ما فتأت الإدارة الأمريكية ولشهور عدة تسرب أن اتفاقية بين المملكة العربية
السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تلتزم فيها السعودية بالتطبيع السياسي مع إسرائيل باتت وشيكة.
ولكن لا تزال هناك عقبات عدة تقف عائقا في طريق هذه الاتفاقية، أهمها رفض إسرائيل الالتزام ولو لفظيا بحل الدولتين، وهو شرط أعلنت السعودية تمسكها به قبل التوقيع على مثل هذه الاتفاقية. حتى لو تم التغلب على هذا العائق، لا تزال فرص إقرار مثل هكذا اتفاقية من مجلس الشيوخ الأمريكي محدودة، وذلك للأسباب التي أوردها ادناه.
منذ مجيء الرئيس الأمريكي بايدن للسلطة، تمثلت واحدة من أولوياته القليلة بالنسبة للشرق الأوسط إبرام اتفاقية سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، واعتبرت الولايات المتحدة أن إبرام السعودية لمثل هذه الاتفاقية سيساهم في خلق جو إيجابي في المنطقة ريثما تتوفر الظروف الملائمة لاستئناف مباحثات سلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على أساس حل الدولتين.
وما دام الوضع هادئا بين الجانبين، فيمكن إبرام مثل هذه الاتفاقية دون الحاجة إلى إثقالها بشروط ليست إسرائيل مستعدة لقبولها في هذه المرحلة. وقد زار مسؤولون أمريكيون كبار، بمن فيهم وزير الخارجية بلينكن ومستشار الأمن القومي سوليفان السعودية عدة مرات، لكن دون التوصل إلى اتفاق.
أما السعودية، فإن اهتمامها منصب بالأساس على الحصول على مكاسب من الولايات المتحدة أكثر من اهتمامها بالتطبيع مع إسرائيل. تتمثل هذه الطلبات بقبول الولايات المتحدة ببرنامج نووي سلمي سعودي، وأسلحة أمريكية متطورة، وذلك مقابل ابتعاد السعودية عن التعاون العسكري مع الصين، والأهم اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة تلزم الأخيرة بالدفاع عن المملكة إذا تعرضت لهجوم خارجي.
قطعت المفاوضات شوطا لا بأس به حتى جاء 7 اكتوبر، حين أدرك الجانبان استحالة توقيع اتفاقية في ظل الظروف الحالية ودون تضمينها فقرات تتعلق بتقدم جدي على المسار الفلسطيني.
غبة الجانبين الأمريكي والسعودي في إبرام اتفاقية بينهما اصطدمت بتعنت إسرائيلي لا يقبل حتى بالتزام لفظي بحل الدولتين
لكن رغبة الجانبين الأمريكي والسعودي في إبرام اتفاقية بينهما اصطدمت بتعنت إسرائيلي لا يقبل حتى بالتزام لفظي بحل الدولتين دون إقرانه بخطة جادة لتنفيذه، ما بالك بتقدم عملي على هذا المسار. فالحكومة الإسرائيلية الحالية أعلنت مرارا وتكرارا أنها لن تنسحب من الأراضي العربية المحتلة، بل إنها تجاهر بإجهاض حل الدولتين اصلا. بل ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي للتصريح مؤخرا أن القبول بحل الدولتين هو مكافأة للإرهاب. لقد أصبح واضحا أن هذا الالتزام الأيديولوجي الإسرائيلي برفض حل الدولتين أهم للائتلاف الإسرائيلي الحاكم من اتفاقية تطبيعية مع السعودية.
أما السعودية، صاحبة المبادرة العربية للسلام والتي شددت أن شرط
التطبيع مع كافة الدول العربية هو انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة، فإن تراجعها عن ذلك الالتزام يبدو صعبا.
يبدو أن السعودية أدركت صعوبة قبول إسرائيل بهذا الالتزام، ولذا فقد انتقلت الى الخطة "ب" التي تركز فيها على محاولة الوصول إلى اتفاق ثنائي مع الولايات المتحدة دون الجانب الإسرائيلي، بمعنى عدم تضمين هذا الاتفاق أي بنود تفصيلية وملزمة حول الصراع العربي الإسرائيلي تجنبا للتعنت الإسرائيلي.
لا تزال هذه المقاربة الجديدة إن صحت محفوفة بالمخاطر، ذلك أن اتفاقية
الدفاع المشترك تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، أو 67 عضوا.
هناك العديد من الأعضاء الديمقراطيين الذين لا يرغبون بالموافقة على الاتفاقية باعتبار أن نظرتهم بالنسبة لسجل حقوق الإنسان في السعودية نظرة سلبية، وأن هؤلاء الذين قد يتجاوز عددهم العشرين قد لا يغيرون موقفهم إلا أن تضمنت الاتفاقية التزاما جديا بتقدم كبير على المسار الفلسطيني.
كما أن عددا كبيرا من الأعضاء الجمهوريين لن يروق لهم عدم وجود اتفاقية تطبيعية مع إسرائيل ضمن أي اتفاق مع المملكة العربية السعودية، وقد يعارضون الاتفاقية تبعا لذلك.
في الماضي، كان الرأي السائد أن إدارة ترامب أفضل للسعودية من إدارة بايدن، وبالتالي قد يكون من الأفضل للسعودية الانتظار للسنة القادمة، عل ترامب يأتي للسلطة مرة أخرى ويقدم للمملكة شروطا أفضل.
لكن واقع الحال اليوم، خاصة في ظل حاجة المملكة لاتفاقية دفاع مشترك، أن بايدن يستطيع استمالة عدد من الجمهوريين والديمقراطيين للموافقة على الاتفاقية وإن كان يحتاج لجهد كي يحصل على أغلبية الثلثين، خاصة أن الأعضاء الجمهوريين قد لا يودون اعطاء هذه «الجائزة» للرئيس بايدن.
أما إن جاء ترامب، فإن فرص استمالته لأي عدد كبير من الديمقراطيين ضعيفة للغاية للسبب نفسه. بمعنى آخر، فإن فرص حصول السعودية على اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة أفضل بكثير هذا العام مما لو جاء ترامب للسلطة العام القادم.
تفصلنا اليوم عن الانتخابات الأمريكية خمسة أشهر، وسيصعب مع مرور الوقت تمرير هذه الاتفاقية في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل نهاية العام. تكبر فرص تمرير الاتفاقية أن أعيد انتخاب بايدن رئيسا، إما أن جاء ترامب، فستواجه الاتفاقية أيضا صعوبات في مجلس الشيوخ.
تمرير اتفاقية أمريكية سعودية في مجلس الشيوخ ليس مستحيلا، ولكنه ليس بالسهولة التي تحاول الولايات المتحدة إعطاء الانطباع عنها. إضافة إلى ذلك، فإن التركيز الأمريكي على توقيع اتفاقية مع السعودية يغفل النظر عن لب المشكلة في الصراع وهي
الاحتلال الإسرائيلي وضرورة العمل بشكل حثيث لإنهائه.
القدس العربي