ملفات وتقارير

من البحث عن "المُتعة الرّخيصة" إلى الوفاة تسمّما.. ما تفاصيل "الماحيا المسمومة" في المغرب؟

حالات إصابات بالتسمم بلغ 114 شخصا على مستوى جماعة سيدي علال التازي- فيسبوك
"توفيّ ابني بتناوله هذا السم "الماحيا" (شراب مُسكر مغشوش)، عُمره 18 عاما، كان مُقبلا على امتحانات الباكالوريا"، تقول إحدى الأمّهات، وهي غارقة في بكائها، الممزوج بالصدمة من خروج ابنها المتوفّى عن طوعها، وخوضه غمار الإدمان الرخيص، حيث تقول إنها لم تكن أبدا على معرفة بالأمر، وكانت دوما تُحذّره من أصدقاء السوء.

ويقول أب آخر، وهو يُلقي اللوم على السُلطات والجهات المعنية: "كل شيء يُباع من سموم، يتم أمام مرأى ومسمع الجميع، لماذا تركتم الأمور تصل إلى هذا السوء، وضحيّتم بأبناء الشعب؟"، مُردفا أن ابنه الذي يأتي مرّة في السنة إلى المغرب، خاض بدوره غمار تجربة شُرب "الماحيا" ليتوفّى، تاركا خلفه زوجته وابنه الصغير.

81 حالة إصابة.. وما يزيد
في أول حصيلة رسمية لفاجعة التسمم بـ"الماحيا" التي هزّت جماعة سيدي علال التازي (غرب المغرب)، بداية الأسبوع الجاري، كشفت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، صباح اليوم الأربعاء، أنه تم "تسجيل 8 أشخاص، 7 منهم تم تسجيل وفاتهم على مستوى المركز الاستشفائي الإقليمي الإدريسي بالقنيطرة، فيما تم تسجيل حالة وفاة أخرى على مستوى مستشفى الزبير سكيرج بسوق الأربعاء الغرب، جرّاء مضاعفات تسمم وخيمة بمادة "الميثانول"".


وأبرز بلاغ الوزارة، الذي توصّلت "عربي21" بنسخة منه، أن "حالات الإصابات بالتسمم بلغت 114 شخصا على مستوى جماعة سيدي علال التازي، التابعة ترابيا لإقليم القنيطرة، وتم تأكيدها مخبريا من طرف المركز المغربي لمحاربة التسمم ولليقظة الدوائية بالرباط".

وأشار إلى أن "81 حالة إصابة أخرى توجد تحت الرعاية الطبية عبر مختلف المراكز الاستشفائية التابعة للجهة، ويتعلق الأمر بـ28 حالة بالمركز الاستشفائي الإقليمي الإدريسي بالقنيطرة، من بينها 3 حالات توجد بمصلحة الإنعاش، فيما تم تسجيل مغادرة 38 شخصا المستشفى بعد تحسن حالتهم".


"تتواجد 40 حالة بالمركز الجهوي مولاي يوسف بالرباط، منها حالتان تمت إحالتهما على مصلحة الإنعاش، بمركز تصفية الدم بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، نتيجة مضاعفات تناول هذه المادة، فيما تخضع 20 حالة لتصفية الدم بذات المؤسسة الاستشفائية" يوضّح البلاغ نفسه، وذلك "ما بين الساعة السادسة مساء من يوم الإثنين 3 يونيو إلى حدود الساعة الثامنة صباحا من يوم الأربعاء 05 يونيو 2024".

ماذا حدث؟
ضحايا كُثر، بين مصدوم وغير مُستوعب، وأصوات الصُراخ والبُكاء، باتت جُزءا من جنبات مستشفى الإدريسي الإقليمي، في مدينة القنيطرة (غرب المغرب)، ومستشفى مولاي عبد الله، بالرباط، الذي نُقلت إليه الحالات الحرجة والخطيرة.


وتعود تفاصيل ما باتت توصف بـ"الفاجعة"، وفق شهود تحدّثوا لـ"عربي21" أنه مساء السبت المنصرم، تناول عدد كبير من شباب منطقة سيدي علال التازي (غرب المغرب)، ما يُطلق عليه اسم "الماحيا"، بحثا عن الاستمتاع، قبل أن تنقلب حياتهم رأسا على عقب.

