شهدت الانتخابات الأوروبية صعود تيار اليمين
المتطرف في عدد من الدول، محدثة زلزالا سياسيا في
فرنسا، لكن من دون الإخلال بالتوازن
السياسي في بروكسل.
وتؤكد المعطيات الأولية إحراز الأحزاب اليمينية
القومية والمتطرفة مكاسب هامة، وانتكاسة مريرة لزعيمي القوتين الرئيسيتين في الاتحاد
الأوروبي، المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن
حلّ الجمعية الفرنسية ودعا إلى انتخابات تشريعية في 30 حزيران/ يونيو.
وجرت الانتخابات التي دُعي إليها أكثر من
360 مليون ناخب لاختيار 720 عضوا في
البرلمان الأوروبي، منذ الخميس في مناخ مثقل بالوضع
الاقتصادي القاتم والحرب في أوكرانيا، فيما يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات استراتيجية
من الصين والولايات المتحدة.
في فرنسا، تصدر حزب التجمع الوطني بقيادة
جوردان بارديلا النتائج بنسبة تزيد على الـ31.5 بالمئة من الأصوات، متقدما بفارق كبير
على حزب النهضة الذي يتزعمه الرئيس ماكرون (15.2 بالمئة)، بحسب تقديرات معاهد الاستطلاع.
وبذلك سيحصل حزب الجبهة الوطنية على 31 من أصل 81 مقعدا فرنسيا في البرلمان الأوروبي.
في ألمانيا، ورغم الفضائح الأخيرة التي
طالت رئيس قائمته، احتل حزب البديل من أجل ألمانيا
اليميني المتطرف المركز الثاني بنسبة
16.5 بالمئة إلى 16 بالمئة من الأصوات، خلف المحافظين (29.5 إلى 30 بالمئة)، لكنه تقدم
بفارق كبير على حزبي الائتلاف الحاكم، الاشتراكيين الديمقراطيين (14 بالمئة) والخضر
(12 بالمئة).
في إيطاليا، تصدّر حزب "إخوة إيطاليا"
اليميني المتطرف الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، النتائج بنسبة
25 إلى 31 بالمئة من الأصوات، وفق استطلاعات رأي مختلفة.
أيضا في النمسا، حصل "حزب الحرية"
اليميني المتطرف على 25.7 بالمئة من الأصوات.
وعزز الهولنديون الذين كانوا أول من أدلوا
بأصواتهم الخميس، موقف حزب خِيرت فيلدرز اليميني المتطرف.
وفي إسبانيا، أظهرت النتائج الرسمية حصول
الحزب الشعبي اليميني، التشكيل الرئيسي للمعارضة الإسبانية، على 22 مقعدا في البرلمان
الأوروبي مقابل 20 للاشتراكيين بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وحقق حزب فوكس اليميني
المتطرف تقدما بحصوله على 6 مقاعد.
أما في بولندا، فقد تقدم الحزب الوسطي المؤيد
لأوروبا بزعامة رئيس الوزراء دونالد تاسك على حزب القانون والعدالة القومي الشعبوي،
لكن الأخير حافظ على قسم هام من الأصوات، كما أن اليمين المتطرف المتمثل في حزب كونفيديراجا
لن يحصل على أقل من 6 مقاعد في البرلمان الأوروبي ومقره في مدينة ستراسبورغ الفرنسية.
لكن اليمين المتطرف منقسم في البرلمان الأوروبي
إلى كتلتين لا يزال تقاربهما غير مؤكد بسبب خلافات كبيرة بينهما، خاصة في ما يتعلق
بروسيا.
"لا يمكن جمعها"
يرى سيباستيان ميلار من معهد جاك ديلور
في تصريح لوكالة "فرانس برس" أن "أصوات اليمين المتطرف واليمين السيادي
لا يمكن جمعها معا، وهذا سيحد من وزنهما المباشر في المجلس التشريعي".
