نشر موقع "
بلومبيرغ" الأمريكي، تقريرًا، تحدّث فيه عن موجة الحر المبكرة التي شهدتها مصر في نيسان/ أبريل 2024 والتي تُعَد إنذارًا قاتمًا للاقتصادات وتجارة العالم، ذلك أن مصر بمثابة مؤشر للتغير المناخي، وهذه الموجة المبكرة للحر تُنذِر باحتمال حدوث حالات جوية متطرفة في أجزاء أخرى من العالم خلال الصيف القادم، التي قد تؤثر بدورها على إنتاجية وتجارة السلع والخدمات في الاقتصادات الرئيسية، ما قد يسبب اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية.
وقال الموقع، خلال
تقرير ترجمته "عربي21"، إن درجات الحرارة في ذلك اليوم من شهر نيسان/ أبريل بلغت في مصر 41 درجة مئوية في الخارج و46 درجة مئوية في الشمس. في حين شهد الكوكب حتى الآن 12 شهرًا متتاليًا من الحرارة غير المسبوقة، فإن الانحباس الحراري العالمي يمثل مشكلة خطيرة بالأخص بالنسبة لمصر، الدولة الصحراوية التي ترتفع حرارتها بواحد من أسرع المعدلات في العالم.
ويشعر الخبراء في هيئة الأرصاد الجوية المصرية بالقلق من أن يكون هذا الصيف أكثر قسوة من السنة الماضية، مما سيؤدي إلى اضطراب السلع والزراعة وتعطّل الحياة اليومية.
إلى ذلك، اضطرت إدارة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى استيراد أعلى واردات من الغاز الطبيعي المسال منذ سنة 2018، لمواكبة ارتفاع الطلب على الكهرباء نتيجة مكيفات الهواء. وقد أدى انخفاض إنتاجية محصول القمح بسبب
نقص المياه والحرارة إلى زيادة الاعتماد على واردات الحبوب، الضرورية لإطعام سكان مصر.
وأضاف الموقع، أن الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي يؤثر بشكل حاد على الإنتاجية. إذ تتوقف أجهزة الحواسيب عن العمل أثناء الاجتماعات، وعندما يتم الإعلان عن انقطاع التيار الكهربائي مسبقًا، يهرع رواد المكاتب إلى منازلهم مبكرًا لتجنّب أن يعلقوا في المصاعد، وهو ما تقول تقارير وسائل الإعلام المحلية أنه تسبب في وقوع عدد من الحوادث المميتة.
يقدّم الوضع في مصر لمحةً عما ينتظر الاقتصادات في جميع أنحاء العالم خلال الصيف المقبل وكذلك في المستقبل. عانت
دبي بالفعل من آثار الطقس القاسي بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في غرق المنازل والطرقات لأيام. وعانت عاصمة التكنولوجيا في الهند، بنغالور، من نقص المياه. ومع وصول الطقس الحار إلى أوروبا والأمريكتين، ستشعر دول أخرى بآلامها الخاصة.
تخشى عالمة الأرصاد الجوية بالقاهرة أميرة ناصر، وهي التي تحضر رسالة الدكتوراه عن موجات الحر، من تداعيات أخرى محتملة في مصر. وهي تقول إن أحد المخاوف هو بدء حدوث الوفيات بسبب الحرارة، وأنه رغم عدم وصول درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، فإن هناك حاجة إلى الاستعداد ووضع خطط طوارئ كما هو الحال بالنسبة للفيضانات.
كذلك، أشار
الموقع إلى أن معاناة مصر شديدة بشكل خاص بسبب خصائصها الجغرافية كبلد صحراوي ذي موارد مائية محدودة، وهذا ما يجعل درجة حرارتها ترتفع بضعف المعدل في بقية أنحاء الكوكب، مما يوضح تأثير الحرارة الشديدة ويسلط الضوء على أهمية التنبؤ الدقيق بالظواهر الجوية المتطرفة بالنسبة لصانعي السياسات والأعمال. وبالفعل، يتوقع الخبراء الاقتصاديون والمتخصصون في مجال المناخ ارتفاعًا شديدًا في درجات الحرارة هذا الصيف في أجزاء كثيرة من العالم.
على وجه الخصوص، لا تزال درجات حرارة أجزاء كبيرة من شمال المحيط الأطلسي أعلى بكثير من درجات الحرارة المعتادة، الأمر الذي قد يغذّي استمرار الطقس الحار في أوروبا. وهذا يعني ارتفاع الطلب على الطاقة للتبريد، وارتفاع خطر حرائق الغابات في اليونان وإسبانيا. وقد تؤدي العواصف المطرية الصيفية الغزيرة إلى خطر حدوث فيضانات مفاجئة وتعطيل الزراعة، وهناك أيضًا الخسائر البشرية.
