حين
نفذ
السيسي انقلابه المشؤوم على الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز/ يوليو 2013 ادعى
أن الشعب لم يجد من يحنو عليه، واستخدم خطابا ناعما لدغدغة عواطف مؤيديه، لكنه لم
يلبث طويلا حتى خلع ذاك القناع الزائف، وبدأ بالتكشير عن أنيابه التي تقطر دما،
وراح يجمع كل السلطات تدريجيا بين يديه، فأصبح رئيسا للسلطة التنفيذية، والقضائية،
والمتحكم في السلطة التشريعية.
يوم
الأربعاء الماضي أجرى السيسي ثلاثة تغييرات جديدة تعزز سلطته الفردية، أولها تشكيل
حكومة جديدة برأس قديم، وبلا صلاحيات، وتغيير المحافظين، وأخيرا تغيير قيادة
الجيش.
التغييرات الثلاثة تمت في الذكرى الحادية عشرة لانقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013،
وقد تأخر التغيير الوزاري لمدة شهر كامل منذ إقالة الحكومة السابقة وتكليف رئيسها
مصطفى مدبولي بتشكيل حكومة جديدة. وقد سرت الكثير من الشائعات خلال هذا الشهر أن
الكثير من الشخصيات المرشحة لمناصب وزارية رفضت المنصب ليقينها أنهم سيكونون مجرد
دمى في وزاراتهم، ولن يتمكنوا في ظل الظروف التي تمر بها
مصر من تحقيق أي نجاح، لكن
الشائعة الأهم تركزت حول رغبة السيسي في التخلص من وزير دفاعه محمد زكي، وما تبع
تلك الشائعة من وجود خلاف بين السيسي والمجلس العسكري حول هذا الأمر، حيث يشترط
الدستور المصري أن يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات
المسلحة.
يكون السيسي قد تخلص من بقايا المجلس العسكري الذي شاركه في الانقلاب في تموز/ يوليو 2013، وقد حرص أن يأتي بوزير دفاع جديد (عبد المجيد صقر) من خارج المجلس العسكري الحالي الذي يفترض به وفقا للدستور أن يوافق على اختيار وزير الدفاع، والحال كذلك فإن الوزير الجديد لن يكون له نفوذ داخل الجيش
كان
تغيير وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش هو الحدث الأهم، إذ أنه يتعلق بالشخصين
الأقوى بعد السيسي في منظومة الحكم الحالية، وهما آخر الشركاء الكبار للسيسي في
الانقلاب اللذين بقيا حتى الآن في مواقعهما العليا، واللذين صارا يمثلان خطرا عليه
بعد أن تردد اسميهما كبديلين محتملين له.
فوزير
الدفاع محمد زكي كان هو رئيس الحرس الجمهوري في عهد مرسي، وهو الذي قام باعتقال
مرسي، ونقله في طائرة عسكرية إلى إحدى القواعد البحرية، وأسامة عسكر كان عضوا في المجلس
العسكري وكان قائدا للجيش الثالث الميداني قبل أن يشغل موقع رئيس أركان الجيش. وقد
ظهرت قبل أيام دعوات لحراك شعبي ينتهي بنقل السلطة إلى وزير الدفاع (قبل إقالته)،
بينما كان الكثيرون ينظرون إلى الفريق أسامة عسكر باعتباره البديل الأكثر احتمالا،
وذلك بعد اضطرار السيسي إلى إعادته للخدمة ضمن تسوية عسكرية عقب المظاهرات التي
دعا لها المقاول والفنان محمد علي في العام 2019، والتي قيل وقتها إنها جرت بدفع
من بعض أطراف المجلس العسكري، وقد شملت تلك التسوية في حينه أيضا إطلاق سراح رئيس
أركان الجيش السابق سامي عنان، مع إبقائه تحت الإقامة الجبرية في بيته.
