قال موقع
ستراتفور إن سياسات الرئيس
التونسي قيس سعيد، الداخلية والخارجية، تقود البلاد نحو
المزيد من
الاستبداد في السلطة، في ظل نواياه وخططه للاستمرار في السلطة.
وقال الموقع،
في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه من المحتمل أن يسعى الرئيس
التونسي قيس سعيّد إلى تمديد فترة ولايته القادمة من خلال الإصلاحات الدستورية
وربما الحد من التمويل الأجنبي لأجزاء من المجتمع المدني، لكنه سيظل مقيدًا
بالنقابات العمالية القوية في تونس والمخاوف من تأجيج الاضطرابات في أنحاء البلاد.
وفي الأسابيع
القليلة الماضية، اعتقلت السلطات التونسية حوالي عشرة صحفيين ومحامين، كان العديد
منهم ينتقدون الرئيس سعيّد والحكومة التونسية. وقد أدى ذلك إلى عدة احتجاجات،
فضلاً عن إضراب المحامين ليوم واحد تضامنًا مع زملائهم المعتقلين. كما قام سعيّد
بتنفيذ تغييرات على الحكومة التونسية، بما في ذلك تعديل وزاري جزئي في 25
أيار/ مايو استبدل فيه وزير الداخلية ووزير الشؤون الاجتماعية، وأنشأ منصبًا جديدًا
لكاتب الدولة يشرف على الأمن القومي تحت إشراف وزير الداخلية. وتأتي هذه الأحداث
في الوقت الذي تستعد فيه تونس لإجراء الانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها أواخر
سنة 2024.
ويرجح أن
العديد من هذه الاعتقالات تمت بموجب سلطة المرسوم بقانون عدد 54 المثير للجدل في
تونس، الذي تم اعتماده في أيلول/ سبتمبر 2022 لمكافحة "المعلومات الكاذبة
والشائعات"، لكنه كثيرًا ما استُخدم لاعتقال وترهيب منتقدي الحكومة. ومن أجل
مكافحة السياسيين المعارضين، ترأس سعيّد جلسة عمل في 20 أيار/ مايو لمشروع تعديل
الفصل 96 من قانون العقوبات التونسي. ومن شأن هذا التعديل أن يجرم الأفراد
العاملين في القطاع العام الذين يمتنعون عن القيام بمهامهم لعرقلة سير عمل
المؤسسات العامة وفعاليتها.
وأوضح الموقع
أن الولاية الأولى لسعيّد اتسمت بتوطيد السلطة من خلال الاستفتاء على دستور 2021،
وقمع الحريات المدنية، واستمرار الأزمة الاقتصادية. وكانت تونس غارقة في أزمة
اقتصادية استمرت لسنوات، وتفاقمت بعد جائحة كوفيد-19 نتيجة لاحتياجات التمويل
الداخلي والخارجي المرتفعة في سياق الدين العام المرتفع أصلًا، وظروف التمويل
الخارجي الصعبة، والنمو الاقتصادي الضعيف، والتقدم المحدود في الإصلاحات
الاقتصادية. وفي سنة 2021، قام سعيّد بانقلاب ذاتي من خلال إقالة رئيس وزراء
البلاد وتعليق عمل البرلمان، متذرعًا بالأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد وفشل
الهيئة التشريعية التونسية في معالجتها بسبب الشلل السياسي.
ومنذ ذلك
الحين، عزز سعيّد سيطرته على النظام السياسي والمؤسسات الديمقراطية في البلاد. وفي
حزيران/ يونيو 2022، كشف النقاب عن دستور جديد يعيد النظام السياسي التونسي إلى حد
كبير إلى شكله الذي كان سائدًا قبل الربيع العربي عبر توسيع السلطات التنفيذية مع
تقليص السلطات البرلمانية، وهو ما تمت المصادقة عليه لاحقًا في استفتاء تموز/ يوليو
2022. وفي شباط/ فبراير 2022، أضعف سعيّد السلطة القضائية المستقلة في تونس من خلال
حل محكمة القضاء الأعلى.