وتوفّي على الفور 3 أشخاص منهم، فيما نقل العشرات نحو المستشفى، بعد آلام مُتفاوتة، صعبة، على مستوى الأمعاء والمعدة.

ووفق مصادر مُتفرّقة لـ"عربي21" فإن عدد الوفيات بمستشفى الإدريسي الإقليمي، قد بلغ، صباح الثلاثاء، 15 حالة، وذلك في ظل تزايد حدّة الخوف من ارتفاع العدد، خلال الساعات القليلة القادمة، حيث لا تزال هناك حالات خطيرة، ولا تزال حالات جديدة تتوافد على المستشفى.

معلومات مُتضاربة.. وخفايا صادمة
وسط تضارب المعلومات، خلال اليومين الماضيين، حيث إن وزارة الصحّة المغربية لم تُصدر البلاغ إلا صباح اليوم الأربعاء، قال عدد من المصادر المتفرّقة إن "إجمالي الإصابات قد وصل إلى 87"، فيما قالت أخرى إن "نفس أصابع الاتهام تتوجّه إلى شركة بالمنطقة تنتج المحلول السّام الذي تسبّب في هذه الفاجعة، مبرزين أن "بيعه في مناطق أخرى أدّى إلى فقدان البصر لعدد لا يُستهان به من الضحايا".



وكانت السلطات المحلية، قد أوضحت، في وقت سابق أن الأبحاث والتحريات التي باشرتها مصالح الدرك الملكي أسفرت عن تحديد هويّة المشتبه فيهم المتورطين في هذه القضية، إذ تم توقيف شخصين، يبلغان من العمر حوالي 41 و21 سنة، وضعا بدورهما تحت المراقبة الطبية بالمستشفى الإقليمي، بالقنيطرة.

وفي انتظار تطورات حالتهما الصحّية، سيتم إخضاعهما لإجراءات البحث القضائي، للاشتباه في تورطهما في صناعة وبيع مواد مضرة بالصحة العامة "الماحيا"، والتسبّب في وفاة مستهلكيها.

حين تُكتب لك حياة جديدة
بكلمات غير مُترابطة، وصدمة لا تُفارق نظراته، يروي مروان (اسم مُستعار)، نجاته من الموت مسموما، بالقول: "البارحة ليلا مع الأصدقاء، شربت قليلا فقط من الماحيا/ ماء الحياة، قبل أن أغادرهم، وأستيقظ بعدها على وجعي".

ويُتابع: "أرجوكم ابتعدوا عن كل ما له علاقة بالإدمان، إنه دمار للصحة وللحياة"، قبل أن يعود للتعبير عن تعبه، وألمه، وفاجعة قلبه من وفاة أصدقائه، وعدد من معارفه.


مروان، واحد من الضحايا، النّاجين، من حادثة "الماحيا المسمومة" (نوع من الشرّاب المخدّر المغشوش)، ممّن استطاع التعبير قليلا، أمّا الباقي، فهم بين مُفارق للحياة، وبين غائب عن الوعي، داخل مستشفى الإدريسي الإقليمي في مدينة القنيطرة.

استنكار واسع
تتبّعا لما يروج على منصّات التواصل الاجتماعي، رصدت "عربي21" جُملة من الصور التي تبرز هذه "المادّة الكحولية" التي لا تصلح للاستهلاك، ورغم ذلك يتم الترويج لها، داخل المناطق الفقيرة، خاصة في صفوف المراهقين، باسم "الماحيا" وتحت تسويق بكونها "تجعل العقل يرتاح من صعوبات الحياة".



وفي السياق نفسه، استنكر عدد من رواد منصات التواصل، ما وصفوه بـ"سماح الجهات المسؤولة بترويج البائعين لمثل هذه المواد المسمومة" مُطالبين بالتدخّل العاجل، لتخليص المجتمع من هؤلاء "المُجرمين" وتحقيق العدالة في حقّهم.



إلى ذلك، أعادت الفاجعة، التي لا تزال تفاصيلها تجري على أرض الواقع، بين حالات وفاة، وحالات تسمّم، وذُعر للأهالي، وتحرّيات عن المتسبّبين فيها، للواجهة، مُطالبة المواطنين بضرورة تشديد المراقبة على كافة "المعامل السرّية" التي يتم فيها صُنع ما يُفسد الحياة، وكذا باعة هذه المواد المُسكّرة التي لا تصلح للاستهلاك، خاصة في قلب المناطق التي يكثر فيها الفقر والبطالة.