أكدت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية، أن
العلاقات باتت متوترة بين
مصر والاحتلال الإسرائيلي، جراء السيطرة الإسرائيلية على
المنطقة الحدودية في رفح، أو ما يعرف بـ"
محور فيلادلفيا".
وتابعت الصحيفة في تقرير ترجمته "
عربي21":
"هذه الأزمة تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين تل أبيب والقاهرة، في ظل
الأهمية الاستراتيجية التي شكلتها تلك العلاقة على مدار العقود الماضية، منذ
اتفاقية السلام التي تم توقيعها عام 1979".
وأشارت إلى أن وسائل إعلام مصرية مقربة من السلطات
تحدثت على مدار الأسابيع الماضية بصوت واحد، وقالت إن
الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة
العازلة على الحدود بين مصر وغزة يمكن أن ينتهك سيادة مصر وأمنها القومي، ومن شأن
ذلك أن يوجه ضربة أخرى للعلاقة التي دفعها الهجوم الإسرائيلي بالفعل إلى أدنى
مستوياتها منذ عقود.
وأوضحت الصحيفة أنه عندما قال الجيش الإسرائيلي
الأسبوع الماضي إنه سيطر "بشكل تكتيكي" على المنطقة، المعروفة باسم ممر
فيلادلفيا، سارعت نفس أبواق الحكومة إلى القول إن المنطقة لا علاقة لها بمصر،
وذهبت السيادة إلى طي النسيان.
وكان هذا أحدث مؤشر على أنه رغم كل المشاعر الصعبة
والمخاوف الأمنية التي أثارتها الحملة الإسرائيلية المدمرة في قطاع غزة، فإن
القاهرة لا ترى خيارًا للتعامل مع إسرائيل سوى حماية معاهدة السلام التي أبرمتها
مع إسرائيل سنة 1979.
وبالنسبة لإسرائيل أيضًا فإن "السلام
البارد" مع مصر كان يشكل ركيزة أساسية للأمن القومي طيلة 45 سنة، ومنح
إسرائيل الطريق إلى علاقات أفضل مع الدول العربية، التي قام بعضها بالتطبيع، ما
جعل إسرائيل جزءًا من محور إقليمي مناهض لإيران، ولنفس الأسباب، تعتبر الولايات
المتحدة أيضًا أن المعاهدة، التي انبثقت عن اتفاقيات كامب ديفيد، تشكل أهمية بالغة
للاستقرار الإقليمي.
وذكرت الصحيفة أنه مع ذلك؛ فقد خاطرت إسرائيل بالإخلال
بهذا التوازن الدقيق، قائلة إنها يجب أن تسيطر على المنطقة العازلة الضيقة بين غزة
ومصر من أجل أمنها، وأنها بحاجة إلى تدمير عشرات الأنفاق التي مكنت حماس من تهريب
الأسلحة عبر الحدود، رغم تأكيد مصر أنها قامت بإيقاف التهريب قبل سنوات.
وأكدت أن التوغل العسكري الإسرائيلي في جنوب غزة
ومدينة رفح في الأسابيع الأخيرة، أدى إلى توتر خطير في العلاقات مع مصر، مما أثار
تساؤلات حول المدى الذي ستذهب إليه إسرائيل في إصرارها على السيطرة على ممر
فيلادلفيا، وإلى أي مدى ستتسامح مصر مع الوجود الإسرائيلي المستمر هناك.
ونقلت الصحيفة عن حسين هريدي، الرئيس السابق للشؤون
الإسرائيلية في وزارة الخارجية المصرية، قوله إن احتلال إسرائيل للمنطقة التي تقع
على بُعد أمتار فقط من الحدود، يرقى إلى "تهديد مباشر للأمن القومي المصري".
وأضاف أن "مصر لديها شكوك عميقة في أن إسرائيل
تخطط للحفاظ على درجة معينة من السيطرة الدائمة على الحدود؛ حيث يصبح الأمر أكثر
تهديدًا لأنه لا يوجد جدول زمني للانسحاب أو التزام بالانسحاب".