ما فعله
السيسي مع زميليه محمد زكي وأسامة عسكر، هو استكمال للتخلص من شركاء الانقلاب، حيث
تخلص من قبل من وزير الدفاع السابق صدقي صبحي، ورئيسي الأركان السابقين فريد حجازي
ومحمود حجازي؛ صهر السيسي نفسه، كما تخلص من عدد كبير من الجنرالات الآخرين سواء
في الجيوش الميدانية أو الأسلحة المختلفة أو في المخابرات العامة والحربية. وهذه سمة للحكام
العسكريين الذين يسعون دوما للتخلص من أي منافسين محتملين حتى لو كانوا من
أقربائهم كما فعل السيسي مع صهره حجازي، وفد فعلها مبارك من قبل مع أبو غزالة حين
استشعر خطرا من ناحيته بعد تعلق آمال البعض به.
بهذه
الخطوة يكون السيسي قد تخلص من بقايا المجلس العسكري الذي شاركه في الانقلاب في تموز/
يوليو 2013، وقد حرص أن يأتي بوزير دفاع جديد (
عبد المجيد صقر) من خارج المجلس
العسكري الحالي الذي يفترض به وفقا للدستور أن يوافق على اختيار وزير الدفاع، والحال
كذلك فإن الوزير الجديد لن يكون له نفوذ داخل الجيش، فهو ليس قائدا لجيش ميداني
ولا لأحد أفرع القوات المسلحة، وليس معروفا إن كان السيسي قد نجح في الحصول على
موافقة المجلس أم أنه فرض مرشحه عليهم، ضاربا بالدستور عرض الحائط كما فعلها كثيرا
من قبل.
وفي
كل الأحوال فإن هذه التغييرات كشفت أن السيسي عزز الآن وضعه كحاكم عسكري فرد بدون
شركاء أو مساعدين، لكن ذلك لا يعني أنه أحكم قبضته بشكل نهائي على المؤسسة
العسكرية، بل ربما تظهر لاحقا ردات فعل، فقد اعتاد الجنرالات أن يحسموا معاركهم
بعيدا عن نظر المدنيين الذين لا يشعرون بشيء إلا حين يتطاير دخان تلك المعارك. ونتذكر
هنا صراعات جنرالات يوليو 1952، وكيف جرت عملية التصفيات بينهم، وشعر بها الشعب
حين رأى تحركات المدرعات والمدفعية في الشوارع.
الملفت هو انصراف الكثيرين عن المنصب الوزاري الذي كان يسيل اللعاب من قبل، ذلك أن هؤلاء المعتذرين أدركوا جيدا أنهم محض ديكور بلا صلاحيات، وبلا إمكانيات، وأنهم سيكونون مسئولين عن فشل ليسوا هم صانعوه، ولكنها سياسات رأس النظام نفسه التي فرضها على الجميع دون تشاور مع أحد
ضمن
التغييرات الجديدة أيضا جرت حركة المحافظين والتي منحت المنصب لـ16 جنرالا سابقا
من بين 27 محافظا، في استمرار لسياسة عسكرة الدولة التي بدأت منذ تموز/ يوليو
2013، والتي شملت أيضا وضع شخصيات عسكرية حالية أو سابقة على رأس العديد من
الهيئات المدنية، كما يتم إجبار المتقدمين لوظائف جديدة في الهيئات الحكومية والوزارات
على المرور بدورات تدريبية في الأكاديمية العسكرية لمدة ستة أشهر.
أما
التغيير الوزاري وبغض النظر عما طاله من انتقادات، إلا أن الملفت هو انصراف
الكثيرين عن المنصب الوزاري الذي كان يسيل اللعاب من قبل، ذلك أن هؤلاء المعتذرين
أدركوا جيدا أنهم محض ديكور بلا صلاحيات، وبلا إمكانيات، وأنهم سيكونون مسئولين عن
فشل ليسوا هم صانعوه، ولكنها سياسات رأس النظام نفسه التي فرضها على الجميع دون
تشاور مع أحد.
من
المفترض أن النظام المصري شبه رئاسي، حسبما وضعه دستور الثورة عام 2012، وتم
تثبيته في التعديلات اللاحقة، ما يعني اقتسام السلطات بين رئيس الدولة ورئيس
الوزراء، وهذا بخلاف الواقع حيث أن رئيس الوزراء حاليا هو مجرد سكرتير لرئيس
الدولة، ينفذ ما يصله من تعليمات، وتوجيهات، فالحكم في مصر هو حكم الفرد الواحد
الذي يرى ما لا يرى الآخرون ويعلم ما لا يعلمون.
x.com/kotbelaraby