إحباط
الصفقة، مع العلم أنه منذ بداية العملية البرية في غزة في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر،
كان واضحا أن إسرائيل أمامها خياران، وخياران فقط: إما صفقة تعيد جميع المختطفين، أو
الخروج لعملية عسكرية واسعة النطاق.. الطريقان متضادان في الاتجاه والنتيجة، وأحدهما
يلغي الآخر".
وأكد أن "المنظومة الأمنية، والحكومة،
والاستخبارات، ووسائل الإعلام أيضًا، لم يفهموا ذلك، والآن توشك إسرائيل على تجربة
حظها مرة أخرى في الكازينو، فتؤجل مرة أخرى القرار بشأن خيار لن يكون أمامها في النهاية
إلا الموافقة عليه، خاصة مع وجود من يظن من المسؤولين أنه إذا استمرت إسرائيل في القتال،
ورفضت الصفقة، فإن الوضع سيتحسن لصالحها، وهذا وهم حقيقي، لأن نتنياهو لا يمنح أحدا
تفويضاً، وهو لا يرغب بتعريض ائتلافه للخطر".
وأوضح أن "كل إسرائيلي سيكون سعيدًا
جدًا برؤية الجنود المختطفين يعودون لمنازلهم، لكن من الناحية العملية فهي مسألة أولويات،
وعلى نطاق الأهمية الإسرائيلية منذ بداية الحرب، فإن المختطفين أولوية منخفضة، وسيستمرون
في الموت إذا لم تكن هناك مبادرة، وقد بات الإسرائيليون على قناعة بأن من يحتاج للضغط
عليه هو حجر العثرة، نتنياهو، وليس حماس، لأنه بعد ثمانية أشهر ما زال يرفس كل مبادرة
مهمة يقدمها له الوسطاء، والنتيجة التي توصل إليها اليوم كل أم وأب لجندي أسير لدى
حماس أن الدولة تخلت عنهم، ولا تفعل كل شيء لاستعادتهم".
من الأهمية بمكان النظر لهذه الانتقادات
الموجهة إلى حكومة اليمين لدى الاحتلال التي تخلت عن جنودها ومستوطنيها، رغم أن ذلك
لا يستثني قائد الجيش ذاته، هآرتسي هاليفي، الذي أرسل جنوده لساحة المعركة، وتوقع منه
الإسرائيليون أن يقول بطريقة حادة أنه سيقلب الطاولة على الحكومة حتى يستعيد جنوده،
لكنه أفلت من المسؤولية والفشل، وبات ينفذ سياسة الحكومة دون أن يعبّر عن رأيه، والنتيجة
أن الدولة تدفع ثمنا باهظا، ويصدر بحق قادتها أوامر اعتقال، وتتحول مع مرور الوقت إلى
مصابة بالجذام، وتقلل من وزنها في الرأي العام الدولي، بسبب إخفاقها وفشلها المتواصل
أمام الفلسطينيين.