في تطور جديد ومقلق على الحدود المصرية، استشهد أحد
الجنود المصريين برصاص جيش
الاحتلال الإسرائيلي بعد أن احتل الجانب الفلسطيني من
معبر رفح، وتوغل على طول محور "فيلادلفيا" لمسافات بعيدة ومخالفة
للاتفاقيات الموقعة بين البلدين.
وفي بيان مقتضب، أعلن المتحدث العسكري للقوات
المسلحة المصرية أن "الجهات المختصة" تحقق في حادث إطلاق النيران بمنطقة
الشريط الحدودي برفح، دون تقديم أي تفاصيل إضافية. يأتي هذا الحادث في خضم الحرب
الدائرة في قطاع غزة، ما ينذر بتأجيج التوتر على الحدود وزيادة التعقيدات الأمنية
في المنطقة.
في غضون ذلك، حذر مصدر مصري رفيع المستوى من المساس
بأمن وسلامة عناصر التأمين المصرية، المنتشرة على الحدود، عقب واقعة إطلاق نار مع
القوات الإسرائيلية على الحدود في رفح، بحسب ما أوردته قناة "القاهرة
الإخبارية".
وفي الإطار ذاته، أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقوع
اشتباكات وتبادل لإطلاق النار بين جنود تابعين له وقوات مصرية عند معبر رفح البري
الفاصل بين قطاع غزة ومصر.
ولاحقا حذفت كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية الأخبار
المتعلقة بالحادثة، بسبب طلب من الرقابة العسكرية، بحسب ما نقلت القناة 14.
وقع الحادث بعد وقت قصير من ارتكاب جيش الاحتلال
مجزرة في خيام لنازحين في مدينة رفح الفلسطينية في وقت متأخر من مساء الأحد، أسفرت
عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين وأثارت انتقادات دولية واسعة.
وهذا الحادث الثاني من نوعه حيث شهدت الحدود المصرية
الإسرائيلية في الثالث من حزيران/ يونيو الماضي حادث إطلاق نار أسفر عن مقتل ثلاثة
جنود إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بعدما أطلق المجند المصري محمد صلاح النار
عليهم بعد تسلله عبر منفذ طوارئ في السياج الحدودي، واستشهد في وقت لاحق.
وتراجعت مصر عن ما اعتبرته في وقت سابق خطا أحمر، في
أعقاب حديث قادة الاحتلال عن اجتياح مدينة رفح الفلسطينية واحتلال محور صلاح الدين
"فيلادلفيا" وإعلان رفضها التام لأي محاولات إسرائيلية لانتهاك الاتفاق
الموقع بين القاهرة و"تل أبيب".
إلا أن الموقف المصري ظل حبيس المصادر
"المطلعة" و"المسؤولة"، وتهديدها بالخروج من دور الوساطة
لإعادة الأسرى، والحديث عن خفض التمثيل الدبلوماسي، وإعادة النظر في اتفاقية
السلام، ورفض إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح ما دامت تسيطر
"إسرائيل" على الجانب الآخر منه.
سياسة السيسي: تبريد الأزمة وامتصاص الضربات على
الحدود
أرجع الباحث في الدراسات العسكرية والأمنية، محمود
جمال، أسباب الحادث إلى "التقدير السياسي الخاطئ للنظام المصري لأن سيطرة
العدو الإسرائيلي على محور فيلادلفيا ومعبر رفح أصبح الاحتلال على بعد أمتار من
الجيش والجنود المصريين، وحتى وفي حال وجود تعليمات من الجيش بعدم الرد أو التعامل
مع أي إطلاق نار من الجانب الآخر لا يمكن منع الأفراد من التصرف بشكل تلقائي خاصة
وأنهم يسمعون صرخات النساء والأطفال من الجانب الفلسطيني".
في تقديره يعتقد جمال في تصريحات لـ"
عربي21":
"أن جنود الكيان اخترقوا بآلياتهم إحدى النقاط أو المناطق التي لا ينبغي
تجاوزها وعليه أطلق الجنود أو أحدهم النيران بشكل مباشر، ولكن بشكل عام هناك عدم
شفافية في التعامل مع تلك الحوادث من قبل الجيش، حتى البيان جاء أقل من المتوقع
وقلل من شأن استشهاد الجندي أو الضابط المصري ووصفة بأحد العناصر وكأنه أداة أو
آلة، وكان يفتقر للاحترام والتقدير".
ووصف ما جرى بأنه "تطور خطير ويجب على الجانب
المصري أن يرد بشكل قوي وحاسم على هذه الواقعة، هذه اللحظة هي أقرب لحظة لاندلاع
أي قتال أو اشتباك غير محسوب العواقب منذ سنوات في حال واصل الاحتلال سياسته
العسكرية في المنطقة المحاذية للحدود المصرية، لكن يبقى القرار السياسي هو الحاكم
في الأمر والذي يفضل تهدئة الأمور وامتصاص الضربات".
وكشف جمال عن وجود ما أسماه "الاحتقان داخل
الكتائب التابعة للقوات المسلحة من قبل الضباط والجنود، وهناك شعور بالغضب تجاه ما
يتعرض له الأمن القومي المصري من تجاوزات من قبل الاحتلال وانتهاك لكل الاتفاقيات
الموقعة بين البلدين بغض النظر عما يحدث في قطاع".
خيارات مصر للرد
وبشأن التداعيات الأمنية للحادث، يرى الباحث في
الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، أن مصر ليس لديها أي خيارات وكلها محدودة السقف،
وقال: "لا توجد رغبة لدى مصر أو إسرائيل لتحويل الحدود بينهما إلى جبهة قتال،
حادث اليوم عرضي ومحدود، وهو نتاج التواجد العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا
وداخل معبر رفح".
وتابع لـ"
عربي21": "وهذا التواجد أو
الاختراق الأمني والذي لم تعترض مصر عليه أو تتهم إسرائيل بخرق اتفاقية كامب
ديفيد، يعني وجود تفاهمات مشتركة... النظام المصري لن يُصعد وسيكتفي ببعض
التصريحات لإعلاميين تندد بما حدث من اعتداء".
وتوقع الباحث في الشؤون الأمنية أن "تتكرر مثل
تلك الحوادث في ظل استمرار العملية العسكرية في رفح، وفي بداية الحرب أقر وزير
الخارجية سامح شكري بقصف إسرائيل للمعبر عدة مرات ووقوع إصابات في الجانب المصري
من المعبر وتكررت الانتهاكات بشكل غير مسبوق".