نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية مقالا للصحفي إيشان ثارور، قال فيه إن الحرب التي اتّسمت بكارثة تلو الأخرى، وصلت إلى مرحلة قاتمة جديدة، حيث أعلنت وزارة الصحة في
غزة، الخميس، أنّ حصيلة الشهداء في القطاع وسط الهجوم الإسرائيلي المستمر، تجاوزت 40 ألف شخص.
وقال إن هذه الإحصائية قاتمة في حد ذاتها، وإن كانت تتضمن أيضا في نطاقها المذهل للدمار في غزة الأضرار القابلة للقياس التي أطلقها قصف الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على القطاع، والحجم غير القابل للقياس من البؤس والمعاناة الذي يعيشه السكان الجائعون، ممّن يكافحون من أجل الأمان في غزة، حيث لا تبدو أي منطقة آمنة.
وبحسب المقال نفسه، فإن شدّة الصّراع أدّت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، إلى استحالة التحقّق المستقل من البيانات. وتقول بعض جماعات حقوق الإنسان إن العدد بحساب وزارة الصحة أقل من العدد الحقيقي، في حين كثيرا ما تقلّل دولة الاحتلال الإسرائيلي ومناصروها من شأن الأرقام.
وقد أشارت تقارير الصحيفة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين اتّهموا الفلسطينيين في بعض الأحيان بالمبالغة في تقدير عدد الشهداء المدنيين. ولكن في تموز/ يوليو، قالت قوات الاحتلال الإسرائيلية، عبر بيان، "إن نحو 14 ألف مسلح تم القضاء عليهم أو القبض عليهم، وهذا يعني أن المقاتلين ربما يشكّلون أقل من نصف القتلى". فيما لم يقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي أدلة على ذلك.
وفي يوم الخميس الماضي، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتحديث تقديراته إلى 17 ألف مسلح، رغم أنه لم يوضح كيف حسب الرقم الجديد.
وفي السياق نفسه، أوضحت تقارير
الصحيفة، أن الصّراعات السابقة في غزة كشفت أن "إحصاءات وزارة الصحة المحلية عن الضحايا كانت موثوقة على نطاق واسع". ولم يجد الباحثون الذين نشروا في مجلة "لانسيت" الطبية البريطانية، أي دليل على أي سجلّ حافل بالأرقام المبالغ فيها من قبل السلطات الصحية في غزة.
وتابعت بأنه: "قبل أن ينهار النّظام الطبي في المنطقة فعليا، ووسط الحملة العسكرية الإسرائيلية، نشر المسؤولون المحلّيون قوائم متعددة بالقتلى وحالات تم فحصها لأشخاص أبلغ أفراد أسرهم عن وفاتهم".
قال مايكل سباجات، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة لندن والذي يدرس الخسائر في الصراعات المسلحة، للصحيفة: "إن المعلومات التي لدينا عن هذا الصراع أفضل كثيرا من كل الصراعات البارزة الأخيرة على الأرجح"، مشيرا إلى الأرقام المتداولة في الحروب الجارية في أوكرانيا وإثيوبيا وسوريا والسودان.
وقال مسؤولون من الأمم المتحدة ومسؤولون محلّيون أن الجزء الأكبر من الشهداء هم من النساء والأطفال. فيما قالت فكر شلتوت، وهي مديرة البرامج في غزة لمنظمة الإغاثة الطبية للفلسطينيين ومقرها بريطانيا: "هل تعلم ماذا يعني أن تفقد 40 ألفا من شعبك؟ هذا يعني أن 40 ألف امرأة وطفل وشاب وبالغ وشيخ لن يكونوا هناك بعد الآن. لن يكبر الأطفال أبدا. لن يذهبوا إلى المدرسة أو الجامعة أبدا. لن تلد النساء، ولن يكنّ هناك لاحتضان أطفالهن".
وفي تصريحات أدلى بها، الخميس الماضي، أشار فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، إلى عدد لا يحصى من الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي من جانب كلا الطرفين في الصراع، لكنه أشار إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي باعتباره المحرك الرئيسي للمعاناة الفلسطينية.
