منذ نحو أسبوعين، رفع "
حزب الله" مستوى هجماته العسكرية
على شمالي
إسرائيل، ثم زاد تصاعد هذه الهجمات من حيث العدد والمواقع المستهدفة
بعيد خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تحدث فيه بالتفصيل عن مراحل وقف إطلاق
النار.
يجب التوقف هنا عند مسألة التوقيت، جاء حديث بايدن عن تفاصيل وقف
إطلاق النار، مع دخول مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحركة "حماس"
والوسيطين المصري والقطري مراحلها الأخيرة، وإن كان مصير جميع الجولات قد كتب عليها
الفشل بسبب تعنت إسرائيل وتملصاتها.
لكن هذا التملص لا يلغي أن المفاوضات قطعت أشواطا كبيرة على المستوى
النظري، وبدأ الحديث في جولاتها الأخيرة عن تراتب الخطوات العملية لهذه الهدنة.
في هذا السياق، وفي سياق تكثيف إسرائيل هجماتها وقصفها العسكري في
القطاع، جاء خطاب بايدن.
يتعرض نتنياهو لضغط شعبي هائل من سكان الشمال الذين نزحوا عن مناطقهم، ويطالبون الحكومة بإنهاء الحرب للعودة إلى منازلهم، وفي حال فتحت جبهة الشمال، فإن عمليات النزوح من منطقة الجليل الكبرى ستكون كبيرة جدا.
والملفت للانتباه أن إسرائيل زادت من وتيرة عنفها بعد هذا الخطاب،
كما فعل "حزب الله" تماما، ما يطرح سؤالا رئيسيا، هل هذا
التصعيد من
الجانبين رسالة إلى الولايات المتحدة بأنهما غير معنيين بوقف إطلاق النار؟ يصدق
هذا الأمر على إسرائيل، لكن لا يصدق على "حزب الله"، لأن السبب الوحيد
لدخوله الحرب هو تخفيف العبء على غزة أولا، ودفع إسرائيل إلى وقف حربها على
القطاع ثانيا.
وفي ضوء ذلك، يُستكمل السؤال السابق بشقه الثاني، هل هذا التصعيد هو
وسيلة ضغط من "حزب الله" على إسرائيل للقبول باتفاق وقف إطلاق النار؟
ووسيلة ضغط إسرائيلية على حركة "حماس" لدفعها للقبول بمقترح بايدن حول
وقف إطلاق النار.
الشق الثاني هو الأقرب للواقع، فكلا الجانبين: إسرائيل و "حزب
الله" لا يرغبان بحرب برية كل لأسبابه:
إسرائيليا، إن فتح جبهة شمالية برية وجوية، والدخول إلى الجنوب
اللبناني، هي مخاطرة عسكرية كبيرة:
أولا، كي تحقق هذه الحرب أهدافها المتمثلة بضرب القدرة الصاروخية لـ
"حزب الله" بما يجعله غير قادر على إطلاق صواريخ تجاه شمالي فلسطين
المحتلة، يجب القيام بعملية عسكرية برية واسعة إلى ما بعد شمال الليطاني، وهذه
عملية صعبة جدا، في ظل القدرات العسكرية التي يمتلكها الحزب: صواريخ متطورة مقارنة
بما كان يملكه عام 2006، تطور القدرات القتالية لمقاتليه، خصوصا بعد سنوات من حرب
العصابات خاضها الحزب في سورية.
ويبدو وعيد نتنياهو لـ "حزب الله" شن عملية مكثفة للغاية
على الحدود مع لبنان، وعيدا وتهديدا فضفاضا، ويعكس حالة التخبط في الحكومة
الإسرائيلية.
ثانيا، يتعرض نتنياهو لضغط شعبي هائل من سكان الشمال الذين نزحوا عن
مناطقهم، ويطالبون الحكومة بإنهاء الحرب للعودة إلى منازلهم، وفي حال فتحت جبهة
الشمال، فإن عمليات النزوح من منطقة الجليل الكبرى ستكون كبيرة جدا.
ثالثا، ضغوط أمريكية وغربية وعربية بعدم فتح جبهة مع "حزب
الله" بما قد يؤدي إلى توسعها بشكل غير منضبط، لا سيما أن إدارة بايدن تعول
في إستراتيجيتها الشرق أوسطية على الهدوء وإزالة التوتر، بما يجعل المنطقة مستقرة
على الصعيد الاقتصادي أولا، ويعيد تعبيد الطريق العربي أمام التطبيع مع إسرائيل.
رابعا، لا تستطيع إسرائيل على المستوى البشري فتح جبهة ثانية أكبر من
الجبهة الأولى، وأكثر صعوبة، وقد بينت حرب غزة ـ على الرغم من سياسة الأرض
المحروقة التي تتبعها إسرائيل ـ أنها ما تزال عاجزة عن فرض شروطها على حركة
"حماس"، ما يعني أن الحرب قد تأخذ وقتا أطول مما هو متوقع.
لا تختلف أسباب "حزب الله" عن الأسباب المانعة لإسرائيل:
أولا، لا يرغب الحزب بتكرار تجربة حرب "تموز" عام 2006،
والتي انتهت بصدور قرار أممي "1701" كبل أياديه تجاه إسرائيل.
ثانيا، حالة الاستياء اللبناني من دخول الحزب الحرب منذ أكتوبر
الماضي، فكيف الحال لو اندلعت حرب برية، إذ ستقوم إسرائيل بقصف بنى تحتية في عموم
لبنان، كما فعلت عام 2006، وهذا قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي ـ سياسي في لبنان الذي
يعيش ظروفا اقتصادية سيئة للغاية.
ثالثا، لا يوجد قرار إيراني بتوسيع الحرب، بما يؤدي إلى إعادة التوتر
بين طهران وواشنطن، وطهران وبعض العواصم العربية.
نتنياهو، المثقل بأعباء فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه بعد ثمانية أشهر من الحرب في غزة، قد يهرب إلى الأمام عبر توسيع نطاق حرب لا يرغب بها، في ظل ضغوط إقليمية ودولية لضبط إيقاع الحرب القائمة من جهة، وضغوط شعبية لوقف الحرب من جهة أخرى.
رابعا، لا يريد الحزب خسارة مقاتليه في حرب قد تطول، بعدما خسر
الكثير من عناصره في سورية خلال السنوات بين عامي 2012 ـ 2018.
بيد أن نتنياهو، المثقل بأعباء فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه
بعد ثمانية أشهر من الحرب في غزة، قد يهرب إلى الأمام عبر توسيع نطاق حرب لا يرغب
بها، في ظل ضغوط إقليمية ودولية لضبط إيقاع الحرب القائمة من جهة، وضغوط شعبية
لوقف الحرب من جهة أخرى.
وربما قد تنفلت الأمور دون إرادة مباشرة من الطرفين، ولعل ما حصل
خلال الأيام الماضية وما يزال، يشير إلى هذا الاتجاه، فالتصعيد عالي المستوى أصبح
يتجاوز مسألة الضغوط للدفع نحو التفاوض.
هنا، يبدو الطرفان في مأزق: إذا حاول أي طرف تخفيف تصعيده العسكري،
سيتعين أمام الطرف الآخر أنه لم يعد قادرا على العمل العسكري بنفس الوتيرة السابقة،
وهذا سيؤدي بالضرورة إلى قراءات سياسية مغالطة لما يريد الطرف الأول.