منذ اندلاع الحرب في
غزة، واجهت دولة الاحتلال تحديات متعددة الساحات من
إيران وحلفائها في المنطقة، في المقام الأول حزب الله، والحوثيون في اليمن، والمليشيات الشيعية في العراق، ومؤخرا من إيران نفسها.
ولكن من ناحية أخرى، في
سوريا، وباستثناء عدد قليل من حوادث إطلاق النار المنسوبة بشكل رئيسي إلى عناصر فلسطينية، والهجمات التي تشنها المليشيات الإيرانية ضد القواعد الأمريكية في البلاد، لم يتم تشكيل أي جبهة نشطة في المنطقة الحدودية في الجولان، وقد اختار الرئيس بشار الأسد عدم الانضمام إلى هذه الحرب، لتحويل سوريا إلى ساحة معركة أخرى تتحدى الاحتلال
الإسرائيلي.
كارميت فالينسي مسئولة برنامج الجبهة الشمالية في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، اهتمت بهذا الموضوع زاعمة أنه "في بداية الحرب، أرسلت دولة الاحتلال رسائل تهديد للأسد، مفادها أن الدخول في المعركة سيعرض دمشق ووجوده فيها للخطر، وهو بعد 13 عامًا من الحرب الأهلية الدموية، ولا يزال يواجه تهديدات داخلية من داعش والجماعات المسلحة الأخرى، يدرك جيدًا القدرة العسكرية الإسرائيلية في سوريا، ولا يرغب بتعريض حكمه للخطر مرة أخرى".
وأضافت في مقال نشرته
القناة 12 العبرية، وترجمته "عربي21" أن "العلاقات السورية مع حركة حماس تدهورت بعد الثورة في سوريا، رغم مصالحتهما في أكتوبر 2022، نتيجة ضغوط إيران وحزب الله لتوسيع محور المقاومة في إطار التحضير للاستراتيجية المتعددة الساحات، لكن الأسد صرّح أكثر من مرة أن العلاقات لن تعود لطبيعتها، ومن المرجح أن سبب عدم التدخل السوري يكمن في توجيهات "المحور"، وليس في قرار الأسد فقط، وربما أن إيران الطامحة لتحدي إسرائيل على أكبر عدد ممكن من الجبهات، لكنها ليست مستعدة للتضحية بالحليف السوري، وهو مركز إقليمي ولوجستي مهم للمحور، وترغب بالحفاظ عليه".
وأوضحت أن "التصور الإيراني يرى أنه من الصواب استنفاد الاستعانة بوكلاء آخرين، ورغم الدور المحدود الذي تلعبه الساحة السورية في الحرب في غزة، إلا أن عواقب الحرب لا تفوتها، وتنتج تغيرات قد تؤثر على الواقع في سوريا، حتى في اليوم التالي للحرب".
وأشارت أن "إطلاق النار المتقطع من سوريا باتجاه الاحتلال، واستمرار نقل الأسلحة، والفهم الإسرائيلي بأن سوريا مسرح عمل مناسب للردّ على هجمات المحور، أدى لزيادة الهجمات على إيران ووكلائها هناك، مع أن التغيير واضح في ظل الحرب، ليس فقط في ارتفاع معدلات الهجمات مقارنة بأيام (المعركة بين الحروب)، بل في طبيعة النشاط المخالف لقواعد اللعبة السابقة التي تجنبت فيها إسرائيل قتل الإيرانيين أو عناصر حزب الله على الأراضي السورية، حيث أتاحت لها زخم الحرب على غزة فرصة لتغيير القواعد، وتحمّل مخاطر أكبر تشمل الإضرار باللاعبين الرئيسيين المسؤولين عن مشروع الترسيخ الإيراني في سوريا".
وأكدت أن "هذا التغيير الإسرائيلي في قواعد اللعبة باستهداف وقتل مسئولين عسكريين إيرانيين استجلب عليها دفع ثمن هجوم صاروخي غير مسبوق من إيران، بشكل كاد أن يشكل معادلة جديدة بينهما، مع العلم أن عمليات نقل الأسلحة عبر سوريا استمرت خلال حرب غزة بكثافة أكبر، لكن عدد الهجمات الإسرائيلية دفع إيران وتابعيها لإجلاء بعض مشغليها من سوريا من أجل تقليل احتمالات إلحاق الضرر بمنشآتهم، خاصة "فرقة الإمام الحسين"، التابعة لفيلق القدس".
وأضافت أن "الوجود الروسي في سوريا ساهم في موقفها من حرب غزة، فرغم أنها لا تزال لاعباً رئيسياً هناك، وتحتفظ بقواتها في جميع أنحائها، لكن اهتمامها الموجه لأوكرانيا كان له أثر في دعمها للنظام السوري، ورغم تزايد النشاط الإسرائيلي ضده، فلم تكن هناك إدانات غير عادية من موسكو كالماضي، لكنها في كانون الثاني/ يناير 2024، اتخذت خطوة مفاجئة يمكن تفسيرها بأنها تحدي لأنشطة إسرائيل في سوريا، عندما بدأت طائراتها دوريات على طول "خط برافو" لوقف إطلاق النار لمراقبة الوضع، وإقامة نقطة مراقبة جديدة مرفوعة بالعلم الروسي، تم نصبها في مرتفعات الجولان في إشارة واضحة لإسرائيل عن الوجود الروسي في المنطقة".
وأوضحت أن "العنف الداخلي في سوريا يتزايد، فمنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهناك تصاعد في الصراعات الداخلية، وتزايدت هجمات القوات السورية والروسية على البنية التحتية المدنية في إدلب؛ وتصاعدت الاحتجاجات والاشتباكات العنيفة بين التنظيم المسيطر على إدلب وهيئة تحرير الشام وتنظيمات محلية، يستغل تنظيم داعش الاهتمام الإقليمي والدولي بغزة، ويرفع رأسه في سوريا بأكثر من 50 هجومًا بين تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2023 في وسطها وشرقها، مع تنامي الاحتجاجات شعبية ضد النظام في ظل الضائقة الاقتصادية التي يعيشها الأهالي، وعلى رأسهم الدروز في السويداء؛ والهجمات التركية ضد أهداف كردية، وأخيراً الهجمات الأردنية ضد صناعة تهريب المخدرات المزدهرة".
يمكن الخروج بتفسيرات إسرائيلية للموقف السوري الرسمي السلبي من العدوان على غزة، أهمها أن الضغوط التي مارسها الاحتلال على الأسد أتت بثمارها، لكن هذا لا يعني أن سوريا ستبقى في الحرب المقبلة ضد حزب الله أو ضد إيران ساحة هادئة ومنضبطة، لأن سنوات الاستثمار الإيراني فيها سيأتي أوان استغلالها، مما قد يستدعي من الاحتلال التفكير خارج الصندوق، واعتماد أدوات أخرى، بهدف تعزيز العناصر المعادية لحماس في النظام السوري، والمتطلعة لهدوء مع حدود الاحتلال، واستخدام ما تصفه بـ"التكتيكات السرية" بهدف تعطيل النفوذ الإيراني هناك، ومنع من أن تصبح جبهة قتال أخرى في رؤية المحور المتعددة المجالات.