صحافة دولية

مروان برغوثي أشهر سجين فلسطيني في العالم.. هل يطلق الاحتلال سراحه؟

اسم البرغوثي هو الثاني على قائمة السجناء الذين تريد حماس الإفراج عنهم - الأناضول
نشرت مجلة "ايكونوميست" مقالا لمراسلها للشرق الأوسط نيكولاس بيلهام قال فيه إن استطلاعا للرأي نشره خليل الشقاقي في آذار/ مارس 2024 أشار إلى أنه إذا أجريت انتخابات، فسوف يفوز مروان برغوثي بأصوات أكثر من أقرب منافسيه مجتمعين.

وبرز اسم البرغوثي خاصة مع احتمال إتمام صفقة تبادل الأسرى بعد أحداث السابع من تشرين الأول / أكتوبر، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في حرب على قطاع غزة قد يتم بموجبه إطلاق سراح البرغوثي.

وتقول المجلة، يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يفكر في مثل هذه النتيجة فقد زار ضابط استخبارات إسرائيلي كبير، شقيق البرغوثي الأصغر، "مُقبل" وسأله عما إذا كانت الأسرة قد سمعت أي أخبار عن السجين. لقد أحس مُقبل أن الإسرائيلي، الذي كان يعرف عن وضع البرغوثي أكثر بكثير من الأسرة، كان يبحث عن رؤى حول ما قد يحدث إذا تم إطلاق سراحه.

وقال وسيط شارك في المفاوضات لمجلة "إيكونوميست"، إن اسم البرغوثي هو الثاني على قائمة السجناء الذين تريد حماس الإفراج عنهم. وإذا تم إطلاق سراحه، فقد تتغير ديناميكيات الصراع.

وعلى النقيض من رئيس السلطة الفلسطينية الخامل محمود عباس، يحظى البرغوثي بالاحترام على نطاق واسع. يتمتع البرغوثي بسجل حافل من الحملات من أجل حل الدولتين. ويقال إنه يتحدث العبرية بطلاقة ويعتبره العديد من الساسة الإسرائيليين صديقا، وفقا للمجلة.

وقال عامي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي للاحتلال الإسرائيلي (شين بيت) للمجلة: "الزعيم الوحيد الذي يؤمن بدولتين وسوف ينتخب ضد أي منافس آخر هو مروان البرغوثي. ومن مصلحتنا أن يتنافس في الانتخابات الفلسطينية المقبلة ــ وكلما كان ذلك أسرع كان ذلك أفضل".

وأضافت، أن هناك العديد من المستوطنين الذين يعتقدون أن البرغوثي ليس مهتما بالسلام الآن وأنه بعد إطلاق سراحه سيعود ليطاردهم كما حصل جراء إطلاق سراح يحيى السنوار.

ونقلت عن أحد رؤساء المخابرات المتقاعدين قوله: "البرغوثي سيئ مثل حماس. لم يتغير في السجن. لقد أصبح أكثر تطرفا".

وُلد البرغوثي بعد أكثر من عقد بقليل من قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي في قرية كوبر في الضفة الغربية. وفي عام 1967، عندما كان البرغوثي في الثامنة تقريبا، اندلعت الحرب واستولت القوات الإسرائيلية على القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية.

وأصبح آل البرغوثي يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرض جيرانهم للضرب أو الاعتقال لرفعهم الأعلام الفلسطينية. نشأت القواعد العسكرية والمستوطنات اليهودية حول قريتهم. أطلق الجنود الإسرائيليون النار على كلب العائلة لأنه نبح.

ووفقا لأصدقاء الطفولة، فقد انخرط البرغوثي في الحزب الشيوعي، الذي كان مؤثرا في الأراضي المحتلة في ذلك الوقت. بينما دعت بعض الأحزاب إلى تدمير إسرائيل، آمن الشيوعيون بالمقاومة اللاعنفية وحل الدولتين، بحسب تقرير المجلة.

مع مرور الوقت، شعر البرغوثي بالإحباط إزاء ضآلة إنجازات المسيرات، وبدأ يبحث في أماكن أخرى. فانضم إلى فتح. وعندما كان في الثامنة عشرة من عمره، تم اعتقاله في غارة ليلية على منزله.

