بورتريه

رئيس "محكمة الأمم" مناصر لفلسطين من عائلة لبنانية سنية (بورتريه)

سلام قانوني محترف يتعامل مع موقعه كرئيس لمحكمة العدل الدولية بوصفه "مسؤولية كبرى في تحقيق العدالة الدولية وإعلاء القانون الدولي"- عربي21
أستاذ جامعي ورجل قانون ودبلوماسي لبناني مخضرم تميز في مجالات العدالة والدبلوماسية والتدريس الأكاديمي.

تأثّر نواف سلام باليسار في شبابه، وناضل من أجل القضية الفلسطينية في فترة الدراسة بالجامعة شأن أبناء جيله، وأثناء عمله الدبلوماسي في الأمم المتحدة.

شخصية هادئة منفتحة أخذت موقعها الوسطي الذي يميل إلى الأفكار الليبرالية والاشتراكية.

مولود في عام 1953 في بيروت لعائلة بيروتية مسلمة سنية معروفة. والده عبد الله سلام أحد مؤسسي شركة "طيران الشرق الأوسط"، وهي شركة الطيران الوطنية اللبنانية. جده لأبيه هو سليم سلام مؤسس "الحركة الإصلاحية في بيروت" وانتخب نائبا عن بيروت في مجلس "المبعوثان العثماني" عام 1912، وكان أيضا عضوا في الحكومة العربية الكبرى التي أسسها الملك فيصل بن الحسين ومديرا لمكتبها في بيروت.

أما عمه فهو صائب سلام الذي عرف بنضاله من أجل استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، وتولى لاحقا رئاسة الحكومة اللبنانية 4 مرات بين عامي 1952 و1973. وكذلك الأمر مع ابن عمه تمام سلام الذي ترأس الحكومة اللبنانية عام 2014 وحتى عام  2016.

أما زوجته فهي الصحافية سحر بعاصيري سفيرة لبنان لدى منظمة اليونيسكو.

بدأ نواف سلام تعليمه الأكاديمي بحصوله على دبلوم من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس عام 1974، وشهادة دكتوراه في التاريخ من جامعة "السوربون" عام 1979.

بعد ذلك حصل على  بكالوريوس في القانون من "جامعة بيروت" عام 1984، ثم ماجستير في القانون من كلية الحقوق بجامعة "هارفارد" عام 1991، ودكتوراه دولة في العلوم السياسية من "معهد الدراسات السياسية" في باريس عام 1992.

عمل سلام بين عامي 1979 و1981 محاضرا في التاريخ المعاصر للشرق الأوسط في جامعة "السوربون".

غادر بعدها باريس ليمضي عاما كباحث زائر في مركز "ويذرهيد" للعلاقات الدولية في جامعة "هارفرد". والتحق في عام 1985 بـ"الجامعة الأميركية" في بيروت محاضرا إلى جانب ممارسته لمهنة المحاماة في "مكتب تقلا".

وما لبث أن عاد في عام 1989 باحثا زائرا في كلية الحقوق في "هارفرد"، كما أنه عمل مستشارا قانونيا في مكتب محاماة "إدواردز وإنغلز" حتى عام 1992 عاد بعدها إلى بيروت ليستأنف عمله كمحام في "مكتب تقلا"، وتعليم مادتي القانون الدولي والعلاقات الدولية في "الجامعة الأمريكية" في بيروت.

وترقى في سلك التعليم ليصبح أستاذا زائرا مساعدا في العلوم السياسية في هذه الجامعة عام 2003، ثم لاحقا أستاذا مساعدا عام 2005.

عمل محاضرا في عدة جامعات منها كلية الحقوق في جامعة هارفارد، وكلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، ومعهد السلام الدولي في نيويورك، وكلية الحقوق بجامعة ييل، وجامعة فرايبورغ الألمانية، وجامعة بوسطن، وفي جامعات عربية في الرباط والقاهرة وأبو ظبي.

شغل منصب سفير ومندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك لنحو عشر سنوات ما بين عامي 2007 و2017.

وتميزت ولاية سلام في الأمم المتحدة بمداخلات متكررة في مجلس الأمن داعيا إلى احترام سيادة لبنان وتأمين استقراره، وتعزيز سياسة النأي بالنفس من النزاع السوري، والسعي إلى إنهاء الإفلات من العقاب من خلال إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

كما أنه ثابر في الدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ومثّل سلام لبنان في مجلس الأمن إثر انتخابه عضوا غير دائم في مجلس الأمن لعامي 2010 و2011. وترأس سلام إحدى دورات مجلس الأمن.

وشغل منصب نائب رئيس إحدى دورات الجمعية العامة في الأمم المتحدة عام 2012 و 2013. ومثّل لبنان في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عامي 2016 و2017.

بالإضافة إلى أنه كان عضوا في بعثات ميدانية لمجلس الأمن إلى عدة دول كإثيوبيا والسودان وكينيا وأوغندا وأفغانستان.

وفي النتاج الفكري أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والمقالات في مجالات القانون الدولي والدستوري والسياسة والتاريخ، وأيضا في قضايا ذات علاقة بالمنظمات والشؤون الدولية.

تم تداول اسمه عام 2020 لرئاسة حكومة لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت باعتباره مرشحا حياديا وتكنوقراطيا، وبالنظر لسجله الدبلوماسي والقانوني والدولي الحافل، لكن "حزب الله" و"حركة أمل" اعترضا على تسميته، واعتبراه "مرشح الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا".

