تواصل الأطراف السياسية
العراقية، ولا سيما السنية
منها عقد لقاءات مستمرة بغية التوصل إلى اتفاق يحسم اختيار شخصية تتولى رئاسة
البرلمان بعد مضي نحو ثمانية أشهر على خلو المنصب عقب إطاحة القضاء العراقي
بالرئيس السابق محمد الحلبوسي بتهمة التزوير.
وطبقا للعرف السياسي السائد في العراق بعد الاحتلال
الأمريكي للبلاد عام 2003، فإن منصب رئيس البرلمان يذهب إلى المكوّن السني، ويتولى
الشيعة رئاسة مجلس الوزراء، بينما تكون رئاسة الجمهورية من حصة الأكراد، رغم أن
هذه التقسيمات لا أساس لها في دستور البلاد.
شخصية جديدة
وفي ظل
الحراك السياسي القائم، كشفت مصادر سياسية
عراقية خاصة لـ"
عربي21"، طالبة عدم الكشف عن هويتها أن "إرادة داخل
الإطار التنسيقي الشيعي تقضي بدعم مرشح جديد، بعد تعديل النظام الداخلي للبرلمان
يسمح بإعادة فتح باب الترشح للمنصب".
وأضافت المصادر أنه "رغم أن المحكمة الاتحادية
رفضت سابقا فتح باب الترشيح للمنصب مرة أخرى، وإنما الاستمرار بالتصويت للمرشحين
الحاليين، فإن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وعصائب أهل الحق بقيادة
قيس الخزعلي، يدعمون تولي النائب زياد الجنابي رئاسة البرلمان".
وأكدت المصادر أن "اجتماع الإطار التنسيقي، أمس
الاثنين، في منزل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي كان فيه توجه نحو تعديل النظام
الداخلي للبرلمان، لكن المحكمة الاتحادية ما زالت رافضة بشكل قطعي لهذا الشيء،
وهددت بنقض أي قرار بهذا الخصوص".
وكشف أن "رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني،
تكلم بشدة بخصوص إعادة فتح باب الترشح وكان رافضا له، وطلب الاستعجال بعقد جلسة
انتخاب رئيس للبرلمان، الذي كان مقررا أن تعقد، السبت المقبل".
وبيّنت المصادر أن "الإطار التنسيقي طلب
تأجيل عقد الجلسة، السبت، إلى ما بعد زيارة أربعينية الحسين (مناسبة شيعية) في 25
آب/ أغسطس الجاري، وذلك لصعوبة جمع النواب الشيعة المتواجدين في الزيارة".
المصادر ذاتها، رجّحت أن "يكون انسحاب النائب
زياد الجنابي من حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، وتشكيله كتلة مبادرون، تكتيكيا
للتفاهم مع القوى الشيعية بمعزل عن الأخير والوصول إلى رئاسة البرلمان بدلا من
تولي مرشح تحالف السيادة السني سالم العيساوي المنصب".
ولفتت المصادر إلى أن "تحالفي السيادة والعزم
السنيين رفضا الدفع الشيعي باتجاه إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئاسة البرلمان،
وإنما إجراء جولة ثالثة وترك الخيار للنواب للتصويت على أحد المرشحين السابقين،
سالم العيساوي ومحمود المشهداني".
وأشارت إلى أن "تحالف السيادة أبدى استعداده
للتنازل عن وزارة لصالح حزب تقدم مقابل التصويت إلى مشرحه سالم العيساوي، على
اعتبار أن القوى السياسية السنية تقاسمت المناصب وفقا لنظام النقاط بما يوازيها من
عدد مقاعد، وبالتالي فإن من يحصل على منصب عليه التنازل عن آخر".
صفقة مرتقبة
ورغم أن الإطار التنسيقي عقد اجتماعه يوم أمس
الاثنين، للتباحث في حسم موضوع رئاسة البرلمان، فإنه لم يصدر أي شيء رسمي بخصوص ما
خلص إليه المجتمعون، وسط تكهنات كثيرة لم يجر تأكيدها، سوى أن الإطار يصر على
اتفاق المكون السني على مرشح واحد.
وقال النائب عن الإطار التنسيقي مختار الموسوي
لـ"
عربي21" أن "الإطار دائما يؤكد للقوى السنية ضرورة أن تتفق فيما
بينها على مرشح واحد ثم تأتي إلى البرلمان حتى نصوّت عليه، وأعتقد أن النائبين
زياد الجنابي وخالد العبيدي مرشحان جديدان للمنصب".
وأوضح الموسوي أن "الإطار التنسيقي يصر على أن
تتفق القوى السنية على شخص واحد من أجل طرح ترشيحه في البرلمان، لأن المجلس أخفق
لأكثر من مرة في التصويت على مرشح واحد من المرشحين السابقين في جولتين جرتا سابقا".
