مع ظهور أولى نتائج
التحقيقات الإسرائيلية بشأن الفشل الذي وقع صباح السابع من أكتوبر في عدم التصدّي
لهجوم حماس في ذلك اليوم، فقد تبين أن 90 بالمئة من الفشل نتج عن إخفاق استراتيجي
سبق ذلك اليوم، وليس من سير القتال في كيبوتس بئيري، لأن المؤسسة الأمنية اكتفت
بالعائق التكنولوجي، وتجاهلت أضواء التحذير، ولم تثبت نظاما دفاعيا للمستوطنات
المحيطة.
رون بن يشاي الخبير
العسكري في صحيفة
يديعوت أحرونوت، كشف أن "التحقيق الشامل في ما باتت تسمى
"معركة بئيري" تُظهر بوضوح أن الإخفاقات والإغفالات الرئيسية كانت على
المستوى الاستراتيجي، وأقل بكثير على المستوى التكتيكي للقوات العاملة في الميدان،
واللوم الرئيسي على هذا الإغفال يكمن في "المفهوم" السائد لدى الجيش،
و"غطرسة" جميع عناصر المؤسسة الأمنية الذين شاركوا في الدفاع عن غلاف
غزة، واعتمادها على مفهوم خاطئ مفاده أن حماس لا تريد تنفيذ هجوم شامل على جميع
مستوطنات الغلاف، ولكن فقط للضغط على
الاحتلال من أجل تحسين رفاهية سكان غزة".
وأضاف في مقال ترجمته
"عربي21" أن "هذه الغطرسة في تقدير جيش الاحتلال ومجتمع
الاستخبارات أسفرت عن استنتاج مضلل مفاده أن حماس لا تستطيع تنفيذ مثل هذا الهجوم
الكبير، وبالتالي لم يتم الاستعداد لها بشكل صحيح، وأشارت استنتاجات تحقيقات الجيش
بإشراف ميكي إدلشتاين أن ذلك يندرج تحت عنوان "سيناريو الإسناد" الذي
قدر أنه في حال قررت حماس اختراق الجدار التكنولوجي والتقني على حدود غزة، فسوف
يستغرق الأمر معها أربع ساعات؛ وإذا تجرأت على الهجوم، فسيكون عند نقطة واحدة أو
اثنتين على الأكثر، وليس عند 30 نقطة عبر القطاع البري والبحري بأكمله كما كان
الحال في ذلك اليوم".
وأوضح أنه "نتيجة
للغطرسة التي عبرت عنها وثائق السيناريو التي كتبها الجيش وجهاز الأمن، فقد أقاموا
عائقًا تكنولوجيًا على طول السياج المحيط، وأجهزة الاستشعار، ومواقع إطلاق النار
المأهولة من بعيد، دون بناء نظام دفاعي للمستوطنات المحيطة، مكتفيا بخطة أسماها
"أسوار أريحا" التي توفرت بأيدي الجيش قبل أكثر من عام من وقوع الهجوم،
لكنه لم يتناولها، وقلّل من احتمالية حدوثها، ولعل ذلك التجاهل من قبل أجهزة
الاستخبارات في الليلة التي سبقت الهجوم، كان بسبب الغطرسة، الذي أسفر عن عدم
استعداد الجيش على الإطلاق لمعركة دفاعية تتطلب خط دفاع أول، وخط دفاع ثاني، لوقف
قوات حماس التي هاجمت الغلاف".
وأوضح أن "الجيش
اكتفى بالحفاظ على الخط مع الحد الأدنى من القوات، مع احتياطي صغير على طول
الجدار، بافتراض أنه سيكون كافيا لصد محاولة غارة واحدة أو اثنتين من قبل حماس،
وبالتالي فإن هذا المفهوم المعتمد على الجدار انهار تمامًا، ونتيجة لذلك تمكن
المقاومون من اختراق الحاجز، والدخول لمستوطنات الغلاف في وقت لم يزد على العشر
دقائق، وليس أربع ساعات كما هو مكتوب في سيناريوهات الجيش الذي وقع مع مجتمع
الاستخبارات ضحايا لعقلية متعجرفة استهانت بحماس، وفشلت بفهم نواياها، رغم وفرة
المعلومات التي كانت لديهم".
وأشار إلى أن
"الإخفاقات الرئيسية التي تسببت في النتائج الرهيبة لمعركة بئيري كانت بنسبة
90٪ نتيجة عدم الاستعداد للدفاع، بسبب الغطرسة الذي أدى لإغلاق مستودعات الأسلحة،
حيث وصلت قوات الجيش بعد الساعة الواحدة ظهرا مسلحة بأسلحة شخصية، ودون قنابل
يدوية، فيما المسلحون مزودون بكل الأسلحة الممكنة، ما أعطاهم ميزة نقطة خلال
المعركة، فيما أصيب الجيش بثلاث مفاجآت، أولها عامل الصدمة لدخول معركة لم يستعد
لها مسبقاً؛ وثانيها بارتباك ناتج عن تعطّل شبكة القيادة والسيطرة، لم تتم إدارتها
بشكل صحيح من فرقة غزة، ولذلك استغرقت القوات وقتًا طويلاً، وثالثها العمل المخطط
جيدًا للمقاومين الذين عملوا في عدة مناطق".
وأكد أن "التحقيق
يضع الإخفاقات الميدانية الرئيسية في مجال القيادة والسيطرة على فرقة غزة ولواء
الشمال، الذي فشل في تكوين صورة للوضع، ولم يبذل ضباط الخطوط الأمامية ما يكفي لفهم
ما يحدث.
الخلاصة من هذه
التحقيقات أن الإغفالات التي وقع فيها جيش الاحتلال صباح ذلك اليوم، شكلت علامة فارقة حول حجم الكارثة، بالمفهوم الإسرائيلي، التي وقعت يومها، وستكون مقدمة
لمزيد من تزعزع الثقة بين جيش الاحتلال ومجتمع الاستخبارات والمؤسسة الأمنية
والمستوطنين، الذين اندهشوا ليس فقط من حجم هجوم حماس، ولكن أيضاً بحجم الفشل
العسكري والأمني الإسرائيلي الذي انكشف آنذاك.