ووضع حراس السجن كيسا قذرا على رأسه، وجردوه من ملابسه وضربوا أعضاءه التناسلية بعصا حتى أغمي عليه، كما أخبر لاحقا. وعندما أفاق، سخروا منه بأنه لن يتمكن من إنجاب الأطفال، كما تقول "الإيكونوميست".

وبحسب شقيقه، اتُهم البرغوثي بالانتماء إلى منظمة إرهابية وإعداد قنابل المولوتوف. وقضى السنوات الأربع والنصف التالية في السجن.
 
التحق البرغوثي بجامعة بيرزيت، الجامعة الفلسطينية الرائدة، حيث درس التاريخ والسياسة. لكنه لم يتخل عن النشاط، وقضى السنوات القليلة التالية يقود الاحتجاجات الجامعية ضد الاحتلال. وقبل ولادة ابنه الأول، تم اعتقاله مرة أخرى.

هذه المرة احتجز لمدة ستة أشهر، وفي أثناء وجوده هناك، اكتسب ما يكفي من العبرية لقراءة الصحف الإسرائيلية التي كانت تُحضر إلى الزنازين كل يوم والرد على حراسه بآيات من التوراة.

وكان بعض زملائه السجناء قد التحقوا بدورات التاريخ في الجامعة المفتوحة في إسرائيل، وكان يلتهم الكتب، حيث قرأ وفقا لتقرير المجلة، عن كيف شرعت الميليشيات اليهودية في إنشاء دولة إسرائيل: تفجير القنابل في دور السينما والفنادق في حملتهم ضد البريطانيين، وتوحيد المجموعات المنشقة في جيش واحد، والتصرف بلا رحمة في ملاحقة أهدافهم.

وبعد ذلك دخل السجن وخرج منه، وفي عام 1987 قررت السلطات الإسرائيلية أنها لا تريد أن يثير البرغوثي المزيد من المشاكل، لذا فقد أبعدوه عبر الحدود مع الأردن.

ولم يمض وقت طويل حتى اندلعت انتفاضة في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة. وفي عام 1993، حصل على إعفاء مؤقت ــ فقد أبرم ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، صفقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، أنهت الانتفاضة. وبفضل اتفاقيات أوسلو سُمح للمنفيين مثل البرغوثي بالعودة إلى الأراضي المحتلة.

ولأول مرة، تمكنت فتح من العمل علانية في الضفة الغربية، ونظم البرغوثي مسيرات ضد الاحتلال دون خوف من الاعتقال. ومن الغريب أنه وجد نفسه أيضا يتواصل اجتماعيا مع السياسيين الإسرائيليين.

وكان البرغوثي يحب استخدام لغته العبرية بطلاقة. وبعد انتخابه لعضوية أول برلمان فلسطيني في عام 1996، حضر بحماس اجتماعات النواب الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد أكسبه حسه الفكاهي في هذه المناسبات أصدقاء. وقال وهو يلوح بيده للوفد الفلسطيني المجتمع في مطعم على شاطئ البحر في تل أبيب: "بيننا 145 عاما في السجن". فأجابه جدعون عزرا، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق: "وأنا الذي وضعكم جميعا هناك!".

كان مائير شطريت، عضو البرلمان الإسرائيلي من حزب الليكود، الحزب اليميني الذي يقوده نتنياهو حاليا، معجبا بشكل خاص بالبرغوثي.

عندما مرض شطريت أثناء مؤتمر للسلام في إيطاليا، جلس البرغوثي بجانب سريره طوال الليل. يتذكر شطريت: "لقد كان يؤيد السلام تماما. السلام الحقيقي مع إسرائيل. لقد أصبحنا ودودين حقا".

كما لاحظ قائد في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الذي يُعرَف باسم أبو فرح، الناشط الشاب الكاريزماتي، فجاء إلى منزله في رام الله ليقدم نفسه له. قال أبو فرح: "كان شخصا يمكننا العمل معه في عصر السلام".

وبموجب شروط اتفاقات أوسلو، وافق الفلسطينيون على الاعتراف بدولة إسرائيل، ولكن الإسرائيليين وافقوا فقط على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني. وسوف تنشأ الدولة في نهاية عملية "مؤقتة"، بدا تاريخ انتهائها غامضا.

