مع استمرار المطالبات الإسرائيلية بمواصلة الحرب على
غزة حتى القضاء على "حماس"، والتخطيط في اليوم التالي لمنعها من حيازة أسلحة تدميرية، فإن هناك أصواتا أخرى لا تقل قوة وتأثيرا ترى أن الحل يكمن في تغيير جذري للوضع الأمني والسياسي لدولة
الاحتلال، لن يكون بالضرورة عبر هذه الطرق التقليدية.
ميشكا بن دافيد المسؤول السابق في جهاز الموساد زعم أن "دولة الاحتلال تنفذ عمليات اغتيال في مجالين رئيسيين: مواجهة الأسلحة غير التقليدية، ومكافحة العمليات المسلحة. في الستينيات، قام المصريون بتجنيد علماء ألمان في محاولة لتطوير صواريخ أرض-أرض، ونظراً لأن الاحتلال اعتبر ذلك تهديداً وجودياً، فقد كلف الموساد بإحباطه، وأصيب العديد من العلماء بأغلفة متفجرة، واختفى أحدهم، وتوقف المشروع، لكن العالم العربي استمر في محاولة تجهيز نفسه بأسلحة الدمار الشامل".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" على وقع محاولة اغتيال محمد الضيف، ورافع سلامة، أنه "في مرحلة لاحقة، طوّر الكندي جيرالد بول للعراق مدفعاً خارقاً قادراً على إطلاق 500 كيلو قذيفة إلى مدى يصل إلى دولة الاحتلال، لكن تم إقصاؤه في عام 1990، ما أدى إلى إنهاء المشروع، فيما أدت المحاولة الإيرانية للتزود بالسلاح النووي إلى عدة عمليات ضد العلماء، أبرزها اغتيال "أبي القنبلة الإيرانية" محسن فخري زاده في نوفمبر 2020، ما يعني نجاح الاحتلال في تأخير تطوير أسلحة الدمار الشامل من قبل أعدائها، ولكن ليس منعهم نهائياً".
وأشار إلى أن "العراقيين أطلقوا حوالي 40 صاروخ سكود على دولة الاحتلال في حرب الخليج 1990، فيما لا يمتلك الإيرانيون بعد قنبلة نووية، لكن لديهم ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع عدة قنابل، وكمية كبيرة من الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول إلى دولة الاحتلال، وزودت حلفاءها بآلاف صواريخ أرض-أرض التي تغطي أراضيها، والصورة مماثلة في مجال القضاء على كبار المقاومين".
وأوضح أنه "في السبعينيات، تورط الموساد في تصفية عناصر "أيلول الأسود" المشاركين في عملية قتل الرياضيين الإسرائيليين في مدينة ميونيخ الألمانية، وما لبث أن اندثر التنظيم بعد القضاء على بعض قادته في عملية "ربيع الشباب" في بيروت 1973، كما أن الموساد اغتال مخطط العملية علي حسن سلامة، ومع ذلك فإن حركة فتح ومنظمة التحرير
الفلسطينية لم توقفا سياسة الهجمات التي تنتهجانها".
وأكد أنه "في يناير 1995، نفذت حركة الجهاد الإسلامي هجوما انتحاريا مزدوجا عند مفترق بيت ليد، قتل فيه 22 إسرائيليا، وتحمل زعيمها فتحي الشقاقي المسؤولية، ما دفع الموساد إلى اغتياله في أكتوبر من ذات العام، وبعدها توقفت الحركة عن الوجود، لكنها بدأت بعد سنوات بإعادة ترسيخ نفسها في غزة، وهي مسؤولة عن إطلاق الصواريخ على الاحتلال، وتنفيذ العمليات المسلحة، بما فيها المشاركة في هجوم السابع من أكتوبر".
وأوضح أنه "في يوليو 1997، فجر عنصر من حماس نفسه في سوق محانيه يهودا بالقدس المحتلة، ما أسفر عن مقتل 18 إسرائيليا، وأعلن خالد مشعل، رئيس مكتبها السياسي مسؤوليتها عن الهجوم، ثم في سبتمبر نفذت الحركة عملية انتحارية مزدوجة في شارع بن يهودا بالقدس المحتلة، وفي الشهر نفسه، ذهب فريق الموساد إلى الأردن لاغتيال مشعل بمساعدة مادة سامة، لكنه أصيب، وانهار، دون وفاته، فيما تم أسر اثنين من عناصر الموساد، وفي صفقة خاطفة تمت بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والملك حسين، تقرر نقل جسم مضاد ينقذ مشعل من الموت، وفي المقابل يتم إطلاق سراح عناصر الموساد".
وختم بالقول إن "
جيش الاحتلال يحارب حماس منذ تسعة أشهر تقريبا، ولعله نجح على ما يبدو في القضاء على معظم مقاتليها وقادتها، صحيح أن ذلك سيكون له تأثير على الحركة، لكن حتى لو توقفت عن العمل كجيش نظامي، فإن الفلسطينيين الذين يؤمنون بأيديولوجيتها سيبقون على حالهم، وبعد فترة سيتجمعون مرة أخرى ضد الاحتلال".
يكشف هذا الاستعراض التاريخي لسياسة الاغتيالات الاسرائيلية الفاشلة أنه رغم استمرار الاحتلال بسياسة القضاء على قادة المقاومة، ومن يطور أسلحة الدمار الشامل، فإن مواصلة هذه السياسة زادت قناعة الإسرائيليين بأنه من غير الممكن مع مرور الوقت منع حيازة هذا السلاح، أو القضاء على منظمة مقاومة عن طريق مكافحتها فقط، بل إن الحل يكمن في تغيير جذري للوضع يسلّم فيه الاحتلال بحقوق الفلسطينيين، ويفسح المجال أمامهم لتقرير مصيرهم، وإلا فسيبقى في دوامة لا تنتهي من الفعل والفعل المضاد إلى إشعار آخر.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)