رجح موقع
"
أتلانتك كاونسل" أن الانتخابات الرئاسية القادمة في
تونس ستؤدي إلى تآكل
ديمقراطيتها، متطرقا إلى تشكيل الرئيس
قيس سعيد لجنة انتخابية جديدة، ما أثار مخاوف
بشأن استقلالية وشفافية العملية الانتخابية.
وقال الموقع، في
تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي انتُخب في
سنة 2019، قد دعا إلى إجراء انتخابات جديدة في تشرين الأول/ أكتوبر القادم. وفي حين
أن فوزه قد يبدو أنه سيضفي الشرعية على رئاسته، إلا أنه من غير المرجح أن تكون الانتخابات
المقبلة حرة ونزيهة، وذلك بسبب حملات القمع المستمرة ضد قادة المعارضة والمنتقدين،
والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وتوطيد السلطة في جميع فروع الحكومة الثلاثة.
وأضاف الموقع أنه
من المرجح أن تتيح هذه الانتخابات مزيدًا من توطيد السلطة والتراجع عن أكثر من عقد
من التقدم في بناء المؤسسات
الديمقراطية. ويبدو أن ما اعتُبر ذات يوم قصة النجاح الوحيدة
في انتفاضات الربيع العربي سنة 2011 قد أصبح خيبة أمل أخرى.
وأرجع الموقع ذلك
إلى توطيد الرئيس سعيد، الذي انتُخب على أساس برنامج لمكافحة الفساد في سنة 2019، سلطاته
منذ سنة 2021 بإقالة رئيس الوزراء آنذاك هشام المشيشي من جانب واحد وتجميد البرلمان
بدعم من الجيش. وبعد ذلك أعاد سعيد كتابة الدستور التونسي لتوسيع صلاحياته الرئاسية
ومنح نفسه سلطة عزل القضاة من جانب واحد بعد أن حل المجلس الأعلى للقضاء.
وذكر الموقع أن
نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي دعا إليها لم تبلغ سوى 11.2 بالمائة فقط
بعد أن قاطعتها أحزاب المعارضة، ما أدى إلى انتخاب سياسيين غير منتمين في الغالب مقربين
منه. وفي سنة 2022، وسّع سعيد سيطرته على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من خلال
منح نفسه سلطة تعيين أعضائها وعزلهم، ما ألغى استقلالية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات
عن السلطة التنفيذية. ومع خضوع جميع فروع الحكومة تقريبًا الآن لسيطرته المباشرة أو
غير المباشرة، أزال الرئيس سعيد العقبات الداخلية واحتكر جميع الضوابط والتوازنات،
ممهدًا الطريق أمام ترشحه للانتخابات الرئاسية دون منازع في تشرين الأول/ أكتوبر. ونتيجة
لذلك، خفضت منظمة "فريدوم هاوس" درجة تونس من "حر" إلى "حر
جزئيًا"، ما يشير إلى وجود إجماع واسع النطاق بين أعضاء المجتمع الدولي على أن
تصرفات سعيد غير شرعية.
وبالإضافة إلى
سيطرته على جميع فروع الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر، يعمل سعيد على تعزيز استيلائه
على السلطة من خلال تضييق الخناق على أعضاء أحزاب المعارضة والمنتقدين ووسائل الإعلام
المستقلة والمجتمع المدني. وعلى مدار السنة الماضية؛ قام سعيد بسجن وتهديد معظم مرشحي
المعارضة. ويقبع حاليًا اثنان من المرشحين العشرة للرئاسة وراء القضبان، بينما يواجه
أربعة منهم المحاكمة، بمن فيهم راشد الغنوشي، زعيم حزب المعارضة الرئيسي، الذي سُجن
السنة الماضية بتهمة "التآمر على الدولة" وسيبقى في السجن لمدة ثلاث سنوات
أخرى على الأقل.
وأوضح الموقع أن
المجتمع المدني يواجه أيضًا قمعًا غير مسبوق؛ حيث يقوم البرلمان التونسي حاليًا بمراجعة
مشروع قانون للحد من تدفقات التمويل الأجنبي إلى البلاد. ويُسجن المنتقدون والصحفيون
يوميًا بسبب آرائهم المعارضة، ما يزيد من تضييق الخناق على حرية التعبير في البلاد
ويبث الخوف في نفوس المنتقدين، وهو ما يتيح للرئيس أن يترشح دون منازع.
وبحسب الموقع؛
فإن شرعية سعيد يعوقها أيضًا استمراره في إساءة معاملة الأقليات - بما في ذلك المهاجرين
الأفارقة السود- الأمر الذي أثار انتقادات دولية وأدى إلى انتهاك الأعراف الدولية.
وقد اكتشفت مؤخرًا مقبرة جماعية تضم جثث خمسة وستين مهاجرًا على الحدود بين تونس وليبيا، ما أثار إدانات لسوء تعامل تونس مع المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى الذين يصلون
إلى البلاد. وقد أظهر سعيد علنًا عداءه للمهاجرين الأفارقة السود عندما ادعى في آذار/
مارس 2023 أن المهاجرين يهددون التركيبة الديمغرافية لتونس، مستشهدًا بنظرية
"الاستبدال الكبير" المثيرة للجدل. وأعقب ذلك موجة من العنف ضد المهاجرين؛
حيث فقد العديد منهم وظائفهم وخاطروا بحياتهم. وبدأت التقارير عن عمليات الطرد الجماعي
غير القانوني نحو الجزائر وليبيا في الظهور، ما أظهر استراتيجية مدروسة من قبل أجهزة
الدولة في انتهاك مباشر للقانون الدولي، ما أعاق الديمقراطية الوليدة وشرعية سعيد
بشكل عام.
وأفاد الموقع بأن
الجالية اليهودية المحلية، التي تضم الآن 1500 شخص فقط، شعرت بالقلق والتهديد بعد أن
ادعى سعيد أن الفيضانات المدمرة التي ضربت ليبيا في أيلول/ سبتمبر 2023 كانت نتاج
"الحركة الصهيونية". وقد جاءت تعليقاته بعد أشهر فقط من وقوع هجوم إرهابي
في مدينة جربة، التي يزورها آلاف الحجاج اليهود كل سنة، والذي يُعتقد أن له دوافع معادية
للسامية. وفي الآونة الأخيرة، ومع اندلاع الحرب على غزة، أُضرمت النيران في عدة معابد
يهودية في علامات احتجاج، ما زاد من مخاوف الجالية اليهودية بشأن سلامتها. ولا يوجد
ما يشير إلى اتخاذ الحكومة أي إجراء لحماية حقوق من تبقى من يهود تونس، ما يثير تساؤلات
حول دوافع سعيد بشكل عام واستعداده لحماية الأقليات.
واختتم الموقع
تقريره قائلًا إن استمرار سعيد في قمعه للمعارضة، وسوء معاملته للأقليات، وسيطرته الشاملة
على السلطات الثلاث في الحكومة سيسمح له بالترشح دون معارضة في الانتخابات القادمة.
وفي حين قد تبدو الانتخابات وكأنها ممارسة ديمقراطية مشروعة، إلا أن السياق الذي تُجرى
فيه الانتخابات لا يقل عن نظام استبدادي تتضح فيه سيطرة النظام الاستبدادي على أجهزة
الدولة أكثر فأكثر. إن هذا التآكل في المعايير الديمقراطية يقوض المكاسب الديمقراطية
التي حققتها تونس بشق الأنفس، ويدفع البلاد أكثر فأكثر نحو الاستبداد.