وحسب كارلو بونتيمبو، وهو مدير خدمة كوبرنيكوس للتغيرات المناخية في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى، فقد شهدت السنوات العشرون الماضية ارتفاعًا في معدل الوفيات المرتبطة بالحرارة في أوروبا بنسبة 30 بالمئة.
وأضاف
الموقع أن المغرب والمكسيك يواجهان موجات جفاف، بينما تواجه كاليفورنيا وجنوب غرب الولايات المتحدة موجات حر. وفي تايلاند، توفي بالفعل عدد من الأشخاص بسبب الحرارة هذه السنة أكثر من سنة 2023 بأكملها. ويتوقّع الخبراء موسمًا نشطًا جدًا للأعاصير المدارية في الولايات المتحدة.
أما في مصر، فإن صيفاً آخر من الانقطاعات الضخمة للتيار الكهربائي سيزيد من الضغط على ميزانية الدولة وعلى السكان الذين يعانون بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع أسعار الوقود المحلية.
ويخشى مسؤولو المناخ من تضرّر بعض المحاصيل في مصر هذه السنة. فقد دُمّر محصول البرتقال تقريبًا السنة الماضية ولم يتمكن المزارعون من تصدير الكثير منه. كما تشير التقديرات إلى أن محصول المانجو قد انخفض ما بين 14.6 إلى 50.5 بالمائة، بينما انخفض محصول الذرة في جنوب مصر أيضًا بنسبة 30-40 بالمائة وفقًا لهيئة الأرصاد الجوية.
كما تأثرت مناطق العطلات أيضًا، فقد سجلت أسوان، المدينة ذات الآثار الفرعونية وواحدة من الوجهات السياحية الأكثر شعبية في البلاد، أعلى درجة حرارة على الإطلاق حيث بلغت 49.6 درجة مئوية في الظل في 6 حزيران/ يونيو.
وأضاف
الموقع أن البلاد تتمتع بأحد أقدم التقاليد في العالم في مراقبة درجة الحرارة. ففي سنة 1829، بدأت في قياس درجة الحرارة خمس مرات في اليوم بالتزامن مع أوقات الصلوات الخمس في غرفة واحدة في مدرسة المهندسين. ويعرض متحف قسم الأرصاد الجوية أدوات قياس الطقس التي استخدمها المصريون القدماء.
وفي هذه الأيام، يتواصل خبراء الأرصاد الجوية باستمرار مع الوزارات من الطيران والزراعة إلى الملاحة والطاقة، وهم يقدمون التنبؤات الضرورية لكل شيء من التخطيط الحضري إلى الاستيراد، ويسعون إلى التخفيف من تأثير الطقس القاسي الذي تسبب في إتلاف محصول القمح المصري سنة 2010، وتسبب في تسجيل العشرات من الوفيات المرتبطة بالحرارة بعد خمس سنوات؛ وأغرق المنازل وقطع الكهرباء والطرق في إحدى ضواحي القاهرة الراقية في سنة 2018.
يُنظّم الكثير من المصريين حياتهم اليومية الآن اعتمادًا على توقعات الوكالة. ففي القاهرة، لا تملك سلوى عبد العظيم (49 سنة) مكيف هواء في القاهرة لذا تتفقد باستمرار صفحة هيئة الأرصاد الجوية على فيسبوك للتخطيط لموجات الحر، وتخزين المياه في عبوات للشرب وتبريد الرأس ومؤخرة الرقبة عند انقطاع التيار الكهربائي. وتحاول أسرتها إنجاز كل شيء قبل انقطاع الكهرباء، فتنهي مذاكرتها وأعمالها المنزلية وشحن المصباح، وعليها أن تطهو الطعام في الصباح الباكر جداً قبل الانطلاق إلى العمل.
وأكّد الموقع أن
التغير المناخي يجعل العديد من المدن على مستوى العالم شديدة الحرارة بشكل خطير بسبب "تأثير الجزر الحرارية الحضرية" الذي يحدث بسبب المباني والإنشاءات الكثيفة التي تحبس الحرارة. وهذه مشكلة خاصة بالنسبة لمدن مثل القاهرة الكبرى التي يتجاوز عدد سكانها 20 مليون نسمة.