توالت الجهود الدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي، لدفع طرفي
الصراع في
السودان، رئيس مجلس القيادة عبد الفتاح
البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو للجلوس على طاولة المفاوضات لحل الأزمة وإنهاء الصراع الدموي.
وبدأت 3 دول هي، مصر، أثيوبيا، والسعودية، هذا الحراك الدبلوماسي لإنهاء الحرب المندلعة منذ نيسان/ أبريل 2023، وانضم لهذا الحراك أيضا الاتحاد الأفريقي والذي رعى اجتماعا في أثيوبيا، بمشاركة 14 كيانا وحزبا سودانيا، أبرزها "الحرية والتغيير ـ الكتلة الديمقراطية" وأحزاب سياسية وحركات مسلحة أخرى، والتي دعت لوقف الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتشكيل حكومة تصريف أعمال مؤقتة وغير حزبية.
سعوديا، بحث نائب وزير الخارجية، وليد الخريجي مع البرهان استئناف "مفاوضات جدة" خلال زيارة له لبورتسودان.
وفي ذات الوقت تُعقد مباحثات غير مباشرة بين طرفي الصراع السوداني- السوداني، في مدينة جنيف السويسرية، بشأن إيصال المساعدات الإنسانية ولا تزال هذه المباحثات مستمرة، برعاية الأمم المتحدة.
"فرص التوافق كبيرة"
وكانت
محاولات دولية وإقليمية قد جرت سابقا لإنهاء هذا الصراع الدموي الذي خلف آلاف القتلى والنازحين، لكنها فشلت في إقناع طرفي الصراع بالجلوس والاتفاق على وقف إطلاق النار، فهل يكون مصير الحراك الدبلوماسي الحالي كسابقه؟
رئيس تحرير صحيفة "التيار السوداني" الدكتور عثمان ميرغني، قال، إن "هناك ضغوطا من قوى دولية وإقليمية لدفع الأطراف للعودة إلى منبر جدة، كما أن المبعوث الخاص الأمريكي التقى بمجموعات سياسية ومجتمعية سودانية وتواصل مع الطرفين العسكريين، وأعلن ثلاث مرات موعدا لبداية مباحثات في جدة، لكن في كل مرة كان الموعد يتأجل في اللحظات الأخيرة".
وأكد ميرغني خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "فرص الوصول إلى توافق عبر المفاوضات وتوقيع اتفاق سلام لا تزال كبيرة، حيث أدركت الأطراف العسكرية استحالة حسم الصراع عسكريا إلا بتكلفة بشرية ومادية باهظة".
ويرى أن "المسافة بين الطرفين سببها الخروقات والانتهاكات الهائلة التي تورطت فيها الدعم السريع مما يتطلب بِناء أسس العدالة في إنصاف الضحايا ومنع الإفلات من العقاب".
"إنقاذ الدعم السريع"
وكأي صراع يجري في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم، لم يسلم السودان من التدخلات الخارجية، حيث تتهم الحكومة السودانية دولا عدة بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح، ومنها دولة الإمارات العربية.
إلا أن أبو ظبي دائما ما كانت تنفي هذه الاتهامات على لسان مسؤوليها، وخلال سجال بين سياسيين في البلدين في حزيران/ يونيو الماضي أوضح أنور قرقاش، مستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، بأن "بلاده مهتمة بوقف الحرب في السودان والعودة إلى المسار السياسي".
وفي تطور جديد، قالت وكالة وام الإماراتية الجمعة، إن "رئيس الإمارات محمد بن زايد، تلقى اتصالاً هاتفياً من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في جمهورية السودان".
وأوضحت الوكالة "أن ابن زايد والبرهان بحثا العلاقات بين البلدين الشقيقين وشعبيهما، إضافة إلى تطورات الأوضاع على الساحة السودانية وسبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها".
ولفتت إلى أن الرئيس الإماراتي أكد "حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء".
وشدد ابن زايد وفقا لوام على "ضرورة تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي وإعلاء مصالح السودان العليا والحفاظ على أمنه واستقراره"، معربا عن "التزام دولة الإمارات بمواصلة دعمها للجهود الإنسانية لرفع معاناة الشعب السوداني الشقيق".
في المقابل، أصدر مجلس السيادة الانتقالي السوداني بيانا ناقض بيان الإمارات، حيث جاء فيه أن الذي اتصل بالآخر هو ابن زايد وليس البرهان.
