حمل الرياضي ماجد أبو مراحيل، العلم
الفلسطيني خلال أول مشاركة على الإطلاق لفلسطين في الأولمبياد عام 1996 في أتلانتا، وهو الذي تخصص برياضة الجري، بعدما تدرب عليها للاحتماء من أي خطر إسرائيلي، أثناء عمله في بيت زجاجي لزراعة الأزهار داخل الأراضي المحتلة.
وجاءت مشاركة أبو مراحيل في أتلانتا عندما كان يبلغ من العمر (32 عاما)، عندما سُمِع اسم فلسطين لأول مرة في تاريخ المحفل الدولي، بينما جاءت أولمبياد باريس الحالية بعد أسابيع قليلة من استشهاده وهو في عمر (61 عاما)، بفعل حرب الإبادة المستمرة على قطاع
غزة ونقص العلاج.
وتضم البعثة الأولمبية الفلسطينية أكثر من عشرين عضوا بينهم ثمانية لاعبين ولاعبة في الألعاب الأولمبية واثنان في الألعاب البارالمبية (ثاني أكبر حدث دولي متعدد الرياضات ويشارك فيه رياضيون بدرجات إعاقة متفاوتة).
الجري من أجل النجاة
ولد أبو مراحيل في عام 1963 في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، وعندما كان عاملا في الأراضي المحتلة، حافظ على لياقته البدنية بالجري من بيته في مدينة غزة إلى حاجز "إيرز" الإسرائيلي على بعد 20 كيلومترا شمال القطاع.
وفي تقرير نشرته صحيفة "صاندي تلغراف" في آذار/ مارس 1996، أنه بعدما فاز أبو مراحيل بأحد السباقات في مهرجان رياضي سابق، سلمه رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات، جائزة، وسأله عن وظيفته، فأجاب أنه "يعمل في الأراضي المحتلة، ويجيد الجري لينجو بنفسه إذا حدث مكروه".
ورد عليه عرفات حينها مبتسما: "في المستقبل ستكون حارسي الشخصي عندما أكون في غزة"، وهو ما حدث فعلا، بعدما أصبح من حرسه الخاص، ما وفر له وقتا للتدريب.
وجاء في تقرير لصحيفة "
نيويورك تايمز" نشر في نيسان/ أبريل 1996، أن أبو مراحيل ذهب إلى أتلانتا وهو يعلم أنه لا توجد أي فرصة للفوز بميدالية، ولكن بالنسبة له فإن مجرد حمل العلم الفلسطيني في حفل الافتتاح في أتلانتا سيكون أكثر من كاف لتحقيق المجد.
وقال أبو مراحيل في التقرير حينها: "هدفي ليس الفوز بالميدالية الذهبية، بل إعلام العالم بأن هناك فلسطين.. إن الجري في دمي".
خلال السنوات العشر الماضية التي سبقت المشاركة في أولمبياد 1996، كان أبو مراحيل أسرع عداء في السباقات المنظمة في غزة، وأصبح بطلا محليا، يتعرف عليه الأطفال ويهتفون ويحيونه على الشاطئ أثناء تدريباته اليومية.
ولم يكن لأبو مراحيل أي مدرب أو مرافق تدريب ولا حتى أحذية جري مناسبة، وعمل على تسجيل وقته على خانة الثواني في ساعته البلاستيكية المهترئة من إنتاج شركة كاسيو.
الزحف حول المضمار
ولم ير أبو مراحيل مضمارا احترافيا من الدرجة الأولى حتى شارك في آب/ أغسطس 1995 في دورة الألعاب العربية في القاهرة، وحصل على المركز التاسع في سباق عشرة آلاف متر، وذلك بعدما وصل فريقه قبل ساعات فقط من بدء الألعاب، حيث جرى احتجازه لمدة ثلاث ليال على الحدود المصرية.
وقال حينها: "لم أنم سوى ساعة واحدة طوال ذلك الوقت. ولكن لو اضطررت إلى الزحف حول المضمار على يدي وركبتي، لكنت فعلت ذلك لحمل علمي".
ويذكر أن اللجنة الأولمبية الفلسطينية تأسست في عام 1931 وظلت فلسطين عضوا في الأسرة الأولمبية حتى عام 1967، وهو العام الذي شهد حرب النكسة واحتلال قطاع غزة والضفة الغربية ومناطق من الجولان وسيناء.
الحرب الحالية
استشهد ماجد أبو مراحيل في مخيم النصيرات خلال حزيران/ يوليو 2024 قبل أسابيع من أولمبياد باريس الحالية، إلى جانب أكثر من 400 رياضي وعامل في المجال الرياضي خلال حرب الإبادة الحالية بسبب مضاعفات الأمراض المزمنة وعدم توفر العلاج.
وأصيب أبو مراحيل قبل الحرب بشهور قليلة بفشل كلوي، جعله يحتاج عملية الغسيل الكلوي "الديلزة"، إلا أن الحرب ونفاد المعدات الطبيعية وتدمير المستشفيات حال دون تلقيه العلاج المناسب لحالته، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية.
ويوجد في قطاع غزة خمسة مراكز لغسيل الكلى منها مركزان في محافظتي الشمال وغزة، وقد توقفت عن العمل، إضافة إلى ثلاثة مراكز في مدن دير البلح وخانيونس ورفح.
