في الوقت الذي
تتصاعد فيه بشكل كبير المطالبات الحقوقية لإنهاء ملف
الحبس الاحتياطي للمعتقلين
السياسيين في
مصر، هناك عدة خطوات مثيرة للتفاؤل في هذا الإطار، مدعومة من الأجهزة
التشريعية للنظام الحاكم، وداخل
الحوار الوطني الذي أطلقه رئيس النظام المصري، عبد الفتاح
السيسي، في نيسان/ أبريل 2022.
ورغم سوابق
النظام خلال 11 عاما بتجاهل ملف المعتقلين والإمعان في إذلالهم، إلا أن الآمال تظل باقية بحدوث انفراجة في الملف الذي تسبّب باستمرار حبس أكثر من 30 ألف مصري -وفق
بعض التقديرات- من الذين أنهوا عقوبة الحبس الاحتياطي ويجرى تدويرهم في قضايا أخرى.
الخطوة الأولى:
وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، على مشروع قانون الإجراءات
الجنائية الجديد، الذي يستهدف تعديل بعض الأحكام المتعلقة بالحبس الاحتياطي،
كتقليص مدة الحبس المصرّح بها قانونيا ووضع حد زمني لها، فضلا عن تعويضات الحبس
الاحتياطي الخاطئ، واعتماد بدائل عن الحبس الاحتياطي.
وفي آذار/ مارس
الماضي، أشارت تعديلات قانون "الإجراءات الجنائية" بالبرلمان، إلى وضع حد
أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، وتقليصه في قضايا الجنح لـ 4 أشهر بدلا من 6 شهور،
وإلى سنة في قضايا الجنايات بدلا عن عام ونصف؛ وتقليصه من سنتين إلى سنة ونصف حال
كانت العقوبة المقررة السجن المؤبد أو الإعدام.
الخطوة الثانية:
يقوم مجلس أمناء الحوار الوطني، بإجراء المشاورات الفنية والقانونية قبل صياغة
ورفع تقرير توصيات النهائي من المقترحات المقدمة من بعض أعضاء لجنة الحوار الوطني
من التيار المدني وعدد من المعتقلين السابقين المنضمين للحوار، وذلك في ملف الحبس
الاحتياطي، وإرسالها إلى السيسي، للنظر فيها.
"برغبة النظام"
يرى مراقبون
وحقوقيون، أن موافقة أية لجنة من لجان البرلمان على تعديل قانوني يعني أن السيسي
وأجهزته الأمنية توافق على التعديل أو القانون.
كما يعتقدون أن
إدراج مناقشة ملف الحبس الاحتياطي في جلسات الحوار الوطني ورفع التوصيات إلى
السيسي، هو أيضا أمر لا يتم إلا بموافقة الجهات الأمنية والسيادية، ما يشير
لاحتمال إقدام النظام على إنهاء ملف الحبس الاحتياطي.
وقبل أسبوع،
أثار قرار الإفراج عن 79 من المعتقلين المصريين المحبوسين احتياطيا على ذمّة قضايا
منذ أعوام 2022 و2023 و2024 حالة من الارتياح بين المهتمين بالملف الحقوقي في مصر.
ولكن توجيه
الحوار الوطني الشكر للسيسي، وتأكيده أن القرار جاء استجابة منه لمطالب أعضاء
الحوار الوطني، فتح الباب للمزيد من التفاؤل حول هذا الملف والتساؤل حول مصير
المعتقلين والمحبوسين احتياطيا قبل تلك التواريخ ومنذ العام 2013، واحتمالات أن
يشملهم العفو الرئاسي أو دعم لجنة الحوار الوطني.
ووفق تقرير
لـ"مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، المنشور في تاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021،
فإنه "في التشريع المصري، يعدّ الحبس الاحتياطي بمثابة عقوبة تصدر عن سلطة
التحقيق لا المحكمة، قد يترتب عليه أذى شديد وصدمة عنيفة، إذ أنه يؤذي المتهم في
شخصه وسمعته".
وأشار التقرير
إلى "تعارض النصوص الحاكمة للحبس الاحتياطي مع الغاية منه في الدستور"،
كما ألمح إلى "انحراف مبررات الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية عن
الغرض الذي شرع من أجله"، مبيّنا أن "السلطات "توسعت في أسباب الحبس
الاحتياطي"، مشيرة لوجوب صدوره عن جهة قضائية، والالتزام بالحد الأقصى له،
وبطلانه إذا تجاوزها.
