صحافة دولية

هل تندلع حرب مياه بين المغرب والجزائر؟

شهدت تيارت الجزائرية أعمال شغب احتجاجا على شح المياه- الأناضول
استعرض تقرير لصحيفة "جون أفريك" الفرنسية التوتر بين المغرب والجزائر، خصوصا في ملف المياه، متسائلة إن كانت حرب المياه قد اقتربت بين المغرب والجزائر؟

وذكرت المجلة، "أن مدينة تيارت شمال غرب الجزائر، شهدت أعمال شغب عنيفة بسبب العطش، حيث تم إغلاق طرقات ومصادرة شاحنات الصهاريج، وسط استنكار الأهالي لتقاعس السلطات العامة، وتوقف مشاريع تزويد مياه الشرب، مع فرض تقنين صارم عليها، ومنذ ذلك الحين تم إرسال العديد من الوزراء للاعتذار للسكان، ووعدوهم باستعادة الوصول إلى المياه".

وبينت المجلة، أن هناك سد "بخدة" الذي يمد المنطقة بالمياه، ويقع على بعد أكثر من 500 كيلومتر من الحدود المغربية الجزائرية".


واتهم وزير المياه الجزائري طه دربال، الشهر الماضي، المغرب علنا بتدبير الجفاف المتفاقم في بلاده، الذي أصبح مثيرا للقلق بشكل متزايد.

وكانت حدة التصريحات التي ألقيت على هامش المنتدى الدولي العاشر للمياه، الذي نظم في بالي بإيطاليا في الفترة من 18 إلى 24 أيار/ مايو، مثلت صدمة للكثيرين.

وأكد دربال، أن “إحدى الدول المجاورة، من خلال سلوكها غير المسؤول، أخلت بالتوازن البيئي، ما أثر بشكل خطير على الحيوانات والنباتات على طول الحدود الغربية للجزائر”، دون أن يذكر المغرب صراحة.

ولم ترد السلطات المغربية على هذه التصريحات المثيرة للجدل، وفي الوقت نفسه، تجاهلت وسائل الإعلام المغربية الاتهامات الجزائرية، واتهمت الوزير بالشعبوية. ومع ذلك، فإن الترابط المائي بين البلدين على الحدود هو واقع جغرافي، وفقا للمجلة.

ونقلت المجلة، عن محمد سعيد كروك، أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، قوله إن حظ المغرب يكمن في أن موارده المائية تنبع من التراب الوطني، بمعنى آخر، لا يجد أي من أنهار أو وديان البلاد منبعه خارج حدود المملكة، وهو أصل قوي، في حين أن ظاهرة الاحتباس الحراري تساهم في ندرة الذهب الأزرق، وهي معضلة ليس المغرب في مأمن منها".

المغرب تحت الضغط
وأضاف "أنه إذا كان المغرب في موقف إيجابي بشأن هذه القضية بسبب جغرافيته وتضاريسه وتوزيع أحواضه، فإن الجزائر يمكن أن تتأثر بالسلوك المغربي في منطقة الحدود، حيث إن المغرب إذا قام ببناء سدود عند المنبع، فإن ذلك يمكن أن يؤثر منطقيا على تدفق الأنهار التي تعبر الجزائر".

وتابع: "هذه الحالة ليست استثنائية، فالبلدان التي تتقاسم أحواض الأنهار غالبا ما تكون مترابطة من حيث المياه، لكن القوانين الدولية هي في صالح المغرب وليس العكس”.

وبينت المجلة: "وفي هذين التحليلين، يجب أيضًا دمج الواقع السياسي المتمثل في الأزمة الدبلوماسية التي يعيشها البلدان منذ آب/ أغسطس 2021، والتي تمنع أي حوار”.

وأكدت المجلة: "تكمن مستجمعات المياه التي تمتد إلى ما وراء الحدود المغربية باتجاه شرق الجزائر، وعلى وجه الخصوص، وادي ملوية الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط، على بعد 14 كلم من الحدود، والذي يستخدم بشكل مكثف لري المحاصيل الزراعية. ويتم تسهيل ذلك من خلال العديد من السدود الموجودة في مجراه، خاصة سدي الحسن الثاني ومحمد الخامس".

وأردفت: "بالإضافة إلى العدد الكبير من البنى التحتية على طوله، أدى الاستغلال المفرط له في عام 2021 إلى انخفاض تدفق نهر الملوية، لأول مرة، لدرجة أنه لم يعد يصل إلى البحر اليوم، وبات المزارعون في هذه المنطقة الفقيرة وفي منطقة الريف الشرقي يرون أن الوضع يزداد سوءًا من سنة إلى أخرى".

