تكشف حقول
النفط الليبية عن التقلبات السياسية في
ليبيا وخارجها، وإمكانية استخدام بعض القادة التهديد بإغلاقها لتحقيق أجندة شخصية، حسب تقرير نشرته صحيفة "
الغارديان" البريطانية.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن التعقيدات السياسية في الصناعة النفطية الليبية كانت في مركز الضوء نهاية الأسبوع عندما قيل إن حلفاء أمير الحرب، خليفة
حفتر، حاولوا إغلاق حقل نفطي تديره إسبانيا انتقاما لمذكرة اعتقال أصدرتها ضد واحد من أبناء حفتر بتهم تهريب السلاح.
وكان صدام حفتر، وهو شخصية عسكرية بارزة في جيش والده المسمى "الجيش الوطني الليبي" قد احتجز يوم الجمعة لساعة في مطار نابولي بإيطاليا، وذلك بعد ظهور اسمه على قاعدة بيانات الاتحاد الأوروبي العامة. وقال المقربون من حفتر إن الشرطة الإيطالية حققت معه فيما يتعلق بالاتهامات الإسبانية، لكنها أكدت أنه لم يعتقل، حسب التقرير.
وانخفض إنتاج النفط من حقل الشرارة في نهاية الأسبوع، وهو واحد من أكبر حقول النفط في ليبيا وبقدرة إنتاجية تزيد على 300,000 برميل في اليوم. ووصفت الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة والتي تعارض حفتر، التحرك بأنه "ابتزاز سياسي".
ونفت قوات حفتر، التي تسيطر على مناطق شرق وجنوب البلاد، حيث تقع معظم حقول النفط، أن تكون محاولة إغلاق حقل الشرارة جاءت للانتقام السياسي، لكنها زعمت أن الحقل يعاني من مشاكل متكررة تتعلق بالظروف التي يتعرض لها العمال.
وقالت الشركة الوطنية للنفط الليبية، الثلاثاء، إنها ستقوم بتخفيض الإنتاج تدريجيا نظرا للاحتجاجات قرب الحقل. وأكدت حركة فزان، وهي جماعة احتجاج محلية وأغلقت الحقل في السابق، أن لا علاقة لها بمحاولة الإغلاق الأخيرة.
وقال القيادي في حركة فزان، بشير الشيخ، إن "أمر صدام حفتر بإغلاق الحقل بمكالمة هاتفية ودون استخدام القوة العسكرية، في محاولة منه للرد على اعتقاله الجمعة الماضية في إيطاليا، وبناء على مذكرة اعتقاله في إسبانيا"، "ولا علاقة لي بإغلاق الحقل، وأرفض أن أتهم بذلك".
وذكرت صحيفة "كورنيكا غلوبال" ومقرها برشلونة، أن مذكرة الاعتقال جاءت بسبب مصادرة الشرطة الإسبانية العام الماضي معدات وأسلحة عسكرية كانت في طريقها للإمارات العربية المتحدة، ولكن من المفترض نقلها إلى شرق ليبيا.
ولم يعلق حفتر على مصادرة الشرطة الإسبانية، ولم تنجح محاولات "الغارديان" بالتواصل مع الجيش الوطني الليبي.
ولا تزال الأمم المتحدة تحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، لكن لم يتم فرضه إلا بشكل متقطع. ففي الفترة الأخيرة صادرت إيطاليا شحنة أسلحة كانت قادمة من الصين إلى حفتر. إلا أن الحادث الأخير يكشف عن الكيفية التي يحاول فيها قادة في ليبيا استخدام التهديد بإغلاق حقل نفط من أجل أجندة سياسية شخصية، حسب التقرير.
وقد عانت ليبيا من الانقسام السياسي بين الشرق والغرب منذ الانتخابات التي جرت في عام 2014 بعد سقوط معمر القذافي. ولم يتمكن المبعوثون الخاصون المتعاقبون للأمم المتحدة حل هذا المأزق، ويرجع ذلك جزئيا إلى استفادة النخبة السياسية على الجانبين من الوضع الراهن.
وبات البلد الغني بالنفط عالقا في وضع غريب، حيث بات يتعين عليه استيراد معظم وقوده وبيعه بعد ذلك محليا وبأسعار مدعمة. وهذه الممارسة ليست مكلفة فقط، بل وتشجع المهربين لبيع الوقود المدعم مرة ثانية إلى الأوروبيين وبربح. ويقع حقل الشرارة في صحراء مرزق، جنوب ليبيا، وهي منطقة فقيرة خاضعة لقوات حفتر منذ سنوات، وفقا للتقرير.
ووصف المبعوث الأممي السابق عبدالله باتلي، ليبيا بأنها "بلد مافيا" تسيطر عليه العصابات المتورطة في عمليات التهريب. وأضاف باتلي أن ليبيا أصبحت سوقا مفتوحة للسلاح المستخدم في التنافس الداخلي وخارج حدود البلد.
وطالما قال ساسة الشرق والغرب إنهم على خطوة واحدة من التوافق على انتخابات وطنية أو أنهم سيشكلون حكومة وحدة وطنية، ليظهر خطأ هذا.
ويرتبط حفتر بروسيا، وبحسب تقرير للمجلس الأطلنطي، فإن ليبيا باتت "مركزا مهما لموسكو في أفريقيا؛ نظرا لموقعها الجغرافي وعدم استقرارها السياسي". ويمنح موقع ليبيا الإستراتيجي على مفترق الطريق بين أوروبا وأفريقيا، موسكو بوابة لعملياتها في السودان وتشاد والنيجر ودول الساحل، وكذا استعراض القوة والتأثير في هذه المناطق، حسب مركز البحث الأمريكي.
وعبر السفير البريطاني في ليبيا، مارتن لونغدون، عن قلقه من تزايد التأثير الروسي.
وفي الأسبوع الماضي، قال النائب المحافظ السابق نيكولاس سومز وعضو مجلس اللوردات حاليا، والذي لاحظ أهمية حفتر للروس، إن الغرب "بحاجة لأن يستفيق لهذه اللعبة السياسية" التي يقوم بها فلاديمير بوتين في ليبيا، وفقا للتقرير.
وكتب سومز قائلا إن "هذه الصداقة الجديدة لم تمكنه فقط من إرسال قواته المرتزقة إلى البلاد وخارجها، ما أدى إلى زعزعة استقرار جزء كبير من منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا في هذه العملية، بل وسمحت له أيضا ببدء النقاشات حول بناء قاعدة غواصات نووية روسية جديدة في ميناء طبرق الليبي".
وأضاف أنه "بالنسبة لي، فهذا يستحضر سيناريو أزمة الصواريخ الكوبية، وهذه المرة في أوروبا الواقعة على مرمى حجر من البحر الأبيض المتوسط، كساحة حرب محتملة لغرب أوروبا.. وفي الوقت الذي تظل فيه أوكرانيا مهمة وبحاجة لدعم شامل، فعلينا عدم التفكير بأن بوتين يفكر فقط بحملة عسكرية واحدة".