في
الوقت الذي يخوض فيه جيش
الاحتلال حربه العدوانية على الشعب الفلسطيني في قطاع
غزة، فإنه يخوض حربا أخرى قد لا تكون أقل دموية، ولكن من غير قصف ولا هجمات، ولكن
حول المستقبل المنتظر لقائده هآرتسي
هاليفي، وسط تزايد الدعوات باستقالته، بزعم أن
تغييره هو وحده الذي سيعمل على تدفق دماء جديدة في جميع أنحاء الجيش، ما يتطلب
منه أن يكون أول من يتنحى عن مسؤولياته العسكرية؛ بسبب دوره الكارثي في إخفاق
السابع من أكتوبر، وفشله المتكرر في الحرب على غزة.
وذكر يوسي
يهوشاع، الخبير العسكري في
صحيفة يديعوت أحرونوت، "أن مرور الأيام يكشف عن
عمق الفجوة التي لا تطاق بين قادة الجيش وكبار جنرالاته، لاسيما بسبب الغضب
والمرارة تجاه رئيس هيئة الأركان، وهو غضب ومرارة تأخذان في التراكم كلما مر مزيد
من الوقت".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21"، "أن ذلك يعني أن أزمة الثقة تضخمت إلى أبعاد غير مسبوقة، زادت في خطورتها عن
حرب لبنان الثانية، رغم أن مسؤولية فشل السابع من أكتوبر تتحملها كل مستويات
الدولة: سياسيا وأمنيا وعسكريا".
وأوضح، أن
"التسليم بهذه القناعة لا يعني أن جوهر الانتقاد والفشل والإخفاق يتجه نحو رئيس
الأركان الذي فشل وبقية جنرالاته في ذلك اليوم، ولذلك فلا يحتاج هاليفي لأحذية
عالية للهروب من الثعابين المحيطة به في مقر هيئة الأركان في (الكرياه)،
التي تعتبر أن استمراره في منصبه حتى بعد ثمانية أشهر من ذلك الإخفاق، يعني
أنه لا يوجد قرار في الأفق بإقالته أو استقالته، ما يجعل الجيش الذي يستعد لمزيد
من التكاتف الداخلي عشية خوض حرب في الشمال يعيش في حلقة من المستحيل الخروج منها
ما لم يفعل هاليفي ما هو مطلوب منه".
وأكد
أن "هاليفي يمكنه أن يفعل ذلك بطريقة تحفظ له ما تبقى من ماء وجهه، ويوقف ما
نسميها "الرقصة المجنونة"، لأنه لا يملك الشرعية لإنهاء دوره قبل أن
يقوم هو وباقي المسؤولين الذين خذلوا الدولة بإخفاقهم، مع أنه كان جديرا به أن يستعد لدفع ثمن عزله من الجيش، ورغم
ذلك فقد تجنب الأمر في الوقت الحالي، وكأنه فتح الطريق أمام باقي الضباط لمواصلة
كسر التقاليد التي تنصّ على استقالة أي قائد يفشل في مهمته، ويعني ذلك التخلي عن
الخدمة العسكرية، والانسحاب منها".
في
المقابل، يرى الجنرال عاموس يارون الرئيس السابق لشعبة القوى البشرية في الجيش، أن
"الهجوم الجاري على هاليفي يشبه إطلاق النار على الجنود داخل المدرعة، لأن
التطاول عليه وصل حدّ التجرؤ بوصفه، وفي خضم الحرب، بأنه رئيس الأركان
الأكثر فشلاً في تاريخ الجيش".
وأضاف في
مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21"، أن "هذا سلوك صارخ للغاية، وكأن الإسرائيليين
أصبحوا على موعد كل يوم يستيقظون على تصريح فاضح آخر لسياسي أو صحفي أو زعيم رأي،
هنا وزير اعتدى بشكل صارخ على وزير آخر، هناك نقاش في الحكومة تحول إلى سيرك، وهنالك
عضو كنيست آخر شتم عضوا آخر، حتى تحولت ساحتنا السياسية والحزبية إلى الشكل الأكثر
انحطاطاً وقذارة".
وأوضح أن "الهجوم هذه المرة على هاليفي لم يأت من الوزيرين ميري ريغيف أو
إيتمار بن غفير، بل من جنرال زميل له وهو يفتاح رون تال، الذي وجه طعنة
في ظهر هاليفي والجيش بأكمله، في دعوته لاستقالة كبار الضباط بسبب فشلهم في السابع
من أكتوبر، رغم أنهم اختاروا تحمّل المسؤولية، والبقاء في الجيش لخوض الحرب، وهذا لا
يستحق الإدانة، مع أنه كان من الأسهل عليهم الاستقالة فورًا".
وأوضح
أن "هناك الكثير من الانتقادات القاسية للجيش وقائده قبل وبعد أكتوبر، لكننا نقول
ذلك بطريقة واقعية، وليس شخصية، لأنه بم سيفكر الجندي في ساحة المعركة الذي
يتعين عليه إطاعة الأوامر والمخاطرة بحياته، وهو يسمع أن رئيس الأركان يوصف بأنه
الأكثر فشلا في تاريخ الدولة".
وتابع بأن "النتيجة الفورية لذلك هي إيذاء الجنود والقادة،
وزعزعة ثقة الجمهور في نهاية المطاف بالجيش".
وتكشف
هذه
الخلافات الداخلية حول مستقبل هاليفي، بين الاستقالة والإقالة، أن
ساعة انسحابه من الجيش تقترب يوما بعد يوم، لأنه يتعرّض لضربات موجعة منذ السابع
من أكتوبر، ويتلقى كل يوم سلسلة من الإخفاقات العسكرية والعملياتية، ما يستدعي
منه تحمّل المسؤولية، والتنحي جانباً، وإلا سيبقى جيش الاحتلال في حالة من
المراوحة والتعثّر الميداني، في حين أن قادته مشغولون بحروب الوراثة والخلافة
لليوم التالي لغياب هاليفي عن قيادة الجيش.