"الأمل في الله"
والدة أحد
الشباب الذين تسبّب الحبس الاحتياطي في "تدمير حياته"، وفقا للأم التي
قالت: "احتفلنا قبل 4 أعوام بانتهاء مدة حبس نجلي التي قضاها 7 سنوات منذ
العام 2013، وترحيله من السجن إلى مركز شرطة المدينة الذي أودعه ثلاجة المركز
–مكان الاحتجاز ما قبل الإفراج عن المسجونين- تمهيدا لإخلاء سبيله".
وأضافت
لـ"
عربي21": "بشرنا محاموه، وبقينا أمام مركز الشرطة 3 أيام في
انتظار خروجه، ولكن ضباط الأمن الوطني قاموا بتدويره في قضية جديدة وإحالته
للنيابة التي حبسته احتياطيا منذ 2020، حتى صدور حكم جديد عليه".
وعن تجدّد آمالها
في خروج نجلها، وفقا لتلك التعديلات، قالت: "تعبنا كثيرا وتعب هو، ونسينا
الناس، ونسيه الأهل والأصحاب، ولكن لا نعدم نحن ولا هو الأمل في الله".
حقوقيون مصريون
تحدثوا لـ "عربي21"، عن حجم توقعاتهم بأن ينهي نظام السيسي ملف الحبس
الاحتياطي، التي جاءت سلبية جميعها، مؤكدين أن نظام السيسي لو فعلها وعدل قانون
ومدد الحبس الاحتياطي فإن لديه وسائل أشد قسوة على المعتقلين، مشيرين إلى أن هدفه
تحسين صورته.
"شكل ديكوري عبثي"
وفي رؤيته، قال
الحقوقي والإعلامي المصري، هيثم أبو خليل، إن "ما يحدث ما هو إلا شكل ديكوري
وعبثي بامتياز"، مشيرا إلى أن "لعبة قانون الطوارئ أو حالة الطوارئ لما
تم إلغاء مد حالة الطوارئ في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، تخيلنا أنه لن يكون هناك
إحالة مرة أخرى لمحاكم أمن الدولة العليا طوارئ".
وفي حديثه
لـ"
عربي21"، أضاف: "تخيّلنا أنه لم يعد هناك زوار في الفجر
للمصريين، وتخيلنا أنه لم يعد هناك اقتحام لبيوت الآمنين، إلا بإذن النيابة
العامة، ولكن كل هذه الأحلام أصبحت سرابا رغم إلغاء القانون".
ويعتقد أنه
"الآن يتم صناعة نفس القصة"، مبينا أنه "على أحسن تقدير يمكن تعديل
قانون الحبس الاحتياطي ومدده، ولكن سيظل حبرا على ورق، وتعود لعبة التدوير الحقيرة
مجددا، وسيُقال إننا أفرجنا فعليا عن المعتقل ولكن سيتم حبسه في قضية جديدة".
وأشار إلى أنه
"لنفترض أنّهم قلصوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي وجعلوه 6 شهور، فإنهم
سيقومون بتدوير المعتقل مع نهاية تلك الفترة مرات ومرات، بقضايا جديدة، وفي
النهاية هم لن يعدموا الوسائل".
ويرى أبوخليل،
أن "المشكلة ليست في تشريعات ولا مقترحات ولا في الحوار الوطني؛ ولكن المشكلة
في احترام القانون واحترام دولة القانون واحترام دولة المؤسسات لأن كل هذه المبادئ
الراسخة بكل دول العالم ليست موجودة".
وحول عدد
المحبوسين احتياطيا أو الذين تضرروا من هذا الملف ومن يُتوقع أن يستفيدوا من
تعديلاته، لفت الحقوقي المصري إلى أن "المذيع القريب من جهات أمنية مصرية
نشأت الديهي، أكد في إحدى المرات أن هناك 30 ألف مصري قيد الحبس الاحتياطي".
ويعتقد أنه
"لو هناك رغبة لدى السلطات فسيكون هذا الرقم الكبير مع الصباح الباكر خارج
السجون ويعودوا إلى بيوتهم؛ ولكن الحبس الاحتياطي لعبة حقيرة يستخدمونها".
وألمح إلى أن
"ذلك القانون كانت الحكمة منه حفظ مسرج الجريمة، والحفاظ على الأدلة، والحفاظ
على الجاني بطريقة احترازية لجين البت في القضية"، موضحا أن "كل هذا ليس
موجودا لأنه في النهاية القضايا كلها لا تستدعي كل هذا".
ولفت إلى أن
"أغلب المحبوسين احتياطيا جرى حبسهم وتدويرهم في قضايا تظاهر، ومؤخرا في رسم
كاريكاتير، أو رفع لافتة بشكل سلمي، أو حتى التعاطف مع أهل فلسطين ضد مجازر الاحتلال
الإسرائيلي"، مؤكدا أنه "كلها قضايا عبثية".
