شدد ثلاثة باحثين أمريكيين على أن هجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على دولة الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وما تبعه من عدوان على قطاع
غزة "شكل لحظة فارقة ليس لإسرائيل وحدها، بل للعالم العربي برمته"، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة تخسر المنطقة العربية لصالح
الصين.
وأوضح الباحثون الثلاثة، مايكل روبينز وأماني جمال ومارك تيسلر، في تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، أن "هجوم حماس على إسرائيل وقع في وقت بدأ فيه نظام جديد بالتشكل في المنطقة، عندما شرعت 4 دول عربية، هي البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة، في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل قبل 3 سنوات".
وأضافوا أن "هجوم حماس والعملية العسكرية الإسرائيلية المدمرة التي أعقبت ذلك في قطاع غزة، تسببت في تراجع زخم التطبيع، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية أنها لن تمضي قدما في أي اتفاق للتطبيع ما لم تتخذ إسرائيل خطوات واضحة لتسهيل إقامة دولة
فلسطينية".
ولفت الباحثون في شبكة "الباروميتر العربي" البحثية، إلى أن أحداث السابع من أكتوبر "قد تمثل نقطة فاصلة للولايات المتحدة أيضا، ذلك لأن الرأي العام العربي قد انقلب بشكل حاد على إسرائيل أوثق حلفائها في المنطقة، بسبب الحرب التي تشنها على قطاع غزة"، موضحين أن "هذا التطور من شأنه أن يربك الجهود الأمريكية ليس للمساعدة في حل الأزمة بالقطاع الفلسطيني فحسب، إنما في احتواء إيران أيضا، والتصدي للنفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط".
وذكر الكُتاب الثلاثة أن شبكة "الباروميتر العربي" التي يديرونها هم أنفسهم -وهي منظمة بحثية محايدة- ظلت منذ عام 2006 تجري استطلاعات رأي نصف سنوية على المستوى الوطني في 16 دولة عربية، للوقوف على آراء المواطنين العاديين في منطقة لا تُنظَّم فيها سوى القليل من استطلاعات الرأي.
وأشاروا إلى أن استطلاعات الرأي التي أجرتها الشبكة البحثية التي يعملون فيها، في 5 دول في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024 تظهر أن مكانة الولايات المتحدة بين المواطنين العرب قد تراجعت بشكل كبير.
وقد أشار استطلاع أُجري في تونس جزء منه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول وجزء آخر بعده، إلى أن هذا التحول حدث ردا على أحداث غزة. وشدد الباحثون على أنه "لعل المفاجأة الكبرى هي أن الاستطلاعات أوضحت أن خسارة الولايات المتحدة للرأي العام العربي كانت مكسبا للصين. فقد تحسنت وجهات نظر المواطنين العرب تجاه الصين في استطلاعات الباروميتر العربي الأخيرة، على عكس ما كان سائدا طوال نصف عقد من الزمن من ضعف التأييد لبكين في
العالم العربي".
وبحسب توقعات الباحثين، فإن صناع السياسة الأمريكية سوف يعملون في الأشهر والسنوات المقبلة، على إنهاء الصراع في غزة وبدء مفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأشار الباحثون إلى أن الولايات المتحدة تسعى كذلك لصون الاقتصاد الدولي من خلال حماية البحر الأحمر من هجمات "وكلاء إيران" في إشارة إلى جماعة الحوثي اليمنية، وترسيخ تحالف إقليمي يحتوي إيران ويحد من التدخل الصيني في المنطقة. ولكي يتسنى لواشنطن تحقيق أي من هذه الأهداف، فإنها تحتاج إلى شراكة الدول العربية، وهو أمر سيتعذر عليها نيله إذا ظلت الشعوب العربية مرتابة من الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط، بحسب تحليل المجلة.
ولفتو إلى أن العديد من المحللين والسياسيين الأمريكيين، في المقابل، كثيرا ما أشاروا إلى أنه لا ينبغي إيلاء الشارع العربي" أهمية كبيرة في السياسة الخارجية، موضحين أن القادة العرب "المستبدين" لا يكترثون كثيرا بالرأي العام في بلدانهم.
وبرأي الباحثين الثلاثة استنادا إلى هذه الحجة، يشدد هؤلاء المحللون والسياسيون على أنه يتوجب على صُنّاع السياسة الأمريكية إعطاء الأولوية لعقد صفقات مع أصحاب النفوذ على كسب قلوب وعقول المواطنين العرب. ومع ذلك فإن الباحثين الثلاثة يرون أن الفكرة القائلة إن القادة العرب ليسوا مقيدين بالرأي العام، لا تعدو أن تكون مجرد "وهم".
واستدل الباحثون الثلاثة بانتفاضات الربيع العربي، التي أطاحت بالحكومات في 4 دول عربية، وبالاحتجاجات الواسعة النطاق في عام 2019 التي أدت إلى تغييرات في قيادات 4 بلدان عربية أخرى. وأضافوا أنه من الممكن أيضا أن تكون لغضب المواطنين العرب من السياسة الخارجية الأمريكية عواقب مباشرة وخطيرة على الولايات المتحدة. وأفادوا بأن الأبحاث السابقة المستندة إلى بيانات من استطلاعات الرأي التي أجرتها شبكتهم في الجزائر والأردن، أظهرت أن الغضب من السياسة الخارجية الأمريكية قد يدفع المواطنين العرب إلى التعاطف مع الأعمال “الإرهابية” الموجهة ضد الولايات المتحدة.
وشددا على أنه لطالما اعتبر العرب أن الولايات المتحدة تعمل على تأمين مصالحها ومصالح القادة العرب المتحالفين معها قبل مصالح المواطنين العاديين، حتى في الوقت الذي يسعى فيه المواطنون العرب إلى دعم أكبر لجهود التحول الديمقراطي ومكافحة الفساد.
وختموا حديثهم في التحليل الذي نشرته المجلة الأمريكية، بالإشارة إلى أن مخاطر الفشل في معالجة تراجع الدعم العربي للولايات المتحدة تتجاوز غزة، "فمن دون حدوث تحول كبير" في الدعم الأمريكي لحرب الاحتلال الإسرائيلي، ومن دون إجراء تغييرات ذكية في سياسة واشنطن للحد من تنامي العداء العربي لأمريكا على المدى الطويل، فإن جهات فاعلة أخرى، بما فيها الصين، ستواصل محاولة إزاحة الولايات المتحدة من دورها القيادي في الشرق الأوسط.