زعمت أوساط سياسية إسرائيلية أن الأشهر الأخيرة شهدت توجه أنظار
إيران في الشرق الأوسط نحو توسيع أنشطتها في
أفريقيا، ما يزيد التهديد على مصالح
الاحتلال في القارة، وبينما يركز اهتمامه هذه الأيام على ما تنقله طهران من مساعدات حلفائها في ظل العدوان على غزة ولبنان، فإنها تواصل مدّ نفوذها في جميع أنحاء القارة الأفريقية، بما يهدد مصالح الاحتلال السياسية والأمنية والاقتصادية في هذه القارة الهامة.
داني سيترينوفيتش الضابط الإسرائيلي البارز السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية لمدة 25 عاما، والباحث حاليا في برنامج إيران بمعهد دراسات الأمن القومي، طالب "بصياغة استراتيجية إسرائيلية لمنع إيران من تحقيق أهدافها في أفريقيا، التي اعتبرت القارة المفضلة لإيران منذ ثورة الخميني، نتيجة لمجموعة واسعة من الأسباب، أهمها القواسم المشتركة بينها وبين العديد من دول أفريقيا لمحاربة المحتل الأجنبي؛ وحماية الأقلية الشيعية الكبيرة في القارة، واستخدام مواردها لتلبية احتياجاتها الخاصة، وقد جعل القرب الجغرافي لأفريقيا من الشرق الأوسط منطقة جذابة بنظر القيادة الإيرانية".
مصالح اقتصادية وأمنية
وأضاف في
دراسة ترجمتها "عربي21"، أن "الرئيس الأسبق أحمدي نجاد دفع نحو زيادة كبيرة في النشاط الإيراني في القارة الأفريقية، فيما اتخذ الرئيس الراحل مؤخرا إبراهيم رئيسي خطوات أخرى إلى الأمام، في إطار رغبته بتعزيز العلاقة مع من أسماه "الجنوب العالمي"، كبديل سياسي واقتصادي للغرب، ورأى أن تعزيز العلاقات معها هو الهدف السياسي الأول والأهم لرئاسته، وعمل على تعزيز العلاقات مع العديد من دولها، حيث شهدت العديد من المنتديات المشتركة، وحصلت العديد من زيارات بلدان القارة في الآونة الأخيرة".
وأوضح أن "الأمر لا يقتصر على تعزيز المصالح الإيرانية الاقتصادية والسياسية فحسب، بل برغبتها بتوسيع مبيعات زيوتها المعدنية للعديد من دول القارة، تمهيدا للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية من مبيعاتها في شرق أفريقيا، أما في منطقة القرن الأفريقي وشرق القارة، فتواصل طهران توسيع علاقاتها مع السودان، وتزود جيشه بطائرات بدون طيار من طراز "مهاجر 6"، تمهيدا لجني مكاسب سياسية وأمنية، عبر إنشاء ميناء بمنطقة بورتسودان".
وكشف أن "إيران ساعدت الرئيس الإثيوبي آبي أحمد علي في حربه ضد إقليم تيغراي، ما أدى لتحسين قدرات جيشه بشكل كبير، وجددت علاقاتها الدبلوماسية مع جيبوتي بعد انقطاع دام سبع سنوات، في ضوء موقعها الاستراتيجي قرب مضيق باب المندب، وهو أحد الأسباب الرئيسية بنظرها لتجديد العلاقات، كما تعمل طهران على تعميق علاقاتها الدبلوماسية مع القاهرة، عبر مجموعة واسعة من القنوات".
تعزيز القوة البحرية
وأوضح أن "إيران تعمل من خلال توسعها في أفريقيا على تحقيق عدد من الأهداف المهمة، أهمها زيادة "الحصار الاقتصادي" على دولة الاحتلال، وإعادة بناء قنوات لنقل الذخيرة إلى حماس في غزة، وتحسين القدرة على زيادة قوتها البحرية في هذه المنطقة".