أما عن دور الحوار
الوطني، قال إنه "معروف أنه شيء تكميلي ديكوري في ظل الأوضاع الإقليمية
والعالمية"، مبينا في نهاية حديثه أن "هذا النظام لا يردعه شيء، وفي
النهاية ما يتم هو استنزاف للوقت، ويبين أنه يقوم بعمل عملية إصلاحات، ولكنه في
الحقيقة يشدّد القمع ويزيد كم الاعتقالات وكم الترهيب والإجرام".
"المشكلة ليست في القوانين"
من جانبه قال
الحقوقي المصري، محمد زارع: "الحبس الاحتياطي ليس هو الموضوع الوحيد الذي
تواجد بسببه أناس كثيرون في السجون لفترات طويلة، فهناك مشكلة التدوير أو إعادة
اتهام الناس في قضايا أخرى".
وفي حديثه
لـ"
عربي21"، لفت إلى أنه "كان هناك أيضا قانون الطواريء الذي كان
يتيح للدولة أنها تعتقل الناس لمجرد الاشتباه فيهم، وحبسهم دون أن يكون هناك حكما
قضائيا، سواء كانت هناك أسباب تجعل الإدارة تحتجز الناس لفترات طويلة أم لا، ولذا
أظن أن المشكلة ليست في قوانين الحبس الاحتياطي".
وأوضح أنه
"بالنسبة لقانون الحبس الاحتياطي على الورق فإن المسألة تخضع لشروط وضمانات،
بحسب ما هو معروف أن الحبس الاحتياطي لابد أن يكون له ضمانات محددة، كأن يكون هناك
خشية من هروب الشخص المحتجز أو أن يؤثر خروجه على الأدلة".
وتابع:
"لكن أناس كثيرون جرى حبسهم احتياطيا، والموجودون الآن في السجون تجاوز حبسهم
تلك الشروط؛ وهناك تقارير حقوقية كثيرة تؤكد هذا الموضوع، ولذا لست متأكدا أنه
بمجرد تعديل القانون ستصبح الحياة وردية، والناس ستخرج من السجون وتنتهي المشكلة".
ويعتقد زارع، أن
"الأزمة سياسية في مصر"، مشيرا إلى أن "هناك للأسف تجييش ضد عدو
خفي الدولة طوال الوقت تتحدث عنه"، مضيفا: "وأظن أن كل السلطات تحارب
هذا العدو الخفي، وهو المواطن، بطريقة أو بأخرى".
وأشار إلى أنه
"هناك من يُقدم تقريرا بأن هذا الشخص خطر، ويتم عمل قضية له فيقدمه للنيابة،
والنيابة باعتبار أن لديها تحريات من المباحث تقول هذا الكلام فتقوم بحبسه
احتياطيا، ويدخل السجن حتى تنتهي محاكمته".
وواصل:
"وبعد أن تنتهي القصة في النهاية إما بإدانة أو براءة، يمكن أن يظهر ضابط آخر
ويقول أن هذا الشخص متهم في قضية أخرى، خلال فترة تواجده في السجن"، مؤكدا أن
"هذه أمور مؤسفة رأيناها كثيرا كحقوقيين".
وأشار زارع، إلى
أنه "لدينا قانون طوارئ أيضا ظل موجودا وجاهزا لاحتجاز أي معارض لمجرد
الاشتباه، ولذا في رأيي أشكر من قام في الحوار الوطني بفتح هذا الملف وغيرهم ممن
بذلوا جدها لحلحلته وسمعوا لأهالي المعتقلين ويريدون مناقشة هذه المسألة".
واستدرك:
"ولكن أظن أن المسألة أعمق وأعقد من هذا، وهم كما أظن في الجلسات الأولى
للحوار الوطني تحدثوا عن هذا الملف ولم يفعلوا شيئا؛ ولذا أظن أن هذا الأمر لن
يُفلح التعامل معه بمجرد جرة قلم أو إصدار قانون، فالمسألة أعقد وأعمق من هذا".
ولفت إلى أن
"المسألة بالكامل تخضع لوضع معقد ومركب وليست أمرا بسيطا، ولذلك لن تُحل
بتعديل القوانين، لأن هناك قوانين أخرى ستكون البديل ويجري استخدامها للقبض على
الناس".
وختم بالقول:
"وكله بالقانون، وليس خارج إطار القانون، يعني أنه ليس اختطافا أو احتجازا
لشخص بدون محاكمة، ولا اختفاء قسري، وأتحدث هنا عن القوانين التي تنظم العدالة في
مصر، والتي ليس لدي أمل كبير في أن أحتفل بشيء واحتفي به قبل أن أرى نتيجته لأننا
سمعنا كثيرا دون أي أمل تحقق في هذه المسألة".
