عاد الصدام مرة أخرى بين
مجلسي النواب والأعلى للدولة في
ليبيا بسبب إقرار البرلمان ميزانية ضخمة للحكومتين المتنافستين في البلاد، ووصل الأمر إلى حد إعلان
القطيعة من قبل رئيس
مجلس الدولة.
وأعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، محمد تكالة رفضه الحضور إلى العاصمة المصرية "القاهرة" للقاء رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح بسبب خطوة الأخير بخصوص إقرار
الميزانية بشكل منفرد دون التشاور مع الأعلى للدولة.
وخاطب "تكالة" رسميا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط بعدم الاستجابة للدعوة التي تلقاها بشأن لقاء ثلاثي مع رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الرئاسي، مؤكدا عدم جدوى حضور مثل هذه اللقاءات، لعدم رغبة بعض أطرافها، مجلس النواب في تحقيق أي تقدم على طريق حلحلة الأزمة، بل سعيه لاستخدامها للمناورة واستهلاك الوقت"، بحسب قوله.
"قطيعة وشروط"
ولم يكتف رئيس مجلس الدولة الليبي برفضه حضور لقاء القاهرة فقط، بل أعلن رسميا أيضا تعليق مشاركته في أي مشاورات أو حوار مع مجلس النواب، مشترطا للعودة للتفاوض أن يتم معالجة القضايا العالقة بين المجلسين وفي مقدمتها قانون الميزانية وإزالة ما ترتب على إصداره من مجلس النواب منفردا من آثار، وتصحيح ما اتصل بذلك من مواقف، وفق خطابه.
وكانت الجامعة العربية قد وجهت دعوة إلى كل من رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي ورئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة لحضور اجتماع تكميلي لاجتماع سابق برعاية الجامعة العربية، لكن تكالة فاجأ الجميع واعتذر قبل الموعد بيومين فقط.
والسؤال: ما تداعيات القطيعة والصدام الجديد بين مجلسي النواب والدولة على العملية الانتخابية والتسوية السياسية؟
"استقطاب سياسي واضح"
من جهته، رأى الأكاديمي الليبي، عماد الهصك أن "موقف تكالة الرافض للقاء القاهرة يأتي في إطار حالة الاستقطاب السياسي بين المجلسين، وقد شهدنا ازديادا في حالة التوتر بعد إقرار البرلمان للموازنة الأسبوع الماضي، الذي رآه الأعلى للدولة تهميشًا لدوره في صنع القرار بالمناصفة مع البرلمان".
وأوضح في تصريحه لـ"عربي21" أن "الاجتماعات السابقة بين رؤساء المجالس الثلاثة لم تسفر عن أي نتائج يؤسس عليها، ويزيد حالة الاستقطاب إصرار رئيس البرلمان على تشكيل حكومة جديدة الأمر الذي يرفضه الأعلى للدولة، وفق قوله.
وتابع: "لعل رفض تكالة للقاء يأتي في إطار الضغط على رئاسة البرلمان التي في نظري لن تستجيب لهذا الضغط، لأنها الآن تتمتع بأوراق ضغط فعالة لا سيما بعد انضمام محافظ مصرف ليبيا لحلف عقيلة صالح"، كما قال.
"مراوغة البرلمان"
ورأى المحلل السياسي الليبي، وسام عبد الكبير أن "الرفض جاء أساسا بسبب خطوة إقرار الميزانية العامة دون التنسيق مع مجلس الدولة والتي اعتبرتها رئاسة الأخير إجراء أحاديا ومخالفا للاتفاق السياسي الليبي، لذا يرى تكالة ومعه آخرون أنه لا جدوى من اللقاءات مع رئاسة البرلمان".
وأضاف لـ"عربي21": "المتتبع لقرارات مجلس النواب يجدها دائما لا تراعي التوافقات والتقارب الذي حصل مع مجلس الدولة، لذا فالتشاور والتوافق مع رئاسة مجلس النواب على المسار السياسي أمر صعب جدا سواء كان ذلك في مرحلة تكالة أو قبله أو حتى بعده كون رئاسة البرلمان تتبع نفس الأسلوب من مناورة سياسية ومراوغة ثم التنصل من أي توافقات أو تفاهمات تتم مع مجلس الدولة، فما جدوى التشاور؟"، كما قال.
"خصام لن يدوم"
لكن الصحفي الليبي المتابع لمشاورات مجلسي النواب والدولة، محمد الصريط استبعد أن يحدث صدام بين الجسمين كونهما يدركان أن بقاءهما في المشهد يتوقف على التواصل والتفاهم فيما بينهما وبقاء الوضع متأزما هو في صالح حكومة الدبيبة المناوئة للبرلمان وجزء من أعضاء الأعلى للدولة".
وأشار إلى أن "التقارب بين المجلسين ربما يمر بمراحل "جفاء" لكن لا يمكن أن يعود لفترة 2015 فالخصومة تغيرت وهناك اختراقات يقوم بها الطرفان فيما بينهما، وأعتقد أن رفض اللقاء هي مناورة من تكاله فقط ستأخد وقتها وسيعود كونه يدرك جيدا ضرورة الاتفاق والوصول لتفاهم مع الخصم السياسي الآخر لبقاء كليهما في المشهد"، بحسب رأيه وتصريحه لـ"عربي21".
وبخصوص ملف الانتخابات، قال الصريط: "الانتخابات الرئاسية صعب قيامها حاليا لأن أسباب عدم حدوثها في عام 2021 ما زالت مستمرة بل وتضخمت، والانتخابات النيابية مرتهنة بالرئاسية والمشروعان السياسيان في الشرق والغرب لا يوجد أي بوادر حقيقية وفعلية للتقارب بينهما، والحل في اعتقادي جزء كبير منه إقليمي فإذا وصلت القاهرة وأنقرة وروسيا لأرضية مشتركة بينها في الملف الليبي فإنه يمكن أن نقول إننا بدأنا في الخطوات الأولى للحل"، كما صرح.