وبحسب محمد الزيات، المحلل في المركز المصري
للدراسات الاستراتيجية المرتبط بالدولة، وخبراء أمنيين إسرائيليين، فقد ضغطت
إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، على مصر لتعزيز الأمن على حدودها مع غزة من
خلال بناء جدار مرتفع يمتد تحت الأرض، مع أنظمة استشعار من شأنها أن تنبه الجيشين
الإسرائيلي والمصري إلى حفر الأنفاق والتهريب.
لكن مصر تخشى أن تؤدي مثل هذه الإنذارات إلى قيام
إسرائيل بعمل عسكري على طول الحدود، إذ بشكل وجود القوات الإسرائيلية هناك تهديدًا
بإثارة المزيد من الغضب بين المصريين الذين ما زالوا يعتبرون إسرائيل عدوًا
ويشعرون بالاستياء بالفعل تجاه ما يرونه ضعفًا من بلادهم في مواجهة هذا الاستيلاء
الإسرائيلي.
وبينت الصحيفة أن مصر ترى احتمالًا متزايدًا لأن
تقوم إسرائيل بدفع سكان غزة إلى الفرار، ما يخلق أزمة لاجئين داخل مصر، ويمنح
حماس موطئ قدم هناك، كما قد يعرّض الآمال في إقامة دولة فلسطينية مستقبلية للخطر،
ويريد نظام مصر الذي يهيمن عليه الجيش، والذي استولى على السلطة واعداً بالأمن
والاستقرار، أن يثبت لشعبه وشركائه الأجانب أنه يتمتع بالكفاءة الكافية لإدارة
الحدود بنفسه.
ووفقًا لريكاردو فابياني، محلل الشأن المصري في
مجموعة الأزمات الدولية، فإن معاهدة سلام لسنة 1979 هي حجر الزاوية في السياسة
الخارجية المصرية، وهي مبرر المبلغ الذي يمنحه الأمريكيون للمصريين كل سنة والذي
يقدر بـ1.3 مليار دولار، لذلك فإنه إذا قال شخص ما إن المصريين لا يمكن الاعتماد عليهم
بشأن هذه الحدود الحساسة للغاية، فإن الأمر برمته ينهار.
وأشارت الصحيفة إلى أن استيلاء إسرائيل على ممر
فيلادلفيا يجعل مصر تشعر بالتهديد، وللتعبير عن استيائها؛ سجلت القاهرة دعمًا
لقضية جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة
جماعية في غزة، كما أنها حذرت من أن إسرائيل تعرض المعاهدة للخطر.
ورغم الإدانة الموجهة لإسرائيل بسبب قطعها المساعدات
الإنسانية عن غزة، فإن مصر نفسها اتخذت خطوة متطرفة الشهر الماضي بتعليق مؤقت
لتدفق الإمدادات من أراضيها في محاولة لإجبار الولايات المتحدة على الضغط على
إسرائيل للانسحاب من معبر رفح؛ حيث أثار مشهد العلم الإسرائيلي الذي يرفرف
فوق تلك النقطة الحدودية غضب الرأي العام في مصر.
وووفق الصحيفة؛ فقد امتنعت مصر عن اتخاذ خطوات أكثر
جدية ضد إسرائيل، وعلى عكس الأردن، لم تسحب سفيرها من تل أبيب.
وقال محمد أنور السادات، السياسي المصري المستقل
وابن شقيق الرئيس الذي وقع على معاهدة سنة 1979، فإنه لا أحد مهتما بأي نوع من
التصعيد، لذلك فإنه سيتم الوصول إلى حل يرضي الجانب الإسرائيلي، والمصلحة المشتركة
تقتضي التوصل إلى تفاهم لتجنب أي نوع من المواجهة.
ويبدو أن وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة تساعد
في الجهود المبذولة للحد من الغضب الشعبي.
