على مدار الأشهر
الثمانية الماضية، ومنذ إعلان
حزب الله الاشتراك في عملية طوفان الأقصى
كـ"جبهة إسناد"، لجأ الحزب منذ الأيام الأولى إلى استراتيجية الإعماء
لقدرات
الاحتلال، التي يمكن أن تحد من حركته، أو تقلل من قدرته على إصابة الأهداف
العسكرية.
ولتطبيق هذه
الاستراتيجية، لجأ حزب الله إلى تنفيذ عمليات قنص عن مسافة مئات الأمتار وحتى نحو
كيلومترين، لكافة الأجهزة الاستخبارية ومحطات الاتصالات، وكاميرات المراقبة
والرؤية الليلية المثبتة على أبراج الاتصالات في المواقع الثكنات العسكرية، على
امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة.
وأسهمت هذه العمليات في حجب الرؤية وإمكانية المراقبة للاحتلال لمحيط تلك المواقع المشرفة على القرى
والبلدات اللبنانية في الجنوب، وحرمتها من وسائل الجمع الاستخباري، لتزويد منظومات
الإطلاق والاستهداف في حال رصد نشاطات للحزب.
وعلاوة على عمليات قنص
الكاميرات وأجهزة الاتصالات، قام حزب الله باستخدام الصواريخ المضادة للدروع
الموجهة، من طراز كورنيت وكونكورس والتاو، ومؤخرا صواريخ ألماز الإيرانية المطورة
عن منظومة سبايك الإسرائيلية، باستهداف منظومات المراقبة الجوية والاتصالات
المتطورة داخل المواقع.
وكبدت هذه الضربات
بالصواريخ الموجهة قوات الاحتلال خسائر كبيرة على صعيد عمل منظومات التشويش
والتعقب والاتصالات الجوية في الإقليم، التي تمتد من مناطق جنوب شرق تركيا إلى
مناطق سوريا ولبنان والأردن، وكان أبرز تلك المنظومات في قاعدة ميرون الجوية،
الموجودة على جبل الجرمق شمال فلسطين المحتلة.
وتعد قاعدة ميرون إحدى قواعد التحكم الجوي والاتصالات التابعة لسلاح جو الاحتلال، فضلا عن محطة
لرصد الاتصالات والتشويش على موجات الاتصال في المنطقة.
وسمحت هذه الضربات
لمقاتلي حزب الله بحرية أكبر في الحركة، بعد إعماء كافة منظومات الرصد، وتغيير
المواقع الهجومية على امتداد الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة.
وكشف بلاغ لحزب الله عن عمق خسائر الاحتلال، بعد تعميمه على سكان القرى جنوب لبنان، القريبة من الشريط
الحدودي، لإلغاء كاميرات المراقبة الشخصية المثبتة على محلاتهم ومنازلهم؛ بسبب
محاولات الاحتلال اختراق تلك الكاميرات عبر شبكة الإنترنت، للحصول على أي معلومات
عن تحرك مقاتلي الحزب في المنطقة، بعد خسارته الكاميرات المتطورة داخل المواقع
العسكرية نتيجة الضربات المتلاحقة.
الفوائد الاستراتيجية
ورغم أن عمليات
الاستهداف لأبراج الاتصالات، باستخدام صواريخ موجهة، كان البعض يعدها مجرد مناوشات
مع الاحتلال، لكن مع مرور الوقت ثبت أن هدفها بعيد المدى كان يستلزم ضربها.
وعلاوة على إعماء
الاحتلال عن رصد تحركات الحزب، تسبب تدمير منظومات الرصد والاتصالات على امتداد
الحدود، إلى تسهيل مهمة
الطائرات المسيرة، التي تقوم بجمع المعلومات الاستخبارية
وتصوير كافة مواقع الاحتلال العسكرية، والمواقع التي استحدثها جيش الاحتلال.
