نشر موقع "
موندويس" تقريرا، قال فيه إن "إسرائيل"
أُجبرت على الدخول في حرب استنزاف مع إعادة
المقاومة الفلسطينية تشكيل نفسها في جميع
أنحاء قطاع
غزة، لكن لا يظهر حجم الفظائع التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في هذه المعارك
إلا من خلال الشهادات بعد انتهاء القتال.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"،
إنه في ظهيرة يوم 26 حزيران/ يونيو، فوجئ سكان حي
الشجاعية شرق مدينة غزة - أحد أكبر
أحياء قطاع غزة الذي يقطنه أكثر من 300,000 نسمة - بالدبابات الإسرائيلية تتقدم نحو
حيهم؛ حيث أطلقت النار بشكل عشوائي، بحسب وصف السكان للمشاهد الفوضوية التي عاشوها؛
حيث جمع الكثيرون حاجياتهم على عجل في أكياس كانوا قد أعدوها لجولة أخرى من النزوح.
وفي غضون ساعات، انتشرت مقاطع الفيديو والصور التي تظهر الآلاف وهم يفرون في حالة من
الذعر والخوف والدموع.
وبحسب الموقع، تروي أروى عويس (22 عامًا) التي وضعت طفلتها
في منزلها في شارع المنطار، أنها رأت زوجها يهرع إلى المكان عندما رأى الدبابات تقترب
على بعد 300 متر من منزلهم؛ حيث حملوا ما استطاعوا حمله، وتوجهوا إلى مستشفى صبحة، مصرحة
لـ"موندويس": "لم أكن مدركة لما كنت أفعله، فوضعت مستلزمات طفلتي الرضيعة
في حقيبة، وحملتها وخرجنا إلى الشارع، دون أن نرتدي ملابس مناسبة أو نلبس أحذيتنا في
أقدامنا".
وذكر الموقع أنه بعد أن عانت أروى من عمليات نزوح متعددة
في الأشهر السابقة، ومعرفتها بالفظائع التي كانت القوات البرية الإسرائيلية قادرة على
ارتكابها من المجازر السابقة في الشمال، أدركت أروى أن البقاء لم يكن خيارًا، فانضمت
إلى شقيقتها لينا، ولجأتا معًا إلى شقيقة ثالثة في الضواحي الغربية لبلدة الشجاعية،
وعندما اجتمعت الأخوات الثلاث، قررن النزوح من الشجاعية بالكامل، فقد كانت الأخت الثالثة
التي استضافتهم تبحث هي الأخرى عن مكان آخر تلجأ إليه مع عائلتها إلى أن يبدأ التوغل
في الانحسار. ففكروا في مناطق غرب مدينة غزة، أو أن يخاطروا بالذهاب إلى الجنوب وعدم
القدرة على العودة.
وكانت أروى تتحرك غربًا عبر حي الشجاعية، وشاهدت المنازل
المجاورة تتعرض للقصف، ولكن بمعجزة ما نجت هي وأحباؤها رغم إصابة المباني والشوارع
من حولهم، وقالت: "طوال الطريق كنت أنظر إلى وجه ابنتي البالغة من العمر شهرين، على الرغم من مشاهد الموت والأشلاء المتراكمة فوق بعضها البعض من الطائرات المسيرة
التي استهدفت السكان الفارين، لم أكن أفكر إلا في شيء واحد، وهو أنني كنت أحمل ابنتي
وأنقلها من منطقة إلى أخرى للمرة الثالثة في حياتها القصيرة. فكرت أنه ليس من العدل
أن تشهد طفلة كل هذه المشاهد وتسمع كل هذه الأصوات".
وأوضحت أروى: "نحن لا نهرب من الموت، فلقد متنا عدة
مرات بالفعل طوال فترة هذه الحرب، ونحن ننتظر توقفها، ولقد تفحمت قلوبنا بسبب ما عشناه.
ولكن إذا كان لدينا حرية الاختيار، فنحن لا نريد الموت تحت الأنقاض. لا نريد أن تأكل
الكلاب الضالة جثة ابنتي، لأن هذا ما يحدث عند اجتياح أي منطقة يجتاحها الجيش الإسرائيلي
في غزة؛ حيث تُترك الجثث في الشوارع وتحت الأنقاض حتى تأكلها الكلاب".
ولفت الموقع إلى أنه بعد الانسحاب الإسرائيلي من حي الشجاعية
قبل شهرين، عادت العديد من العائلات إلى منازلها المدمرة، وحاولت إعادة التوطن وسط الأنقاض،
لتواجه هذا الاجتياح الأخير المتجدد دون سابق إنذار؛ حيث لم يستهدف الهجوم الإسرائيلي
المفاجئ الذي شنه الجيش الإسرائيلي المنطقة المحيطة بمستشفى صبحة فحسب، بل استهدف أيضًا
الشجاعية بشكل عام، بما في ذلك مختلف قطاعاتها مترامية الأطراف مثل التركمان والتفاح.