وبما أن نسبة ملئه لا تصل أبدا إلى 30 بالمئة فقد أعلنت وكالة الحوض المائي لملوية يوم 5 حزيران/ يونيو عن تنفيذ برنامج واسع لتنمية إمدادات المياه في أفق 2050، وفقا لتقرير المجلة.

ومن المقرر أن تخصص ميزانية تبلغ حوالي 19 مليار درهم لتمويل بناء خمس محطات كبيرة، وتهدف السدود إلى زيادة حجم المياه في الحوض بنحو مليون متر مكعب، بدءاً من الأشهر المقبلة، وتلك أخبار جيدة للقطاع الزراعي المغربي، لكنها مصدر جديد محتمل للخلاف مع الجارة الجزائر، وفقا "لجون أفريك”.


سدود متقابلة
وأوضحت “جون أفريك”، أن هناك نقطة خلاف أخرى تتمثل في عواقب استخدام مياه وادي غير، أحد أطول الأودية في شمال أفريقيا (433 كم)، والذي ينبع من الأطلس الكبير المغربي، بعد التقائه بالأراضي الجزائرية مع وادي زوزفانة. ومع ذلك، فإن وادي زوزفانة يغذي رابع أكبر سد جزائري، وهو سد جورف توربا، الذي تم تشييده في الستينيات وتبلغ طاقته الاستيعابية 365 مليون م3، ويوفر الماء الصالح للشرب لساكنة بشار.

وبين الجفاف المتوطن في المنطقة وتقادم المنشآت الهيدروليكية وتشغيل سد قدوسة المغربي (220 مليون متر مكعب) في عام 2021، انخفض تدفق جرف التربة بشكل كبير، لدرجة أنه خلال صيف 2022، أظهرت عدة مقاطع فيديو آلافاً من أسماك المياه العذبة الميتة في قاع السد الجاف بحسب تقرير المجلة.

وتابعت: "في العام التالي، في المغرب، حافظت السلطات على مسار المخطط الوطني للمياه 2020-2050".

وأعلنت وكالة الحوض المائي بولاية الرشيدية وحدها، عن إنجاز ثلاثة سدود بطاقة إجمالية قدرها 5 ملايين م3 وتم تصميم مشروع سد قدوسة، الذي بلغت كلفته 650 مليون درهم، تنفيذا للاستراتيجية الوطنية الفلاحية، مخطط المغرب الأخضر، التي انطلقت سنة 2008.

كان من المقرر أن يروي هذا السد 5000 هكتار من الأراضي الزراعية وحماية مناطق الواحات من الفيضانات ولكن أيضًا لتوفير مياه الشرب لسكان فجيج، وهي منطقة صحراوية تنتظم فيها الحياة حسب توفر المياه الجوفية. ومع بداية عام 2024، وعلى مدى مئة يوم، ضاعف سكانها المسيرات والاعتصامات السلمية، خشية خصخصة المياه.

دبلوماسية المياه
وبينت المجلة، في المغرب كما في الجزائر، فإن عواقب الإجهاد المائي على السكان متشابهة، أما فيما يتعلق بما إذا كان المغرب يقوم بشكل ممنهج بتجفيف السدود ومصادر المياه في الجزائر، فمن الصعب تحديد ذلك بدقة.

وأوضحت أنه سيكون من الصعب إجراء هذه التجربة في الرباط، لأنه في مواجهة نفس التحديات، بين إنشاء محطات تحلية المياه ومعالجة المياه قليلة الملوحة واستمرار تكاثر السدود، فإن استراتيجيات زيادة موارد البلدين ما زالت غير واضحة.


ويتمتع البلدان أيضا بامتيازات نسبية مقارنة بالدول الأخرى المعزولة هيدرولوجيًا تمامًا. وحتى لو بقي من المفهوم أنه بالنسبة للجزائر، التي تتكون من 84% من الأراضي الصحراوية، فإن أي اعتماد على هذا المستوى على دولة ثالثة يمكن أن يكون مصدر قلق.

وتعتمد جميع بلدان منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط تقريباً على موارد المياه العابرة للحدود لتلبية احتياجاتها المائية.

وختمت المجلة: "ينطبق هذا بشكل خاص على الصراع حول نهري دجلة والفرات الذي تديره تركيا من جانب واحد على حساب سوريا والعراق وإيران، ولكن أيضا حول نهر النيل، حيث تطالب كل من مصر والسودان وإثيوبيا بموقع سيادي على النهر أو حول مياه الأردن المستغلة بشكل مفرط من قبل الأردن وإسرائيل وسوريا".