وتستمر معاناة مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة بالتفاقم للشهر العاشر على التوالي، مع تدهور كبير في مستوى صحتهم العامة نتيجة تقليص ساعات عمليات الغسيل الكلوي المنقذة للحياة، بفعل الحرب والحصار.
ومع استمرار الحرب، ذكرت تقارير وإحصائيات غير رسمية أن أكثر من ثلاثة أرباع مرضى الكلى قد استشهدوا بفعل نقص العلاج أو حتى الاستهداف المباشر داخل بيوتهم والأماكن التي نزحوا إليها.
في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 استشهد لاعبان من المنتخب الوطني للكرة الطائرة، وهما إبراهيم قصيعة وحسن زعيتر، في قصف على مخيم جباليا في قطاع غزة، وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر 2023، استشهد أيضا بلال أبو سمعان مدرب المنتخب الوطني لألعاب القوى جراء غارة جوية إسرائيلية.
أما في كانون الثاني/ يناير 2024، استشهد هاني المصدّر، مدرب المنتخب الفلسطيني لكرة القدم، في قصف جوي إسرائيلي أيضا.
في يوليو/ تموز الماضي، استشهد حارس مرمى نادي شباب خانيونس لكرة القدم شادي أبو العراج في مجزرة المواصي التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بجنوب قطاع غزة.
وقال المتحدث باسم النادي علي دحلان إن نادي شباب خانيونس خسر لاعبا مميزا في فريق كرة القدم باستشهاد اللاعب أبو العراج، لينضم إلى كوكبة الشهداء الفلسطينيين من الرياضيين.
من يمثل فلسطين الآن؟
لم يكن وصول الرياضيين الفلسطينيين إلى باريس سهلا، فقد تأهل رياضي واحد فقط من بين الثمانية المشاركين في الألعاب الأولمبية وفقا للمعايير الرسمية، بينما استفاد السبعة الآخرون من دعوة اللجنة الأولمبية الدولية.
وقد تمكن لاعب التايكوندو عمر إسماعيل للمرة الأولى في تاريخ الوفد الفلسطيني من الحصول بشكل مباشر على بطاقة التأهل للألعاب خلال تصفيات آسيا في تايآن بالصين دون استخدام بطاقة "وايلد كارد" وهي ورقة تسمح للرياضيين بالتأهل مباشرة.
ومن بين الرياضيين الفلسطينيين المدعوين، يشارك اثنان متخصصان في سباق 800 متر، وهما ليلى المصري ومحمد دويدار، الذي كان حاضرا العام الماضي في بطولة العالم لألعاب القوى التي أقيمت في بودابست، واحتل المركز التاسع في المجموعة التي تسابق فيها.
لكن بالنسبة له، يبقى الأهم هو المشاركة، إذ صرّح عداء المسافات المتوسطة المتحدر من أريحا لصحيفة "كوريير دو لاطلاس" قائلا: "إن وجودي هنا يعتبر نجاحا في حد ذاته. لقد مثّلت فلسطين في بطولة كبرى".
ويشارك في النسخة الحالية أيضا سبّاحان فلسطينيان وهما فاليري ترزي في فئة سباق 200 متر سباحة متنوعة، إلى جانب يزن البواب في سباق فئة 100 متر على الظهر، والذي تلقى هو الآخر دعوة للمشاركة في دورة ألعاب طوكيو 2021.
ويأمل السباح الفلسطيني ذو الـ 24 عاما، وهو من مواليد السعودية ويعيش في دبي ولديه عائلة في الضفة الغربية، أن يُظهر للعالم أن الفلسطينيين يستحقون أن تكون لهم "نفس الحقوق" التي يتمتع بها أي شخص آخر، مثلما أوضح لشبكة "إن بي سي" التلفزيونية.
فالمشاركة في الألعاب بالنسبة له، تتجاوز الإطار الرياضي العادي، بل تمثل "أداة تثبت للعالم بأننا بشر كباقي البشر".
وتعتزم مواطنته فاليري ترزي، التي تحمل أيضا الجنسية الأمريكية، استغلال وجودها في باريس لتتحدث نيابة عن سكان غزة حيث يعيش العديد من أقاربها.
وقالت لشبكة "إن بي سي": "لسنا هنا للمشاركة في المنافسة لأجلنا فقط أو لتمثيل أنفسنا على الصعيد الشخصي.. فالأمر أكبر من ذلك بكثير".
وفي الملاكمة، يمثل الوفد الفلسطيني وسيم أبو سل، البالغ 20 عاما ليصبح أول ملاكم فلسطيني يشارك في الألعاب الأولمبية بعد تلقيه دعوة من اللجنة الأولمبية الدولية.
ويرغب فعلا في إحراز أول ميدالية فلسطينية على الإطلاق، وقال: “إنه حلم يراودني منذ أن كنت في العاشرة من عمري... كنت أستيقظ كل يوم وأتساءل كيف أستطيع الوصول إلى منافسات الألعاب الأولمبية"، بحسب وكالة "فرانس برس".
وفي رياضة الجودو، سيكون فارس بدوي حاضرا على البساط في فئة أقل من 81 كيلوغراما، وقد سبق للرياضي الفلسطيني البالغ 27 عاما أن شارك في بطولات العالم والبطولات الكبرى مثل بطولة باريس غراند سلام.
وأخيرا، في رياضة الرماية وفي مسابقة "السكيت" تحديدا، تمت دعوة خورخي أنطونيو صالحي، البالغ 49 عاما، لتمثيل فلسطين.