"نظام أجرم لا يُتوقع منه خير"
وفي رؤيته،
عبَّر السياسي والحقوقي المصري، أشرف عبد الغفار، عن أسفه الشديد من أنه لا
يتوقع خيرا من هذا النظام برمته، مؤكدا أن "الأنظمة وحتى الأشخاص يتم تقييمها
بمدى ارتباطها بالقيم والقوانين، ولهذا كان القرآن الكريم دستور البشر يحدد
العلاقات بين الحاكم والمحكوم ويحدد طرق العفو ووسائل العقوبة".
وفي حديثه
لـ"
عربي21"، أضاف: "أما أن يبني النظام 22 سجنا من أموال دولة
مأزومة، ويضع الآلاف بالسجون وينساهم تحت مسمّى الحبس الاحتياطي، والذي سبق وكان
أقصاه قانونيا مدة 6 أشهر ".
وأوضح أن
"الحبس الاحتياطي ليس عقوبة بل لاستكمال التحقيقات وجمع الأدلة؛ أما أن يكون
الحبس الاحتياطي مفتوحا بهذه الطريقة فهذا قمة الإجرام"، متسائلا:
"وماذا عن الاختفاء القسري الذي يجري دون قانون؟، وماذا عن قضايا بمتابعاتنا
للأوضاع الحقوقية مازالت تُلفق وجرى فيها تدوير متهمين مرات ومرات".
وفي إجابته على
السؤال: "هل من المحتمل إن جرى انفراجة بملف الحبس الاحتياطي أن يشمل معتقلين
من جماعة الإخوان المسلمين المعتقلين قبل 11 عاما، أم أنه سيكون فقط للمعارضة من
غير الإسلاميين؟، قال عبدالغفار: "أكاد أجزم أنه لن يُطبق على
الإخوان المعتقلين".
القيادي في
جماعة الإخوان المسلمين، أشار إلى أن "العداء الذي أقام عليه (نظام السيسي)
حكمه، كان ضد الإخوان ورئيسهم الشهيد محمد مرسي، وأن هذا لم يقم به السيسي، وحده،
بل تشارك فيه مع أمريكا وإسرائيل والإمارات والسعودية، وكلهم دعم نظامه الخرب طيلة
11 سنة خوفا من وجود الإخوان المسلمين".
وأعرب
عبد الغفار، عن أمنيته بأن "يخرج جميع المحبوسين سواء احتياطيا أو من عليهم
أحكام نهائية، لأنها في النهاية تمّت وفق محاكمات هزلية كلها تلفيق أدلة وكذب في
الوقائع، ولذا فن يتوقع إخراج المحبوسين احتياطيا ويطمئن للسيسي، فهو ساذج".
وأكد أن
"كل من سُجن ودمرت حياته وحياة أسرته سواء كان محبوسا احتياطيا أو محكوم عليه
ظلما فهؤلاء في رقبة السيسي في الدنيا والآخرة، وكل من رضي بهذا الوضع شريك
بالجريمة".
وأعرب عن أسفه
من "الشعب المصري كله يدفع الآن ثمن سكوته على ما أحدثه السيسي من مجازر،
وقتل، واعتقال، وتعذيب، وبيع للوطن، وخراب للبلاد، وبيع أهلنا في غزة، والصمت على
كل جرائمه وهو قادر أن يواجهه بأي نوع من العصيان".
وأعرب الحقوقي
المصري عن أسفه مجددا من أن "كل أجهزة السيسي من برلمان وحكومة ولجان وطنية
هم مجموعة مجرمين ولا يوجد فيهم من يستطيع معارضته أو تصحيح مساره أو الوقوف في
وجهه".
وعن رؤيته لهدف
النظام من تعديل قانون الحبس الاحتياطي ومناقشة الأمر في الحوار الوطني، يرى
عبد الغفار، أنه "فعل هذا إما بأمر أسياده، أو أنه يحاول خداع الشعب ويبدو
وكأنه يُحدث انفراجة أو يُشيع تفاؤلا".
ومضى يقول:
"لكن هيهات بعد كل ما فعله، وبعدما أفقر شعبه، ولعلنا اكتشفنا جميعا أن السيسي
جاء بهدف وحيد ألا وهو تدمير مصر، ولذا أرى أنه لن يغسل صمت الشعب المصري على تضييع السيسي، للوطن والأمة ولن يرفع عنهم الآلام التي يعيشونها الآن إلا الثورة،
عليه".