وقال تورك، في بيان: "هذا الوضع الذي لا يمكن تصوره يرجع بشكل كبير إلى الفشل المتكرر من جانب القوات الإسرائيلية في الامتثال لقواعد الحرب". مضيفا: "في المتوسط، قُتل حوالي 130 شخصا كل يوم في غزة على مدى الأشهر العشرة الماضية. إن حجم تدمير الجيش الإسرائيلي للمنازل والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة صادم للغاية".
وأشارت الأبحاث التي دقّقها النظراء في مجلة "لانسيت" في وقت سابق من هذا العام، إلى أن الخسائر الحقيقية في غزة أعلى من ذلك بكثير. وفي تموز/ يوليو، أشاروا إلى استشهاد ما يصل إلى 186 ألف فلسطيني في غزة، وهو ما يقرب من عُشر السكان، يمكن أن يعزّى إلى الصراع الحالي، مشيرين إلى آلاف الجثث التي لا تزال عالقة تحت الأنقاض، والوفيات الناجمة عن سوء التغذية والأمراض التي تضرب المنطقة.
كذلك، أطلَعت روزماري ديكارلو، وهي وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، مجلس الأمن، الثلاثاء الماضي، عقب حادث آخر أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الشهداء في غزة، عندما ضربت القنابل مدرسة تؤوي آلاف النازحين الفلسطينيين، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 100 شخص، بما في ذلك العديد من الأطفال.
وقالت: "لا يوجد مكان آمن في غزة، ومع ذلك لا يزال المدنيون يتلقون الأوامر بالإخلاء إلى مناطق متقلصة باستمرار"، مؤكدة على "الحاجة الماسّة إلى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، وتحرير الأسرى، وزيادة المساعدات الإنسانية".
وتجري محادثات بشأن وقف إطلاق النار مرة أخرى في العاصمة القطرية الدوحة. حيث اجتمع كبار المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين مع محاورين قطريين ومصريين، على أمل تحقيق اختراق أفلت حتى الآن من دبلوماسيي المنطقة.
وكان يلوح في الخلفية التهديد بالعمل العسكري من جانب إيران ووكيلها اللبناني الرئيسي، حزب الله، ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، في "انتقام" مفترض لاغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب، إسماعيل هنية، في طهران. وقد يتأخر هذا الهجوم حتى تستمر الدبلوماسية، أو ربما حتى تنقذ إيران، التي تخشى التصعيد الكامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ماء وجهها.
قال أحد الأفراد المقربين من حزب الله، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، لمراسلي الصحيفة: "يمكننا أن نقول إن حزب الله لن يشنّ عملية انتقامية خلال محادثات قطر، لأن الحزب لا يريد أن يتحمّل المسؤولية في عرقلة المحادثات أو الصفقة المحتملة، يمكن للانتقام أن ينتظر، فهو ليس متعجلا وليس له حد زمني".
وفي الوقت نفسه، في الضفة الغربية، هاجم عدد من المستوطنين قرية فلسطينية، وأحرقوا المنازل، وقتلوا شخصا واحدا على الأقل، في غارة. لقد أدان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحادث، لكنّه يعكس تطرّف حركة المستوطنين التي شجعها نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف.
ومع استشهاد عشرات الآلاف في غزة، صعدت دولة الاحتلال الإسرائيلي من استيلائها الفعلي على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. فيما قال مراسلو الصحيفة، عبر تقييم مفصل لتعدّيات المستوطنين، الخميس: "وافقت الحكومة على الاستيلاء الاستراتيجي على الأراضي، ما يقرب من 6000 فدان هذا العام وحده، وبناء المستوطنات الكبرى، وتصعيد هدم الممتلكات الفلسطينية، وزيادة دعم الدولة للبؤر الاستيطانية المبنية بشكل غير قانوني".
وأضافوا: "بينما تصر إدارة بايدن على أن أي حل دبلوماسي للحرب في غزة يتضمّن مسارا إلى دولة فلسطينية مستقلّة، فإن المستوطنين اليهود المتطرفين وداعميهم السياسيين من اليمين المتطرف، الذين صعدوا إلى أعلى مستويات الحكومة الإسرائيلية، يعيدون رسم الخريطة في الوقت الفعلي، ما يجعل حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات السلام السابقة مستحيلا فعليا".