وأردف: "ليس لدي جواب بخصوص قرار المحكمة
الاتحادية، لكن أي شخص يطرحه السُنة من الممكن أن يمرر في البرلمان، لكن لا علم
لدي عن مدى موافقة الإطار التنسيقي على تعديل النظام الداخلي وقبول ترشيح شخصيات
جديدة للمنصب".
وفي السياق ذاته، قال النائب المستقل هادي السلامي
لـ"
عربي21" إن "توزيع المناصب في العراق خاضع للصفقات والحسابات
الكثيرة، وإن مكونات ائتلاف إدارة الدولة الذي يضم القوى السنية والشيعية والكردية،
تقاسمت كعكعة المناصب بينها، وزراء ووكلاء ومحافظين وغيرهم".
وأردف السلامي، قائلا: "بالنسبة لنا نحن النواب
المستقلين لسنا ملزمين باتفاق القوى السياسية، لكننا ملتزمون بالقانون والدستور،
وبعيدون كل البعد عن ما يجري من صفقات وبيع وشراء للمناصب في الدولة".
وتابع: "المستقلون طلبوا من المرشحين لرئاسة
البرلمان بتسجيل حضور النواب وتصويتهم إلكترونيا، وتعزيز الرقابة بهذا الصدد، لأن
عدّ أصوات النواب يكون بشكل تقديري اليوم، وهذا يُعد خرقا كبيرا".
وأشار السلامي إلى أن "الأحزاب والكتل السياسي
التي تدير السلطة في البلد إذا حصلت على وزارة أو منصب في الدولة من الممكن أن
توافق على أي شيء وتمرره، واليوم كل هذه الأمور خاضعة للصفات المالية وعقود
المشاريع والمقاولات وغيرها".
وخلص النائب المستقل إلى أن "الصراع على السلطة
والنفوذ في العراق، يجعل كل شيء واردا، لأن هذا الأمر حصل سابقا مرات عدة،
وبالتالي فإن من المتوقع أن يمضي موضع حسم رئاسة البرلمان أو غيره ضمن هذا السياق".
جبهتان سُنيتان
وعلى الصعيد ذاته، اجتمعت قوى برلمانية سنية،
الثلاثاء، وأصدرت بيانا أعلنت فيه الاتفاق "على ترشيح مرشح جديد لتولي منصب
رئيس البرلمان، وتقديمه إلى الكتل السياسية الوطنية الموقَّرة لتأييد الترشيح
وحصول القبول الوطني لحسم هذا الاستحقاق، والعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح
باب الترشيح، وانتخاب رئيس السلطة التشريعية المُرشَّح من الغالبية السنية الواضحة
المطلقة".
وذكر البيان أن الكتل المجتمعة يصل عدد نوابها إلى 55 نائبا، وضمن كل من: "حزب تقدم، حزب الجماهير الوطنية، تحالف الحسم الوطني،
كتلة الصدارة، المشروع الوطني العراقي، كتلة المبادرة".
في المقابل، أكد تحالفا السيادة والعزم والنواب
السنة في كتلة العقد والمستقلين، خلال بيان مشترك، الأسبوع الماضي، الإبقاء على
الأسماء المرشحة سابقا لمنصب رئيس البرلمان.
وقالت هذه الكتل في بيان خاطبت فيه قيادات الإطار
التنسيقي إنه "بعد التشاور مع النواب للكتل السنية والتداول والحوار المعمق
فقد ارتأى الجميع اللجوء إلى احترام الأطر القانونية في الانتخاب والإبقاء على
الأسماء المرشحة سابقا وفقا للنظام الداخلي وقرارات المحكمة الاتحادية".
ودعا إلى "منح أعضاء البرلمان الحرية في اختيار
من يرونه مناسبا لهذه المهمة"، و"لقد أكدنا مرارا على ضرورة
احترام خيارات المكونات والحفاظ على الأعراف والتقاليد السياسية والدستورية التي
قامت عليها العملية السياسية في العراق الجديد".
وفي 18 أيار الماضي، فشلت القوى السياسية في حسم
انتخاب رئيس جديد للبرلمان، بعد جلسة ماراثونية شهدت ثلاث جولات تصويت لأربعة
مرشحين، انحصر التنافس في الجولتين الأخيرتين بين محمد المشهداني مرشح الحلبوسي،
وبين سالم العيساوي مرشح كتلتي "السيادة" و"العزم".
وتقدم العيساوي على المشهداني، مرشح تحالف
"تقدم"، في الجولة الثانية لانتخاب رئيس للبرلمان، بـ158 صوتا، مقابل
137 لمنافسه، ووفقا للدستور فإنه يحتاج الفوز بالمنصب إلى نسبة 50 بالمئة زائد واحد، أي
بواقع إلى 165 صوتا من مجموع 329 نائبا.