وكان وقتها قاضيا في محكمة العدل الدولية التي دخل في عضويتها عام 2018، والتي انتخب في شباط/ فبراير الماضي رئيسا لها لمدة ثلاث سنوات إثر انتهاء ولاية القاضية الأمريكية جوان إي دونوغو، وبذلك أصبح العربي الثالث الذي يتقلد ذات المنصب منذ نشأة المحكمة في عام 1945، بعد القاضي الجزائري محمد البجاوي (1994- 1997)، والقاضي الصومالي عبد القوي يوسف (2018- 2021).

ومحكمة العدل هي الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة، وتتولى طبقا لأحكام القانون الدولي الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ومقرها لاهاي بهولندا.

ويتكون فريق محكمة العدل الدولية من 15 قاضيا، بينهم رئيس المحكمة ونائبه و13 قاضيا وقاضية.

وراج اسم محكمة العدل الدولية بقوة منذ الحرب الوحشية ضد قطاع غزة، عندما رفعت دولة جنوب أفريقيا دعوى ضد دولة الاحتلال بتهمة أن عملياتها العسكرية في قطاع غزة تمثل "إبادة جماعية تهدِف إلى القضاء على الفلسطينيين".

وصوت الغالبية العظمى من قضاة المحكمة لصالح اتخاذ تدابير عاجلة تغطي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا، وكان سلام من بين المصوتين لصالح هذه التدابير، بينما صوتت ضدها، الأوغندية جوليا سيبوتندي، التي انتخبت نائبة لسلام والمنحازة بشكل غامض إلى دولة الاحتلال ورفضها وصف الحرب على غزة بأنها جريمة إبادة.

وبعد مداولات والاستماع لجميع الأطراف أمرت المحكمة دولة الاحتلال باتخاذ عدد من التدابير المؤقتة لحماية الفلسطينيين ومنع الإبادة الجماعية في غزة.

ورفضت رد القضية بناء على طلب تل أبيب ورأت أنها من اختصاصها.

ولاحقا في شباط/ فبراير الماضي، لم توافق محكمة العدل الدولية، على طلب جنوب أفريقيا بفرض إجراءات عاجلة إضافية لحماية مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وشددت على أنه يتعين على الاحتلال الالتزام بطلبات المحكمة والتدابير التي اتخذتها المحكمة سابقا والتي تكفي.

ثم كانت الجلسة الثالثة للمحكمة في أيار/ مايو الماضي حيث أصدرت برئاسة القاضي نواف سلام، استجابة لطلب جنوب أفريقيا، تدابير مؤقتة جديدة تطالب قوات الاحتلال بأن "توقف فورا هجومها على مدينة رفح، وأن تحافظ على فتح معبر رفح لإدخال المساعدات، وأن تضمن وصول أي بعثة لتقصي الحقائق ترسلها الأمم المتحدة للتحقيق في الإبادة الجماعية".

ولا يخفي نواف سلام دوره السياسي خلال فترة دراسته الجامعية من أجل القضية الفلسطينية، وصرح بذلك بشكل علني أكثر من مرة، كما أنه كان لنكسة 1967 تأثير على شخصيته مثل أبناء جيله، وقال إنه خلال ترؤسه مجلس الأمن في عام 2010 بكى تأثرا عندما تسلم ملف فلسطين لتقديم عضويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وكتب أيضا أن "تصوير منتقدي سياسات إسرائيل على أنهم معادون للسامية يعد محاولة لترهيبهم وتشويه سمعتهم وهو ما نرفضه"، ودعا إلى عضوية فلسطين في الأمم المتحدة.

بالطبع اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية انتخابه على رأس محكمة العدل الدولية "مصدر قلق" بالنظر لمواقفه المعلنة المساندة للقضية الفلسطينية.

وكتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية  أن له "تاريخا في الإدلاء بتصريحات مناهضة لإسرائيل"، وسردت عددا من تصريحاته، إذ كتب في مواقع التواصل الاجتماعي عام 2015 "عيد ميلاد غير سعيد لك 48 عاما من الاحتلال".

وتقول وسائل إعلام عبرية إنه "لا يزال هناك مجال للتفاؤل، فلقد تم تعيين القاضية الأوغندية جوليا سابوتيندا نائبة سلام، وهي أقرب لإسرائيل، حيث إنها عارضت جميع الأوامر الصادرة ضد إسرائيل في الجلسة الأخيرة، وأظهرت في الواقع دعما غير مشروط لصالح الجانب الإسرائيلي".

سلام قانوني محترف يتعامل مع موقعه كرئيس لمحكمة العدل الدولية بوصفه "مسؤولية كبرى في تحقيق العدالة الدولية وإعلاء القانون الدولي"، كما يقول هو.

وتابع سلام: "أول ما يحضر إلى ذهني أيضا في هذه اللحظة هو همي الدائم أن تعود مدينتي بيروت، أمّا للشرائع كما هو لقبها، وأن ننجح كلبنانيين في إقامة دولة القانون في بلادنا وأن يسود العدل بين أبنائه".

وسيكون ملف غزة الملف الرئيس بين يدي سلام طيلة فترة ولايته، رغم أن تقارير إعلامية تلمح إلى أن سلام قد يكلف برئاسة الحكومة اللبنانية، بعد أن كتب في الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت عبر حسابه على منصة إكس: "الحقيقة طريق العدالة. وإخفاؤها جريمة. التحقيق شرطه استقلال القضاء والتدخل في عمله جريمة".

فهل في حال صحة هذه التقارير سيخرج سلام من المحكمة الدولية، أم يبقى الأمر مجرد تكهنات تخرج من كواليس الوضع اللبناني المنقسم والمأزوم منذ سنوات؟!