حققت تقنيات
الذكاء الاصطناعي الكثير من التغيرات في الحياة اليومية
للبشر، وتحولت الكثير من طرق الخدمات الحكومية وأساليب عمل القطاعات مثل الطب
والتعليم، إلى أشكال مختلفة تبعا لتلك التقنيات.
وطرح المحلل الاستراتيجي الأمريكي هال براندز، عددا
من الأسئلة الجوهرية، منها: هل سيكون الذكاء الاصطناعي ثوريا؟ وهل سيغير ميزان القوة
العالمي؟ وهل سيسمح للأنظمة المستبدة بحكم العالم؟ وهل سيجعل الحرب أسرع وأشد ضراوة
وخارجة عن السيطرة؟ باختصار هل سيغير الذكاء الاصطناعي إيقاع تطورات الشؤون
العالمية؟
وقال براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر في مدرسة
الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، إن "الذكاء الاصطناعي
سيجعل الصراعات أشد تدميرا وأصعب في الاحتواء، ويطرح المحللون تصورا لمستقبل
تستطيع فيه الآلة قيادة الطائرات المقاتلة أفضل من الإنسان وتستطيع الهجمات
الإلكترونية الآلية تدمير شبكات معلومات العدو وتؤدي الخوارزميات المتقدمة القوية
إلى تسريع عمليات اتخاذ القرار العسكري".
"ويحذر البعض من أن عملية اتخاذ القرار
بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد سريع بما في ذلك التصعيد
النووي بصورة تجعل صناع القرار أنفسهم مندهشين مما حدث"، كما قال.
وأشار إلى أنه "إذا كانت خطط الحرب وجداول تسيير
القطارات سببا في الحرب العالمية الأولى فقد يصبح الذكاء الاصطناعي سببا في الحرب
العالمية الثالثة".
الذكاء الاصطناعي سيغير الحرب بالطبع، بدءا من
اتاحة الصيانة الاستباقية للمعدات وحتى زيادة دقة الاستهداف بصورة مذهلة. وقد
توصلت لجنة الأمن القومي المعنية بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة عام 2021،
إلى أن العالم سيعيش حقبة جديدة من الصراع يهيمن عليها الجانب الذي يتقن طرقا جديدة للحرب.
ورغم ذلك فإن تاريخ
الحروب عبر العصور يقول إن
الابتكارات تجعل الحروب أسرع وأشد ضراوة، لكنها لا تجعل التصعيد خارجا عن السيطرة.
وقد ناقشت الولايات المتحدة والصين ضرورة ألا تكون عمليات القيادة والسيطرة على
الترسانة النووية لدى البلدين خاضعة للأنظمة الآلية.
وحذر محللون من أن الذكاء الاصطناعي سيقلل
تكلفة الاستبداد ويزيد من عائده، فأجهزة الاستخبارات في الدول المستبدة التي تمتلك
أجهزة ذكاء اصطناعي قوية لن تحتاج إلى قوة بشرية كبيرة لجمع وتحليل كميات ضخمة من
البيانات عن شعوبها بما يتيح لها على سبيل المثال رسم خرائط دقيقة لشبكات
الاحتجاجات وتفكيكها.
كما أنه يمكنها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في
التعرف على ملامح الوجه في مراقبة مواطنيها والسيطرة عليهم. وكذلك يمكنها استخدام
التكنولوجيا في اختلاق مواد مزيفة ونشرها بهدف تشويه سمعة معارضيها.
ويرى باحثون أن الذكاء الاصطناعي سيظل لعبة
الدول الغنية، فتطوير تقنيات ذكاء اصطناعي بالغة التقدم عملية باهظة التكلفة،
فتدريب نماذج اللغة الضخمة يحتاج إلى استثمارات هائلة وأعداد كبيرة من العلماء
والمهندسين البارعين، وكميات مهولة من الكهرباء. وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة
البنية التحتية التي تدعم منصة المحادثة الآلية “بنغ إيه آي” التابعة لإمبراطورية
البرمجيات والتكنولوجيا الأمريكية "مايكروسوفت" تبلغ 4 مليارات دولار. معنى هذا أنه
يمكن لأي شخص تقريبا أن يكون من مستخدمي الذكاء الاصطناعي، لكن لكي يكون منتجا له
فهو يحتاج إلى موارد وفيرة.
ولهذا فإن الدول متوسطة القوة الغنية تستطيع أن
تحقق تقدما كبيرا في هذا المجال، كما أن الولايات المتحدة بما لديها من شركات
تكنولوجيا عملاقة ما زالت هي الرائدة فيه.