ويضيف أن صعود اليمين المتطرف "الواضح
خصوصا في فرنسا، سيؤثّر حتما على المناخ السياسي الذي تعمل فيه المفوضية، وسيتعين على
الغالبية أن تأخذ ذلك في الاعتبار".
ويحذر المحلل قائلا: "في حال الفشل
في التأثير بشكل مباشر، فسيكون اليمين المتطرف قادرا على التأثير بشكل خبيث".
وبينما يتبنى أعضاء البرلمان الأوروبي تشريعات
بالتنسيق مع الدول الأعضاء، فإنه يمكن لليمين المتطرف أن يجعل صوته مسموعا في القضايا الحاسمة:
الدفاع ضد روسيا التوسعية، والسياسة الزراعية، والهجرة، والهدف المناخي لعام 2040،
ومواصلة التدابير البيئية التي يرفضونها بشدة.
تبقى الغالبية مشكّلة من أحزاب "الائتلاف
الكبير" الوسطي الذي يضم اليمين (حزب الشعب الأوروبي)، والاشتراكيين الديمقراطيين،
والليبراليين (التجديد)، والذي تحصل عادة في إطاره التسويات في البرلمان الأوروبي.
ووفق التقديرات التي نشرها البرلمان الأوروبي،
الأحد، فإن حزب الشعب الأوروبي سيحصل على 181 مقعدا، وحزب "الديمقراطيون الاشتراكيون" على 135 مقعدا، وحزب "تجديد أوروبا" على 82 مقعدا؛ أي 398 من إجمالي 720 مقعدا.
ومن المتوقع أن ينخفض عدد مقاعد الخضر إلى
53 مقعدا (مقارنة بأكثر من 70 حاليا).
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا
فون دير لايين، الأحد، أن "حزب الشعب الأوروبي هو أقوى مجموعة سياسية (...) وهذا
مهم، سنبني حصنا ضد متطرفي اليسار واليمين، وسنوقفهم".
وفون دير لايين مرشحة لشغل المنصب مجددا،
ويتعين عليها الحصول على موافقة زعماء الدول الأعضاء ثم غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي
- الذين منحوها ثقتهم في عام 2019 بغالبية ضئيلة للغاية (تسعة أصوات).
"مستعدون للتفاوض"
كانت رئيسة المفوضية الأوربية قد توددت
إلى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وحزبها، وقالت إنها ترى فيها شريكا مناسبا
مؤيدا لأوروبا ومؤيدا لأوكرانيا، ما أثار استياء الليبراليين والاشتراكيين وكذلك الخضر.
في هذا الصدد، قال رئيس كتلة الخضر في البرلمان
الأوروبي باس إيكهوت: "هل سندعم أورسولا فون دير لايين؟ من السابق لأوانه الحسم.
من الواضح جدا أننا مستعدون للتفاوض"، لكن بشرط استبعاد أي تقارب مع ميلوني.
وشدد أن توسيع الميثاق الأخضر "عنصر
مهم للغاية" في برنامج المفوضية المستقبلي، رغم أن حزب الشعب الأوروبي متردد جدا
في هذا الشأن.
وأكدت ميلوني التي ترأست قائمة حزبها في
هذه الانتخابات، أنها تريد "الدفاع عن الحدود بوجه الهجرة غير النظامية، وحماية
الاقتصاد الفعلي، ومكافحة المنافسة غير النزيهة".
كما أن انقسامات اليمين المتطرف حول الموقف
الذي يجب تبنيه تجاه موسكو يمكن أن يؤدي إلى تعقيد المفاوضات في الاتحاد الأوروبي في
وقت تسعى فيه الدول الأعضاء إلى تعزيز صناعتها الدفاعية بينما تواجه صعوبات في توفير
التمويلات اللازمة.
وشدّدت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن،
بعد يومين من تعرضها لاعتداء في كوبنهاغن، على أن "المخاطر كبيرة"، مشيرة
خصوصا إلى "السلامة والأمن في ظل الحرب في أوروبا" و"تغير المناخ"
و"الضغط على حدود أوروبا" و"التغير المناخي" وتأثير "عمالقة
التكنولوجيا".