تمثل
الدول والشعوب حول العالم عادة شخصيات دبلوماسية منضوية تحت وزارات الخارجية
لتحقيق مصالح الشعوب السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية. وتمثل
الدبلوماسية الفلسطينية حالة فريدة، إذ يمثل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات
عدة جهات دبلوماسية تتحدث باسمه إلى العالم ومع الدول الأخرى؛ هي السلطة
الفلسطينية وفصائل المقاومة وعلى رأسها حركة
حماس.
بعد
أن وصلت حماس إلى سدة الحكم إثر انتخابات عام 2006، بدأت كثير من الحكومات
والهيئات تتعامل مع ممثلي الحركة بوصفهم دبلوماسيين؛ بغض النظر على الخلاف الذي
يراوح مكانه بين حماس من جهة والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى. وقد مثل الشهيد
الراحل
إسماعيل هنية رأس هذه الدبلوماسية من خارج إطار السلطة بوصفه رئيسا سابقا
للوزراء، الأمر الذي أعطى كثيرا من الدول العربية والإسلامية فرصة لاستقباله رسميا
وإقامة علاقات ولقاءات مباشرة علنية معه. وكان هذا يعد شبه استثناء في العلاقات
الدبلوماسية؛ أن يستطيع فاعلون من غير الدول إقامة علاقات دبلوماسية رسمية.
واستثمرت الحركة هذا الوجه الدبلوماسي للتأكيد على شرعية تمثيلها لمطالب الشعب
الفلسطيني، وأنها لا تبحث عن مصالحها الضيقة بقدر ما تسعى لتحقيق المطالب الوطنية
الجامعة.
الأمر هنا لا يتعلق بقدرة الحركة على انتخاب قيادة جديدة، وإنما يتعلق بطبيعة التمثيل الدبلوماسي الذي تستطيع أن تخاطب به العالم علانية
كان
ممثلو السلطة الفلسطينية من الدبلوماسيين الرسميين في كثير من الدول من الوعي
والنضج، بحيث تجنبوا أي صدام أو خلاف علني بين الدور الدبلوماسي الذي تقوم به
السلطة والدور الدبلوماسي الذي يقوم به ممثلو الفصائل وخاصة ممثلي حركة حماس،
وتعامل الجميع بقدر عال من المسئولية على اعتبار أن هناك مصلحة وطنية عليا تتمثل
في التحرر من الاحتلال وكشف جرائمه.
وبعيدا
عن دور حركة حماس السياسي والعسكري، سيترك استشهاد هنية فراغا في هذه الدبلوماسية الفلسطينية
الدولية لأنه ليس هناك من لديه صفته الانتخابية السابقة ويستطيع أن يحل محله.
والأمر هنا لا يتعلق بقدرة الحركة على انتخاب قيادة جديدة، وإنما يتعلق بطبيعة
التمثيل الدبلوماسي الذي تستطيع أن تخاطب به العالم علانية.
بالطبع
ظروف الواقع ستفرض على كثير من الدول استمرار التعامل مع الحركة، خاصة تلك التي
تملك علاقات وثيقة معها مثل إيران وقطر وغيرهما من الدول، لكن غياب الشهيد
هنية عن المشهد سيخصم من رصيد الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج، والتي كان يقدم
لها وجها آخر بخلاف التمثيل المباشر للحركة بما يشمله ذلك من مفاوضات ومحادثات.
كان الشهيد إسماعيل هنية صوتا لفلسطين في الخارج وعنوانا للقضية، يشرحها دبلوماسيا وإعلاميا. وقد ساعده على ذلك طبيعته الشخصية الودودة وخلفيته الشرعية الدينية والنضالية، وهي عوامل يصعب أن تجتمع في شخص واحد على الساحة الدبلوماسية الفلسطينية
الأمر
الآخر في هذا الصدد، هو أن هنية كان يجسر كثيرا من الفجوات بين الداخل في غزة
وقيادة الحركة السياسية في الخارج. فهو الآتي من قلب غزة ويفهم تعقيدات المشهد
الداخلي، وربما ساهم هذا في توحيد رؤى الحركة خلال الفترات الماضية تجاه كثير من
القضايا. ومن غير المستبعد أن يكون أحد أهداف إسرائيل من هذا
الاغتيال هو قطع هذا
الجسر، في محاولة لعزل القيادة في الداخل وكتم صوت لها في المكتب السياسي في
الخارج.
لقد
كان الشهيد إسماعيل هنية صوتا لفلسطين في الخارج وعنوانا للقضية، يشرحها دبلوماسيا
وإعلاميا. وقد ساعده على ذلك طبيعته الشخصية الودودة وخلفيته الشرعية الدينية
والنضالية، وهي عوامل يصعب أن تجتمع في شخص واحد على الساحة الدبلوماسية
الفلسطينية. دعونا نتذكر أنه يوما ما استطاع الشهيد هنية أن يكون ضيفا على مثل
المذيع عمرو أديب عام2017، بعد كل الشيطنة التي تعرضت لها الحركة في الإعلام
المصري على مدار سنوا. وعرَض الرؤية الفلسطينية الوطنية وأنها لا تتعارض مع
المصالح المصرية بكل هدوء، بل حتى أرسل رسالة للبرنامج ذاته ردا على خبر بحق أسرته
وعرضها عمرو أديب كاملة.
هذا
مجرد مثال بسيط يوضح أن الشهيد هنية ترك فراغا كبيرا في الدبلوماسية الفلسطينية.
x.com/HanyBeshr