قالت مجلة "ناشونال أنتريست" في تقرير لها، إن المساعد السابق لوزير الدفاع الأمريكي في عهد بيل كلينتون، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، جوزيف ناي، استفسر بالقول: هل انتهى عصر
القوة الناعمة في عالم يشهد حروباً في أوكرانيا وغزة؟
وأوضح ناي، أنه "منذ ثلاثين عاما، مع نهاية الاتحاد السوفييتي، والتكامل المتزايد في أوروبا، ولحظة القطب الواحد بالنسبة لأمريكا، بدت احتمالات اندلاع حرب بين الدول ضئيلة"، مضيفا أن "بعض المراقبين رأى أن عصر القوة الخشنة يتضاءل، وأن العالم يدخل عصر القوة الناعمة، فيما اتضح أن هذا تصور خاطئ".
وتابع ناي، بحسب التقرير نفسه، أنه "لكن لم تكن هذه وجهة نظري على الإطلاق، فقد قمت بصياغة مفهوم القوة الناعمة أثناء الحرب الباردة، ورأيت أنها مناسبة للواقعية وللصراع وللسلام أيضا"، مردفا أن "القوة الناعمة هي القدرة على التأثير على الآخرين من خلال الجذب وليس القسر أو دفع مقابل، وهي مناسبة في الحرب والسلام".
وأشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، إلى أنه "في حرب السنوات السبع في القرن الثامن عشر، انسحبت روسيا من التحالف الذي تم تكوينه ضد بروسيا لأن القيصر بيتر الثالث كان معجبا بالملك البروسي فريدريك العظيم. ومع ذلك، فإنه عادة ما تكون تأثيرات القوة الناعمة بطيئة وغير مباشرة؛ وهي ليست المصدر الأهم للقوة بالنسبة للسياسة الخارجية في المدى القصير".
إلى ذلك، أكّد ناي، أنه "مع ذلك، فإن تجاهل وإهمال القوة الناعمة خطأ إستراتيجي وتحليلي. وإن القوة الناعمة ليست جديدة. إذ أن القوة الرومانية اعتمدت، في جانب منها، على جاذبية ثقافتها".
وأبرز ناي، أن "الزعيم الصيني الراحل، ماو تسي تونغ، ربما كان على حق بأن القوة تأتي من السلاح، لكن القوة أيضا تستمد من القيم. فعلى المدى القصير، تكون السيوف أقوى من الكلمات، ولكن على المدى الطويل، تكون الكلمات هي مرشدة السيوف".
"إذا استطعت أن أجعلك تريد عمل ما أريده، حينئذ، لست مضطرا إلى إرغامك على عمل ما لا تريد عمله. فإذا كانت دولة تمثل قيما يجدها الآخرون جذابة، فإنها لن تحتاج كثيراً للجوء للثواب والعقاب. وأحيانا تتناقض القوة الخشنة مع القوة الناعمة، لكن عندما يتم الدمج بينهما بذكاء تكون الجاذبية قوة مضاعفة" تابع ناي، بحسب التقرير ذاته.
واسترسل: "قد استغل الرئيس زيلينسكي مواهبه كممثل لاجتذاب التعاطف من البرلمانات الغربية، والذي يمكن أن يتحول إلى ميزانيات لشراء الأسلحة التي زادت من قوة أوكرانيا الخشنة".
ومضى بالقول: "قال لي أوروبي بارز، مؤخرا، إنه اعتاد الشعور بالقلق بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية في ما يتعلق بوجود تراجع في قوتنا الخشنة. وقال الآن إنه أكثر قلقا بخصوص إضعاف السياسة الداخلية الأمريكية للقوة الناعمة التي تعتمد عليها سياستها الخارجية، والقوة الناعمة هي مجرد وجه واحد لعملة القوة، ولكنها تظل مناسبة لأي تحليل واقعي لسياسات العالم".
وفي السياق نفسه، أشار إلى أن القوة الناعمة جزء لا يتجزأ من صراع القوى الكبرى بين الولايات المتحدة والصين. ففي عام 2007، قال الرئيس هو جنتاو، خلال المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني: "إن الصين في حاجة إلى زيادة قوتها الناعمة، وأنفقت الحكومة الصينية عشرات المليارات من الدولارات لتحقيق ذلك الهدف، لكن الاستطلاعات الدولية تسجل نتائج مختلطة".
وأوضح: "في حقيقة الأمر تواجه الصين عقبتين رئيسيتين من الصعب التغلب عليهما. أولهما نزاعاتها الإقليمية مع عدد من الدول الآسيوية المجاورة لها، وما تسفر عنه من خلافات. والعقبة الثانية هي سيطرة حزبها الشيوعي الصارمة على كل المنظمات والآراء في مجتمعها المدني. وهذا يقلل من جاذبيتها لدى الدول الديمقراطية"، مضيفا أنه "على خلاف ركائز القوة الخشنة، مثل الجنود، والدبابات، والطائرات، يتم بناء احتياطي القوة الناعمة لأي دولة من خلال المجتمع المدني، وليس الحكومات".
وفي التقرير نفسه، تمت الإشارة إلى أن "كثيرا من القوة الناعمة الأمريكية مصدرها أفلام هوليوود، حيث شخصيات نسائية مستقلة، ومحتجون يتظاهرون من أجل حقوقهم، وأعمال صحافة حرة متنوعة. وهناك آخرون تجذبهم الأعمال الخيرية للمؤسسات الأمريكية وحرية البحث في الجامعات الأمريكية"، مضيفا أنه "تحقق الشركات، والمؤسسات، والكنائس، وحركات الاحتجاج قوة ناعمة خاصة بها يمكن أن تعزز وجهات نظر الأجانب بالنسبة للبلاد".