وانتقل الكاتب للحديث عن التوسع الإيراني في شمال أفريقيا، قائلا إن "علاقاتها مع تونس شهدت نقلة نوعية عقب إلغاء شرط الحصول على تأشيرة للإيرانيين لدخولها، بجانب العلاقات الاستراتيجية في السنوات الأخيرة مع الجزائر، فضلا عن موطئ قدم أمني وسياسي موجود في ليبيا لبناء "استمرارية إقليمية" في بلدان شمال القارة، ما يسمح لها ليس فقط بوصول البحر المتوسط ومضيق جبل طارق، بما يهدد القارة الأوروبية، ولكن بشكل أساسي لزيادة قوتها العسكرية".
وادّعى أن "إيران تسعى للضغط على المغرب بزعم أنه معقل النشاط الإسرائيلي/الأمريكي في القارة، كما أن وجودها هناك يسمح لها بزيادة المساعدات العسكرية لجبهة البوليساريو ضد الوجود المغربي فيها، كما تحاول توسيع علاقاتها السياسية مع موريتانيا، وزيادة "شعور الحصار" على المغرب، ومن خلال هذا النشاط في القرن الأفريقي وشمال أفريقيا، تعمل على توسيع نطاق علاقاتها العلاقات الاقتصادية مع مختلف دول شرقها، بما فيها كينيا وأوغندا وزيمبابوي".
وأشار إلى أن "طهران تسعى لاستغلال الفراغ الناجم عن انسحاب الوجود الفرنسي في الساحل الأفريقي، وتحاول الحصول على حصة اقتصادية وسياسية في النيجر، حيث إن لدى إيران عدد كبيرا من المصالح مثل خامات اليورانيوم، التي يمكنها شراؤها لاستخدامها في برنامجها النووي، وأُعلن مؤخراً عن توقيع اتفاق ثنائي حول هذه القضية".
الغياب الإسرائيلي عن القارة
وأوضح أن "هذه التطورات تثير القلق الإسرائيلي بشكل خاص، لأنها تزيد من تهديدها العسكري من منطقة القرن الأفريقي، وتهدد قدرتها على توطيد علاقاتها السياسية مع العديد من دولها، فيما تعمل إيران للإضرار بالجهود الإسرائيلية تجاه منظمة الدول الأفريقية، عبر الجزائر وجنوب أفريقيا، اللتين جبتا ثمناً من الدول الداعمة لإسرائيل كالمغرب".
وذكر أن "توسع النفوذ الإيراني يستدعي من الاحتلال التفكير ببناء استراتيجية للحفاظ على قدرتها على التأثير في أفريقيا، بجانب تقليص النفوذ الإيراني فيها، لأن حضوره السياسي هناك محدود للغاية، ولديه عشر ممثليات وسفارات فقط فيها، مما قد يتطلب التعاون مع دول الخليج، التي تشاركه نظرتها التشكيكية للنشاط الإيراني في أفريقيا، بزعم أنه يعرّض مصالحها الأساسية للخطر، وتعميق التنسيق مع الولايات المتحدة لتحذير الدول الأفريقية من التعاون مع إيران".
ودعا الكاتب إلى "تعميق العلاقات الأمنية الإسرائيلية مع دول القرن الأفريقي وشرق القارة لمنع إيران من الاستيلاء على البحر الأحمر لتلبية احتياجاتها الخاصة، وفي الوقت نفسه تعزيز التنسيق مع مصر لذات الغرض، وحرمان إيران من زيادة حصتها في تصدير النفط الذي تمتلكه، وتوسيع المساعدات الاقتصادية والعسكرية لدول القارة المعارضة لوجود إيران فيها، واختارت علاقاتها بإسرائيل، رغم الإغراءات الإيرانية".
خلاصة الدراسة الإسرائيلية تتمثل في أن توسع النشاط الإيراني في جميع أنحاء أفريقيا يعرض للخطر مصالح الاحتلال المهمة في القارة، لأنه يعني استخدام إيران لموطئ قدمها فيها لزيادة التهديد العسكري والاقتصادي لدولة الاحتلال، وثني الدول الأفريقية عن التعاون معها، وإقناع الأخرى بعدم التعاون معها، وتدفيع ثمن ممن اختارت زيادة التعاون معها، ورغم تنوع التحديات الأمنية التي تواجه الاحتلال هذه الأيام، فإن زيادة أنشطة إيران في أفريقيا سيؤدي إلى تدهور وضعه فيها بشكل كبير، وقد يؤدي إلى حقيقة أن يجد في المستقبل صعوبة في تغيير هذا الاتجاه بشكل جذري.