وكان التناقض الأهم بين صيغة البيانين وفقا لما نشرته صفحة المجلس الانتقالي على فيسبوك، هو أن "البرهان أبلغ ابن زايد بأن دولة الإمارات متهمة من السودانيين وبأدلة وشواهد كثيرة تثبت دعم الإمارات للمتمردين، ودعمها لمن يقتل السودانيين ويدمر بلدهم ويشردهم، وعلى الإمارات التوقف عن ذلك".
ويثير حديث طرفي الصراع عن وجود دعم وتدخل خارجي تساؤلات عن تأثير هذا الدعم إن وجد على مسار الحراك الدبلوماسي الدولي؟
الكاتب والصحفي السوداني، ياسر محجوب الحسين يرى أن "الحراك الدبلوماسي الدولي والإقليمي الحالي ما هو إلا محاولة لإنقاذ مليشيا الدعم السريع من هزيمة ساحقة، فهذه الأطراف لا ترغب في انتصار كبير للجيش السوداني باعتبار أن ذلك يعني انتصار وعودة الإسلاميين لتصدر المشهد السياسي السوداني".
وتابع محجوب خلال حديثه لـ"عربي21"، "لا أعتقد أن هناك فرصة لمثل هذا الحوار المفترض بين الطرفين لعدة أسباب، أولا الجرائم التي ارتكبتها الميليشيا ولا زالت ترتكبها، والتي سحبت منها أي غطاء أخلاقي وبالضرورة أي غطاء سياسي، وخلقت بجرائمها رأيا عاما سودانيا شديد المقاومة لأي دور سياسي لها".
كما يعتقد أنه "حتى لو أراد قادة الجيش الدخول في مثل هذا الحوار؛ فإن ذلك سيكون فيه مخاطرة على مستقبل قيادتهم، بيد أن آخر تصريحاتهم تشير إلى رفض تام للحوار مع المليشيا لا سيما وهم قاب قوسين أو أدنى من الانتصار على التمرد".
وخلص الكاتب السوداني إلى القول: "لعل الدول الداعمة للمليشيا هي من تسعى وتدفع في اتجاه الحوار لإنقاذ حليفهم، لكن لا يبدو أن لدى القيادة السودانية ما تخسره، وبالتالي فإن استجابتها لأي ضغوط أمر غير وارد، وفي ذات الوقت هناك تحركات من دول الجوار التي ظلت داعمة للتمرد في اتجاه تحسين العلاقات مع القيادة السودانية ربما لقناعة بأن المليشيا لم تعد لها أي فرصة للقيام بدور في مستقبل البلاد".
من جهته قال الكاتب والصحفي السوداني خالد الأعيسر، إن "هدف هذا الحراك الدبلوماسي والذي يقوده المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، دفع الحكومة السودانية وميليشيا الدعم السريع المتمردة، إلى محادثات غير مباشرة، لإيجاد حلول لقضايا محددة، وهي إيصال المساعدات الإنسانية وفتح ممرات آمنة".
وأوضح الأعيسر خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا ما يدفع وفد الحكومة السودانية للتمسك بموقفه الواضح والمسنود بالحقائق التي تعبر عن رؤية الشعب السوداني والمتضررين من جرائم قوات التمرد، ولهذا اختار الوفد المشاركة في هذه المساعي من دون الجلوس مباشرة مع وفد التمرد".
وأكد أن "هذه المساعي الدولية والإقليمية لن تصل لأي نتيجة على الصعيد السياسي".
وتابع: "في الواقع هناك اتفاق جاهز تم توقيعه في جدة في 11 أيار/ مايو 2023م، ولكن ميليشيا الدعم السريع تنصلت من تنفيذه لأنها ومن يقفون خلفها يريدون تمرير أجندات سياسية بربط اتفاق جدة بعودة ظهيرها السياسي، وهذا الشيء نفسه أفسد مبادرة الإيغاد وكل الجهود السابقة لإيقاف الحرب".
وأوضح أنه "من الخطأ محاولة ربط النقاش في جنيف بقضايا سياسية لأن القضايا السياسية يجب حلها داخل السودان بين المكونات السياسية السودانية "في حوار سوداني - سوداني جامع لكل الأطراف"".
وحول قضية دعم بعض الدول لأطراف الصراع قال الأعيسر: "الدول المتورطة في دعم ميليشيا التمرد ليس من السهل أن تلعب دوراً دبلوماسياً كوسيط نزيه، لأنها متورطة بصورة أو بأخرى في هذه الحرب وجرائم الميليشيا، ولهذا ترفض الحكومة السودانية مشاركتها كوسطاء ميسرين".