وكثفت الجماعات الإسلامية من هجماتها الانتحارية على المدنيين الإسرائيليين. وفي محادثاتهم مع منظمة التحرير الفلسطينية، بدا أن المفاوضين الإسرائيليين يريدون فقط مناقشة قمع هؤلاء المتشددين، بدلا من رسم الطريق إلى الدولة الفلسطينية. ويقول أبو فرح عن اجتماعاته العديدة مع البرغوثي: "كان همنا الرئيسي هو كيفية التعامل مع الإرهابيين".

وفي الوقت نفسه، توسعت المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وغزة، وجلبت معها المتعصبين اليهود المسلحين. وأعقب ذلك نشر الجنود، وتساءل الفلسطينيون عما إذا كان هناك ما يكفي من الأراضي غير المحتلة لبناء دولتهم.

ولكن مع تزايد خيبة الأمل، قام البرغوثي بجولة في إسرائيل وفلسطين، محذرا من أن المعتدلين من أمثاله سوف يتعرضون للتهميش إذا فشلت عملية أوسلو في تحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية. وبحلول ذلك الوقت كان البرغوثي قد تمت ترقيته إلى منصب الأمين العام لحركة فتح في الضفة الغربية. ويقول أبو فرح: "كان عرفات ينظر إلى البرغوثي وكأنه ابنه.. كان يفكر فيه كزعيم المستقبل".

في تموز/ يوليو 2000، استضاف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قمة لوضع خريطة تسوية نهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وكانت الأجواء متوترة منذ البداية، وانهارت المحادثات بشأن وضع القدس، من بين قضايا أخرى مستعصية، كما قام أرييل شارون باجتياح الأقصى. وبدأت الانتفاضة الثانية.

وفي أغلب الصباحات كان يحشد المتظاهرين ويقودهم إلى نقطة التفتيش عند سفح بيت إيل، وهي مستوطنة وقاعدة عسكرية على مشارف البلدة. وبعد عدة أسابيع من تزايد عدد الضحايا، بدأ الفلسطينيون في إطلاق النار من فوق أسطح المنازل. وعلى النقيض من الانتفاضة السابقة، تحولت الانتفاضة الثانية بسرعة إلى صراع مسلح. وفي أواخر عام 2000، ساعد البرغوثي عرفات في إنشاء جناح عسكري للتنظيم، وهو كتائب شهداء الأقصى.

وحاول أصدقاؤه الإسرائيليون القدامى إبعاده عن التشدد، وقال شطريت الذي كان وزيرا للعدل آنذاك: "حذرته، واتصلت به، وقلت له: ابتعد، لا تلمس الإرهاب".

وبحسب المجلة، فإن البرغوثي أراد أن يثبت أن الاحتلال له ثمن. وكتب في افتتاحية في صحيفة "واشنطن بوست": "أنا لست إرهابيا، ولكنني لست مسالما أيضا. أنا لا أسعى إلى تدمير إسرائيل، بل إلى إنهاء احتلالها لبلدي".

داخل فتح بدأ الناس يشعرون بالقلق من أن المنظمة تبدو ضعيفة مقارنة بمنافسيها الإسلاميين. وكانت حماس والجهاد الإسلامي تنفذان حملة تفجيرات لا هوادة فيها داخل الخط الأخضر.

في ذلك الوقت تقريبا، عقد رون بونداك، أحد مهندسي عملية أوسلو الإسرائيليين، اجتماعا سريا مع البرغوثي في منزل آمن في الضفة الغربية.

وتنقل المجلة عن شخص حضر اللقاء قوله، "إن بونداك عاتب البرغوثي على تحوله نحو العنف" فرد البرغوثي بصراحة: "لا يمكننا أن نخسر الشارع لحماس".

وفي أواخر عام 2001 قررت كتائب شهداء الأقصى البدء في إرسال مفجرين لقتل المستوطنين، وتزامن ذلك مع هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وأقنعت إسرائيل أمريكا بأن شريكتها السابقة، منظمة التحرير الفلسطينية، من نفس النوع.

وتضيف المجلة البريطانية، "في ظل ما اعتبره البعض موافقة ضمنية من جانب البيت الأبيض، دكت الدبابات الإسرائيلية المدن والبلدات الفلسطينية. وبحلول ربيع عام 2002، كان البرغوثي نفسه يفكر في وقف إطلاق النار من جانب واحد، وفقا لدبلوماسي تحدث معه في ذلك الوقت".