وفي
حزيران/ يونيو 2022، منح نفسه صلاحية عزل القضاة وأقال 57 قاضيًا ومدعيًا عامًا
دفعة واحدة بزعم الفساد وعرقلة قضايا الإرهاب، واستعان بعد ذلك بالمحاكم العسكرية
لمحاكمة المعارضين. ولم يستلزم الاستفتاء على دستور تونس لسنة 2022 حدًا أدنى
لنسبة المشاركة في التصويت إذ لم يشارك في الاستفتاء سوى 30.5 بالمائة فقط من
الناخبين التونسيين.
وقبل سنة
2021، كانت القوات المسلحة التونسية هي المؤسسة العسكرية العربية الوحيدة التي لم
تتدخل في الشؤون السياسية أو الاقتصادية. ولكن بعد أن قام سعيّد بتسييس الجيش بشكل
متزايد وترقية بعض المسؤولين العسكريين إلى مناصب في الشؤون المدنية، خرج الجيش عن
حياده لدعم توطيد سعيّد للسلطة، ودعم حل البرلمان في انقلاب 2021 واستخدام المحاكم
العسكرية لقمع المعارضين.
وأضاف الموقع
أنه من المرجح أن يقوم سعيّد بإجراء إصلاحات دستورية إضافية لتمكينه من البقاء في
السلطة لفترة أطول، إذ يقترب سعيّد من نهاية ولايته الرئاسية الأولى. ولكن رغم
سيطرته المثيرة للجدل على السلطة في السنوات الأخيرة، فإن من المتوقع على نطاق واسع أن
يفوز بإعادة انتخابه لاحقًا هذه السنة. فقط أدت تحركاته لتوطيد السلطة وقمع
المعارضة إلى إضعاف وتفتيت المعارضة السياسية بشدة، ما تركه دون منافس جدي في
انتخابات 2024.
ووفقًا
للدستور التونسي لسنة 2022، فإنه لا يمكن لسعيّد أن يخدم سوى فترة ولاية أخرى مدتها خمس
سنوات، ومن غير المرجح أن يتم تغيير الدستور للسماح له بالبقاء في السلطة بعد سنة
2029 قبل الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 لتجنّب ردود الفعل السياسية، ولكن إذا فاز
بهامش كبير، فسيكون لديه تفويض معزز للسعي إلى إصلاحات دستورية للبقاء في السلطة
بعد نهاية ولايته الثانية. وهناك عدة طرق يمكن لسعيّد أن يحاول من خلالها القيام
بذلك.
وقد يدعي أن
ولايته الرئاسية الأولى تمت بموجب الدستور التونسي القديم وأن إصلاحات 2022 تعيد
ضبط الأمور، ما يسمح له بالخدمة لفترتين من بعدها، أو يدفع باتجاه إجراء
إصلاحات دستورية تعمل على تمديد مدة الولاية الرئاسية. لكن لا يرجح أن يدعو إلى
مثل هذه الإصلاحات لأن المادة 136 من دستور تونس لعام 2022 تحظر التعديلات التي
تغير حدود الولاية.
ووفقًا
لاستطلاع أجرته مؤسسة "تونيزيا متر" لاستطلاعات الرأي في نيسان/ أبريل
الماضي، فإن سعيّد يتصدر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات الرئاسية بنسبة 21.9 بالمائة
من الأصوات المحتملة، مع وجود عدد قليل من المنافسين المحتملين الذين تتراوح نسبة
أصواتهم جميعًا بين 3 و11 بالمائة. وتجرى الانتخابات الرئاسية في تونس على جولتين،
ولكن من المرجح أن تفشل المعارضة المنقسمة في البلاد في التوحد حول مرشح في الجولة
الثانية، ما سيؤدي إلى انقسام الأصوات لصالح سعيّد.
وإذا كان
هناك مسعى للإصلاح الدستوري، فإن من المرجح أن يستخدم سعيّد نفس قواعد اللعبة التي استخدمها
في سنة 2022، وأن يعلن أولاً عن مرسوم بحل البرلمان، ثم يقدم دستورًا جديدًا تمت
صياغته حديثًا مع تحديد فترات الرئاسة بفترات أطول. وقد يجري استفتاءً شعبيًا آخر
بعد فترة وجيزة لتحديد الوقت المتاح للأحزاب السياسية والنقابات العمالية لمراجعة
مسودة الدستور الجديد ونقده.
وأضاف الموقع
أن سعيّد قد يعيد إحياء مشروع القانون التونسي المقترح ضد التمويل الأجنبي، الذي
من شأنه أن يؤثر على المنظمات غير الحكومية. ومن المرجح أن يحظى هذا المسعى بقبول
بعض أنصاره والناخبين الإسلاميين الذين يعارضون التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية
التونسية. لكن المنتقدين أعربوا عن قلقهم من أن القانون لن يؤدي إلا إلى ترسيخ
انزلاق تونس نحو الاستبداد من خلال الحد من وصول منظمات المجتمع المدني إلى مصادر
التمويل الرئيسية، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى إضعاف عملياتها بشكل عام.
مع ذلك، فإن من
الصعب أن يسعى سعيّد إلى اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية ضد النقابات العمالية القوية
في البلاد خوفًا من إثارة اضطرابات واسعة النطاق. وفي حين أنه قد يسعى إلى زيادة
الحد من تأثير المنظمات غير الحكومية من خلال تطبيق قانون مكافحة التمويل الأجنبي،
فإنه سيتجنب اتخاذ إجراءات كبيرة تستهدف مباشرة النقابات العمالية في البلاد،
والتي من شأنها أن تحمل مخاطر أكبر بكثير من إثارة المظاهرات والغضب الجماهيري.
والواقع أن لتونس تاريخا من الاضطرابات السياسية وأعمال الشغب حيث تُعرف البلاد
بأنها مهد حركة احتجاجات الربيع العربي بعد أن أصبحت أول دولة في المنطقة تطيح
بحكومتها الاستبدادية في كانون الثاني/ يناير 2011.
وفي حين عزز
سعيّد سيطرته على البلاد بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، فإنه حرص حتى الآن على تجنب
المزيد من التحركات التصعيدية التي من شأنها أن تخاطر بتعبئة واسعة النطاق، لا
سيما في أوساط النقابات العمالية. وعلى الرغم من أن السلطات التونسية اعتقلت بعض
قادة النقابات تحت قيادة سعيّد، إلا أن الرئيس لم يتخذ إجراءات من شأنها أن تنتهك
قدرة الاتحاد العام التونسي للشغل على تنظيم الإضرابات خوفًا من تنفير أكبر نقابة
في البلاد والتسبب في إضرابات كبيرة على مستوى البلاد. وفي حالة حصوله على ولاية
أخرى، فإن من المحتمل أن تستمر هذه المخاوف في ردع سعيّد عن اتخاذ إجراءات أكثر
عدوانية ضد الاتحاد العام التونسي للشغل.
مع ذلك، فإن
استمرار نفوذ الاتحاد العام التونسي للشغل سيحد من قدرة سعيّد على تنفيذ إصلاحات
اقتصادية جوهرية، ما يجبر حكومته على الاعتماد على مصادر تمويل أجنبية غير
مستدامة لدعم الاقتصاد التونسي المتعثر. وقد حالت معارضة الاتحاد العام التونسي
للشغل حتى الآن دون قيام سعيّد بالإصلاحات اللازمة لتحسين المشهد الاقتصادي في
تونس، مثل خفض الإنفاق المرتفع للقطاع العام، وخاصة على الرواتب.
لذلك فإنها ستستمر
المشاكل التي تقف وراء الأزمة الاقتصادية في تونس خلال ولاية سعيّد القادمة،
وسيستمر أيضًا توجهه نحو الاستبداد والانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في تنفير
مصادر التمويل الأجنبي، بما في ذلك بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ورغم
كبح الهجرة من خلال صفقات الاتحاد الأوروبي فإنه قد وفر لتونس بعض الأموال لدعم
اقتصادها، إلا أن الاعتماد على مصادر التمويل هذه قد يشكل خطرًا اقتصاديًا على
المدى الطويل. فقد تتحول أنماط الهجرة بعيدًا عن البحر الأبيض المتوسط، ما يقلل
من نفوذ تونس في التعامل مع الاتحاد الأوروبي.
كما أن
مناشدات سعيّد للشعبوية التونسية، بما في ذلك تبني خطاب معادٍ للسود أحيانًا،
سيجعل بعض الحكومات أكثر ترددًا في الشراكة مع تونس. وإذا تفاقم الوضع الاقتصادي
في تونس وتفاقم التضخم، فقد يهدد ذلك في النهاية قبضة سعيد على السلطة. وقد تحفز
أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة أجزاء من المجتمع التونسي للتحرك ضد سعيّد.