وأفادت الصحيفة بأن خطاب وسائل الإعلام كان يقترب من
العدوانية قبل أن تعلن إسرائيل سيطرتها على ممر فيلادلفيا، فقد كتب أحمد موسى،
مقدم البرامج الحوارية البارز، في مقال بصحيفة الأهرام المصرية، أن مصر مستعدة
لجميع السيناريوهات، ولن تسمح أبدًا بأي تعدٍ على سيادتها وأمنها القومي، سواء
بشكل مباشر أو غير مباشر
ومع ذلك، فإنه بعد أن استولت إسرائيل على الممر، هاجم
موسى في برنامجه مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين قالوا إن ذلك جعل مصر تبدو
ضعيفة، وربط مثل هذه "الادعاءات" بجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة
الإسلامية السياسية - التي تعد حماس فرعًا منها - والتي طالما شيطنتها الحكومة
المصرية باعتبارها منظمة إرهابية.
وشددت الصحيفة على أن العلاقات الإسرائيلية المصرية
نجت من الحروب والانتفاضات الفلسطينية، والثورة المصرية سنة 2011 التي أطاحت
بالرئيس حسني مبارك، والرئاسة القصيرة لمحمد مرسي، القيادي البارز في جماعة
الإخوان المسلمين الذي فاز بأول انتخابات حرة في مصر.
وكانت رفح وممر فيلادلفيا الذي يبلغ طوله ثمانية
أميال بمثابة نقاط اتصال واحتكاك بين مصر وإسرائيل؛ حيث فرض البلدان حصارًا
مشتركًا على غزة بعد سيطرة حماس على القطاع الساحلي سنة 2007، بعد وقت قصير من
اتفاق مصر وإسرائيل على عدد القوات التي يمكن أن تتمركز حول المنطقة العازلة.
وبقيت مسألة التهريب مثيرة للجدل، وعندما انسحبت
إسرائيل بشكل أحادي من غزة في 2005، قال العديد من الاستراتيجيين الإسرائيليين إنه
كان من الخطأ ترك الممر للمهربين، وبحسب مسؤولين إسرائيليين فإنه بمجرد وصول حماس
إلى السلطة، فقد أصبح معبر رفح قناة رئيسية لتهريب الأسلحة، والذي بلغ ذروته مع انهيار
الأمن المصري خلال رئاسة السيد مرسي المضطربة.
وتابعت الصحيفة قائلة إن عبد الفتاح السيسي قاد
انقلابًا عسكريًا أطاح بالسيد مرسي في سنة 2013، وأصبح رئيسًا بعد سنة واحدة، ومنذ
ذلك الحين أقام شراكة أمنية وثيقة مع إسرائيل بسبب مصلحتهما المشتركة في القضاء
على التمرد في شمال سيناء، المنطقة المصرية المتاخمة لغزة وإسرائيل.
وبحسب الصحيفة؛ فإنه نظرًا لأن النظام المصري يعتبر حماس
تهديدًا أمنيًا، فقد أمضى سنوات في اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهريب إلى غزة،
وتدمير الأنفاق وإغراقها، كما طور الجيشان المصري والإسرائيلي روابط قوية، بما في
ذلك قناة اتصال منتظمة لمناقشة التهريب ومكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات
الاستخبارية؛ حتى إن إسرائيل وافقت على السماح لمصر بنشر المزيد من القوات على طول
الحدود.
ونظرًا للكراهية العميقة التي يكنها الشعب المصري
تجاه إسرائيل، لم يعلن أي من الطرفين عن تعاونهما، لكن السيد السيسي اعترف في
مقابلة أجريت معه سنة 2019 بأن مصر لديها "نطاق واسع من التنسيق" مع
إسرائيل.
عندما تظهر تقارير إخبارية عن محادثات مصرية
إسرائيلية حول الحدود هذه الأيام، يسارع المسؤولون المصريون إلى نفي أي تنسيق.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن إسرائيل لا تزال
ترى مزايا العلاقة، خاصة أنها قد تحتاج إلى مساعدة مصرية في إدارة غزة بعد
الحرب،
ويقول إفرايم عنبار، الخبير في العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية ورئيس معهد القدس
للاستراتيجية والأمن، إن هناك حوارًا استراتيجيًّا وثيقًا مع المصريين، وإسرائيل
بحاجة إلى الحفاظ عليه.