وأشار الكاتب إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يوجه أي إنذار للمدنيين
قبل إطلاق عمليته، وبدلًا من ذلك استخدم عنصر المفاجأة لاقتحام المنطقة بقوة برية كبيرة.
ووفقًا للشهادات التي جمعتها موندوفيس من سكان الحي، فوجئ الجميع بالاقتحام المفاجئ.
وبعد عدة ساعات فقط من بدء الاقتحام، ألقى الجيش الإسرائيلي منشورات، وأجرى مكالمات
هاتفية مع السكان، وأمرهم بمغادرة حي الشجاعية والتوجه جنوبًا. ووفقًا لشهادات السكان،
فقد حاصر الجيش الإسرائيلي المنطقة وانتشر بسرعة كبيرة.
وقال شهود عيان إن مستشفى صبحة للولادة الصغير أصبح ملجأً
للعائلات التي تم إبادة غالبية أفرادها؛ لأن أفراد عائلاتهم كانوا منتمين لحركة حماس،
ومن نجا منهم لجأ إلى المستشفى بعد أن دُمرت جميع منازلهم وقُتل معظم أقاربهم.
ويهدف هذا النمط المتكرر من الاجتياحات إلى سحق المقاومة،
بعد أن أهلكت الشجاعية في عمليات سابقة. ولكن على الرغم من الدمار واسع النطاق، يصر
السكان على إعادة البناء والمقاومة، ويصرون على العودة للعيش بين أنقاض منازلهم.
"جز العشب" كحرب استنزاف
وأفاد الموقع بأن هناك نمطا معينا في طريقة عمل الجيش الإسرائيلي
ظهر حتى الآن في المناطق التي انسحب منها سابقًا بعد "تطهيرها" من المقاومة
هناك. فالجيش يشن هجومًا مباغتًا، ويقتل بشكل عشوائي، ويعتقل الناس بشكل جماعي، ويحاصر
الأحياء ويفتشها بيتًا بيتًا، وفي الوقت نفسه يخوض معركة مع مقاتلي المقاومة الذين
يحاولون إيقاع القوات الغازية في كمائن. وعند تفتيش منزل ومداهمة آخر، يتم تنفيذ الاعتقال
أو الإعدام على الفور. وقد يستمر كل ذلك لعدة أيام وأحيانًا لأسابيع، ولا تظهر الشهادات
عن حجم الفظائع التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي إلا بعد انتهاء عملياته.
وأوضح الموقع أنه بعد انسحابه، يستمر الجيش في مراقبة المنطقة
لفترات طويلة، ويعود إليها بعد انسحابه ليختبر قدرة المقاومة على إعادة تشكيل نفسها
في تلك المنطقة ومواجهة الجيش مرة أخرى. لكن في كل مرة، تظهر المقاومة في كل مرة قدرة
على الصمود والقدرة على الاستمرارية التي استمرت طوال أشهر من الاجتياح البري.
ووفق الموقع، فهذا ما فعله الجيش الإسرائيلي عندما اجتاح
مستشفى الشفاء في آذار/ مارس للمرة الثانية منذ بداية الحرب، حيث فرض حصارًا على المجمع
الطبي ومحيطه لمدة أسبوعين ودمره بالكامل. ووصفت شهادات الناجين كيف قام الجنود الإسرائيليون
بجمع المرضى والطاقم الطبي وأعدمهم مع موظفي غزة المدنيين واللاجئين النازحين في مجزرة
كبيرة، قبل دفنهم في مقابر جماعية.
وتكرر النمط نفسه عندما أعاد الجيش اجتياح مخيم جباليا للاجئين
في منتصف أيار/ مايو، حيث أمضى ثلاثة أسابيع في معركة مع مقاتلي المقاومة في أزقة المخيم، قبل أن ينسحب في نهاية المطاف.
ويحدث الشيء نفسه الآن في الشجاعية، ومن المرجح أن تكون النتائج
هي نفسها. لقد أصبحت إستراتيجية الجيش الإسرائيلي واضحة، فهي تسعى إلى "جز العشب"
أينما ظهرت المقاومة في غزة مع تراجع القتال من "مرحلته المكثفة"، كما قال
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أربعة أيام.
واختتم الموقع التقرير بالقول إن هناك طريقة أكثر دقة لوصف
هذه الديناميكية، وهي أنها حرب استنزاف مع المقاومة؛ فخلال الساعات الأولى من اجتياح
الشجاعية أعلنت فصائل المقاومة عن عملياتها الدفاعية ضد القوات الإسرائيلية، بما في
ذلك تدمير دبابات وناقلات جند واستهداف مجموعات من الجنود. ولم تكد تمضي 24 ساعة على
الاجتياح حتى بدأت التقارير الأولية تتوالى حتى وقت كتابة هذا التقرير عن وقوع خسائر
إسرائيلية فادحة في الشجاعية.