وفي 15 نيسان/ إبريل اعتقل البرغوثي وأدخل سجن المسكوبية فطلب لقاء رئيس الشاباك، آفي ديختر، الذي كان يعرفه شخصيا.

وسارع الإسرائيليون إلى تخليصه من أي وهم يتعلق بمكانته، فعرضوا عليه محققا مبتدئا بدلا من ذلك. واتهم بالتورط في 37 هجوما أو محاولة هجوم. ومن بينها إطلاق النار في سوق للمأكولات البحرية في تل أبيب في آذار/ مارس 2002، والذي قتل فيه ثلاثة مدنيين، وفقا للإيكونوميست.

وحوكم البرغوثي في محكمة مدنية وحُكم عليه بالسجن خمسة أحكام مدى الحياة، بالإضافة إلى أربعين سنة أخرى. وظل في الحبس الانفرادي لعدة سنوات أخرى.

وفي أواخر عام 2005 بدأت السلطات تسمح له بالاختلاط مع السجناء الآخرين، ربما على أمل أن يحد من الشعبية المتزايدة لحماس. وبمجرد خروجه من الحبس الانفرادي، حول السجن إلى جامعة، فنظم محاضرات من الساعة التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء. وقد تخرج أكثر من 1200 سجين في إطار برنامجه.

كان البرغوثي نفسه قد أكمل أطروحة الدكتوراه في الديمقراطية الفلسطينية، والتي كان على محاميه أن يهربها صفحة تلو الأخرى.

كما كان يلقي محاضرات في كثير من الأحيان حول الكتب التي استحوذت على فضوله الواسع النطاق ــ الاقتصاد السياسي في الصين أو التسامح الديني في الإسلام الكلاسيكي، وكان السجناء الآخرون يلقبونه بـ "الأستاذ". وتمكن من تجميع مكتبة تضم أكثر من 2000 مجلد، بحسب الإيكونوميست.

في عام 2006 كانت قدرته على العمل مع الكتل الأخرى في السياسة الفلسطينية مطلوبة بشكل عاجل، وفي ذلك العام أتيحت الفرصة للفلسطينيين لاختيار حكومتهم للمرة الثانية. وفازت حماس في الانتخابات بأغلبية ساحقة، مما صدم العالم.

وتابعت المجلة، "لم يكن عباس راغبا في دعوة الإسلاميين إلى الحكومة، ولكن تجاهل النتيجة بدا غير ديمقراطي من جانبه".

وكان البرغوثي في وضع جيد للتوسط في حل فقد تم بناء السجن الذي كان فيه في ذلك الوقت، هداريم، لإيواء النخبة السياسية في فلسطين.

وكان المبنى الرئيسي للسجن يضم 80 سجينا ويضم قادة فتح وحماس، بما في ذلك السنوار، وبالتعاون مع ممثلي حماس، وضع البرغوثي برنامجا للمصالحة بين الفصيلين. وفي مايو/أيار 2006، أصدرت المجموعة بيانا عُرف باسم وثيقة الأسرى. ودعت إلى حكومة وحدة وطنية و"مقاومة" لإسرائيل فقط في الأراضي التي تحتلها إسرائيل وراء الخط الأخضر.

وبعد هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وُضع البرغوثي في الحبس الانفرادي، وفي بعض الأحيان في ظلام دامس. وكان النشيد الوطني الإسرائيلي يُذاع في زنزانته بأعلى صوت طوال اليوم، كما صودرت كتبه وتلفازه وصحفه، كما تم تقنين الطعام والماء بشكل صارم، وفقا للإيكونوميست.

وفي الأسابيع الأخيرة كثفت عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة حملتها من أجل تبادل الأسرى. واحتج البعض خارج منزل نتنياهو. وحتى في حين تحاول المؤسسة الأمنية الإسرائيلية سحق البرغوثي، فإنها مضطرة إلى التعامل مع ما قد يعنيه إطلاق سراحه بالنسبة لإسرائيل.

وتقول المجلة، إن وزير العدل السابق، مقتنع بأن إطلاق سراح البرغوثي سيكون في مصلحة إسرائيل، حيث قال: "لو كان الأمر بيدي، كنت لأطلق سراحه، وأعفو عنه وأعطيه الفرصة الحقيقية ليكون زعيما ويصل إلى دولة فلسطينية تعيش في سلام مع إسرائيل".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع