مما لا شك فيه أن
استخدام الفن لأغراض سياسية، يعود بعواقب وخيمة على من ارتضوا لأنفسهم أن يلعبوا هذا
الدور، والأمثلة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر قضية ميمي شكيب، وهي ظاهريا
المتعارف عليها بسقوط شبكة دعارة تديرها الفنانة وفريقها من
فنانات أخريات، وهذا هو
ما كان شائعا إعلاميا، وبثته وألحت عليه أجهزة الإعلام المختلفة تحت شعار الفضيلة،
وأنه لا يصح إلا الصحيح؛ إلى أخر هذه الشعارات التي ترضي الوعى الجمعي لرجل الشارع
البسيط.
ولكن في حقيقة الأمر
هذه الشبكة كانت تحت رعاية الأجهزة المعنية في فترة الرئيس جمال عبد الناصر، وكان من
ضمن مهامها الإيقاع بشخصيات عربية تمهيدا للسيطرة عليهم وتوجيههم. وقد كان الكاتب الكبير
محمد حسنين هيكل، وكذلك أشرف مروان، من زوار هذا الصالون المخملي لميمي شكيب، وقد كان
هيكل يرتبط بصداقة بميمي شكيب إلى جانب متابعته للضيوف الكبار المراد متابعتهم من قِبل
الدولة.
واستمر هذا إلى أن
جاء السادات إلى الحكم، وبالطبع خلافه مع هيكل معروف للقاصي والداني، وقد أراد السادات
أن يرسل رسائل إلى هيكل بأن ما كان لن يكون، وأن السادات رجل من طراز مختلف عما قبله،
ولهذا بدأ السادات بأولى رسائله إلى هيكل فطرده من رئاسة مجلس إدارة الأهرام، وبذات
الوقت أفرج صحيا عن الكاتب الكبير مصطفى أمين؛ في ضربة موجعة لهيكل، ثم أتبعها بالرسالة
الثانية، وهي القبض على الشبكة التي تديرها ميمي شكيب صديقة هيكل الحميمة.
وهنا نتوقف عند هذا
الحدث الذي دفعت ثمنه فنانة ارتضت ووافقت أن تلعب دورا ليس لها من أجل الحصول على المزيد
من المكاسب، أو أجبرت على هذا، لا أحد يعلم على وجه اليقين، ولكن مما لا شك فيه أن
النتائج كانت عليها كارثية، فقد تمت المبالغة في الفضيحة من أجهزة الأعلام انتقاما
من شخص هيكل.
وقد عانت ميمي شكيب
ومجموعتها الكثير والكثير أثناء السجن، حتى براءتها وخروجها من السجن لتواجه شظف العيش
بعد أن حوصرت وهُمشت، بل وتم إقصاؤها بمنتهى القسوة، مما استفزها وأثار غضبها، فكانت
دائمة التهديد بما كان في جعبتها من أسرار وفضائح، ما أدى إلى إيداعها في مستشفى الأمراض
العقلية لمدة سنة، ولكنها لم تصمت، وتضاعف غضبها وانفلاتها بالكلام، مما عجل بنهايتها
المأساوية عام ١٩٨٣ بعد أن استفاق الجميع على خبر انتحارها من شرفة منزلها.
وهذه واحدة من مآسي
عديدة حدثت، ومنها مع النجم يوسف فخر الدين الذي كان مرتبطا بقصة حب مع نادية سيف النصر،
وهي فنانة اشتركت في كثير من الأعمال في فترة الستينيات، ولكنها كانت من ضمن المندوبات
اللواتي يستعين بهن جهاز
المخابرات، وبالطبع لم يكن يوسف على علم بهذا، وعندما افتضح
أمرها له، استغرقته نوبة حزن شديدة، وقبل أن يستفيق منها جاءت له الصدمة التي حطمته،
وهي نبأ مصرعها في حادث سير في لبنان. وبالطبع كل هذا كان له بالغ الأثر عليه، فقد
لا حظ عدم ترشيحه في أعمال كما سابق عهده، وكذلك ترشيحه لأدوار تافهة تصل إلى حد الكومبارس
المتكلم.
وأمام حزنه وحالته
النفسية المتدهورة وحصاره بغرض اغتياله فنيا أثر نجمنا يوسف فخر الدين الابتعاد التام
والنهائي والانسحاب إلى اليونان ليعمل فيها، مضمدا جراحه التي لم ولن تندمل، وهناك
تزوج من أمرأة تكبره سنا، وظل في اليونان حتى رحل عن دنيانا، ومع شديد الأسف والأسى
لم يدفن في مصرنا الحبيبة.
وبالطبع وكما ذكرنا،
هناك العديد والعديد من هذه المآسي، ولكنها لا يكفيها مقال أو اثنان، ولهذا سنحاول
أن نعرض بعضها لاحقا تحت عنوان "الهروب إلى الداخل".