وتظهر العديد من
الإصدارات المصورة لعمليات حزب الله، التقاط طائرات مسيرة صورا واضحة لمواقع
القبة الحديدية، ومرابض مدفعية الاحتلال، بدقة عالية، وهو ما مكن الحزب من إطلاق
دفعات صاروخية لكشف المنظومات، ثم إرسال طائرات مسيرة انتحارية تنفجر بشكل دقيق
في الأهداف.
وأدى تدمير العديد من بطاريات
ووحدات تشغيل القبة الحديدية على مدار الأشهر الماضية، إلى تراجع قدرة الاحتلال في اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة، وإلى اختراق مسافات كبيرة داخل الأراضي
الفلسطينية المحتلة، وحققت إصابات مؤكدة وألحقت قتلى في صفوف جيش الاحتلال.
كما أن العديد من
الهجمات بواسطة الصواريخ والطائرات المسيرة لم تشهد انطلاق صفارات إنذار؛ بسبب
قدرات الطائرات المسيرة على التحليق بارتفاع منخفض، وعدم قدرة الرادارات على رصدها.
وأحد الأدلة كذلك على
فعالية استراتيجية الإعماء، تسلل مقاتلي حزب الله إلى مسافة أقل من 200 متر عن
موقع راميا شمال فلسطين المحتلة، وهو أحد المواقع المحصنة للاحتلال، وإطلاق دفعات
من قذائف مضادة للدروع، من مسافة قريبة، وإطلاق قذائف الهاون، قبل الانسحاب، بسبب
تدمير أجهزة الرصد المثبتة على أبراج الموقع وفي محيطه.
سياسة نفذها القسام
وبالعودة إلى
غزة، قامت كتائب القسام، صباح
عملية طوفان الأقصى، بتنفيذ سلسلة هجمات متزامنة ومركزة على كافة أبراج المراقبة
التابعة للاحتلال، في محيط غزة، التي يتحكم بها جنود الاحتلال من خلال شاشات
مراقبة عن بعد.
وأقام الاحتلال خلال السنوات الماضية أبراج
مسلحة برشاشات ثقيلة، على امتداد السياج الفاصل مع غزة، وكان يطلع عليها اسم
"يرى ويطلق"، وبعضها تمتلك تقنيات تحرك وإطلاق نار آلية، بمجرد رصدها أي
حركة في محيط السياج الفاصل بقطاع غزة.
وقامت القسام، بواسطة سلاح القناصة والطائرات المسيرة التي تلقي عبوات ناسفة، باستهداف كافة هذه الأبراج، ما أدى إلى
تدميرها، وخروجها عن الخدمة، وبالتالي تمكن المقاتلون من الوصول إلى السياج، والقيام بعمليات التفخيخ والتفجير، وإنجاح اختراق الأراضي المحتلة عام 1948 في
عملية طوفان الأقصى.
ما بعد الإعماء
وتظهر اللقطات الأخيرة التي بثها حزب الله نجاح سياسة الإعماء، عبر ضرب بطاريات القبة الحديدية، بواسطة صواريخ موجهة، بعد
اقتراب المقاتلين من ثكنات الاحتلال إلى مسافات كبيرة وإصابتها بصورة مباشرة، كما
حصل في ثكنة رامون.
كما تظهر لقطات أخرى استهداف موقع عداثر
العسكري التابع للاحتلال، وإصابة آلية عسكرية خاصة بالاتصالات، وإصابتها بصورة
مباشرة، فضلا عن تدمير الغرفة التي يستخدمها الجنود للتحكم بالآلية، وإصابتها بشكل
دقيق، كما أظهرت المشاهد.
كما أن العملية التي نفذها حزب الله ضد ثكنة
عسكرية في بلدة حرفيش شمال فلسطين المحتلة، بواسطة طائرة مسيرة انتحارية، كشفت
تراجع قدرات الرصد لدى الاحتلال، حيث أصابت المسيرة خيام الجنود، ما أدى إلى مقتل
أحدهم وإصابة 11 آخرين، إحداها خطيرة لمجندة، والبقية بجروح متوسطة.