رغم التوافق الإسرائيلي الداخلي على خوض حرب
غزة، بزعم أنها "حرب الاستقلال الثانية"، فإن التوافق ذاته يصل إلى حد توصيف أسلوب القتال الحالي بأنه غير مناسب البتة، لأنه منذ بداية الحرب في القطاع، كان هناك تحديث يومي لعدد المسلحين الذين زعم جيش
الاحتلال الإسرائيلي قتلهم، والأنفاق التي دمّرها، وحجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية لحماس، ورغم ذلك فإن هذه الأرقام لم تعبّد الطريق نحو ما يدعيه الاحتلال بشأن "النصر المطلق".
المستشرق إيهود بلانغا أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة بار-ايلان، أكد أنه "من الناحية الظاهرية، والبيانات المقدمة في وسائل الإعلام، بما في ذلك تقارير المتحدث باسم جيش الاحتلال، فيبدو أنه رغم انخفاض حدة القتال، فإن الجيش الإسرائيلي لا يبدو أنه في طريقه لتحقيق أهدافه، لأن الأرقام التي يعلنها لا يبدو أنها الطريق الصحيح لتحقيق أسطوانة "النصر الكامل"، لأنه في اللغة العسكرية يطلق على هذه الطريقة اسم "إحصاء الجثث"، وهي المرحلة التي يكون فيها عدد القتلى لدى العدو أكبر من قدرته على تجنيد وتدريب أفراد جدد".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "
إسرائيل اليوم" العبرية، وترجمته "عربي21" أن "أهداف حرب السيوف الحديدية، كما قدمها المستوى السياسي للجيش، تتمثل في القضاء على البنية التحتية العسكرية لحماس، والإطاحة بحكمها في قطاع غزة، ولا أعرف حقاً عدد نشطاء حماس الموجودين في غزة، من المقاتلين وأنصارهم، وباستثناء عدد قليل من القوات المسلحة، فإن معظم المسلحين لا يرتدون الزي الرسمي، وهذه النقطة تزيد من صعوبة تحديد حجم القوة البشرية لحماس، وضمناً يصعب عليها أن نحدد نقطة الانهيار التي قد تكون وصلتها".
وأشار إلى أن "حرب غزة اليوم هي امتداد للعديد من الجولات التي خاضها الجيش في غزة منذ الانسحاب منها في عام 2005، ولكن بشكل رئيسي في حرب لبنان الثانية، وفي نهاية ولاية رئيس الأركان غادي آيزنكوت، ظهرت استراتيجية "إحصاء الجثث" في مارس 2018، حيث قال إنه "في العامين الأخيرين، قُتل 171 مسلحاً في الضفة الغربية وحدها، حيث يعمل الجيش بطريقة دقيقة وعدوانية، يبادر ويتصرف عند الضرورة".
وأوضح أن "أفيف كوخافي واصل هذا الاتجاه، ففي صيف 2020، بعد زيارة لتدريب قادة لواء المظليين، قال إن مقياس النجاح القتالي هو "مدى الفتك بالقوات المعادية، لأنه في نهاية كل مرحلة من القتال، يجب فحص العدو، والأهداف التي تم تدميرها، وليس فقط الاحتلال الفعلي للأرض"، وكذلك هآرتسي هاليفي، الذي تولى قيادة الجيش حالياً، واصل العمل على أساس مبادئ آيزنكوت وكوخافي، ولم يخرج عن المبادئ التوجيهية التي حددها أسلافه اليوم".
وأكد أن "إسرائيل ليست الوحيدة التي اخترعت هذا المصطلح، خاصة خلال الحرب الكورية، حيث استخدم الأمريكيون "إحصاء الجثث" كمقياس للنجاح العسكري، وبلغ ذروته خلال حرب فيتنام، حيث أصبح إحصاء الجثث، والقتل المؤكد، ونسبة القتل من أكثر التعبيرات شهرة في الحرب، ورغم ذلك فإن هذه الطريقة لم تحقق أهدافها بسبب الإخفاقات الأمريكية المتأصلة آنذاك، حيث مُنع الجيش الأمريكي من عبور الخط الحدودي بين جنوب فيتنام وشمالها، ولم يكن لاحتلال المنطقة أي معنى في نظر الأمريكيين".
وأوضح أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف حرب "السيوف الحديدية" بأنها "حرب استقلال إسرائيل الثانية"، وتعريفها أن أسلوب الحرب الحالي لا يناسبها، لأنه في الفترة من 1948 إلى 1982، شنت دولة الاحتلال حروبها كجزء من حملة سعت إلى هزيمة العدو، مع احتلال الأراضي، والسيطرة عليها، ما ألقى على عاتقها مسؤولية الإدارة المدنية والأمنية لأي إقليم تحتلّه، وكانت مؤشرات النجاح والفشل واضحة، لكن أسلوب القتال إحصاء الجثث لا ينجح ضد حماس، كما لم ينجح مع الأمريكيين ضد الفيتكونغ، حتى اضطروا للاعتراف بفشلها".
يكشف هذا التخوف الإسرائيلي أن انسحاب جيش الاحتلال من أي منطقة في غزة، يترك وراءه فراغا عسكريا، يملؤه على الفور عناصر حماس، كما أن الجيش والشاباك لا يعرفون حقا عدد عناصر حماس الموجودين في غزة، سواء المقاتلين منهم أم مؤيديهم. وباستثناء عدد قليل من القوات المقاتلة، فإن معظم المقاومين لا يرتدون الزي الرسمي، ما يزيد من صعوبة تحديد حجم القوة البشرية للحركة، الأمر الذي يضيق على المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي في البحث عن بدائلهم لتحقيق أهدافهم الفضفاضة التي لم تتحقق بعد.