قلق وترقّب من حجر صحّي جديد، ومن إجراءات طارئة قد تُسيطر على أجواء عدد من الدّول، فيما ذهب عدد من الأشخاص، عبر العالم، في تذكّر مجريات الأحداث سابقا، حيث ظهر فيروس "كورونا"، وذلك مُباشرة عقب إعلان منظمة
الصحة العالمية، الأربعاء، أن "
جدري القردة بات يُعدّ "حالة طوارئ صحية عامة عالميا"، وهو أعلى مستوى تأهّب بالمنظمة.
قرار الصحة العالمية، أتى مباشرة عقب امتداد تفشّي "المرض" من جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أودى بحياة 548 شخصا، منذ مطلع العام، إلى عدد من الدول المجاورة.
وكان وزير الصحة السويدي، سامويل روجيه كامبا، قد أعلن الخميس، عن "رصد أول إصابة به خارج أفريقيا في السويد". فيما رفع المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، الجمعة، درجة التأهب من "جدري القردة".
وقالت مديرة هيئة الصحة العامة في الاتحاد الأوروبي، إن "أوروبا سوف تشهد مزيدا من الإصابات الوافدة بالسلالة الجديدة من جدري القردة، خلال الأسابيع المقبلة، إلاّ أن خطر استمرار انتقال المرض يظل منخفضا". وقالت الصين، الجمعة، إنها تعتزم مراقبة تفشي جدري القردة بين الأشخاص القادمين، والبضائع التي يدخلونها البلاد خلال الأشهر الستة المقبلة.
ما هو "جدري القردة"؟
من أجل التعرّف أكثر عن ماهية المرض، وطرق انتقاله، ناهيك عن طرق الوقاية منه، تحدّثت "عربي21" مع الطيب حمضي، وهو طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية، الذي قال: "الفيروس موجود منذ زمن بعيد، على مستوى بعض دول وسط غرب أفريقيا وبعض المناطق الغابوية، وكان يصيب الناس الذين يكون لهم تعامل مباشر مع الحيوانات ويعيشون معها ويأكلون لحومها".
وأوضح حمضي في حديثه لـ"عربي21"، أن "مستوى انتشاره كان محدودا على المستوى العالمي، وبالضبط على مستوى جمهورية الكونغو الديمقراطية وبعض الدول القريبة منها في الغابات والمناطق الريفية البعيدة"، مضيفا: "عام 2022 انتشر هذا الفيروس أكثر بين الناس، خاصة بين فئة المثليين، لكن وبالرغم من ذلك تم التحكم في انتشار هذا الوباء".
"الآن أصبح منتشرا على مستوى 15 دولة أفريقية منها دول لم يسبق لها أن انتشر بها هذا الفيروس"، حسب متابعة الباحث في السياسات والنظم الصحية، مردفا: "سرعة انتشار
الفيروس الجديد هو ما يزيد من حجم الخوف، بالإضافة إلى تحوّره ومعدل الإماتة المرتفع، أي ما يناهز حوالي 3 في المئة، فضلا عن غياب لقاحات خاصة به وأدوية لمحاربته".
أما بخصوص طرق انتقاله، أوضح حمضي أن "جدري القردة على مستوى جلد الإنسان أعراضه أقل من أعراض مرض الجدري البشري، الذي تم القضاء عليه منذ سنين، غير أنّها أقوى من أعراض مرض جدري الماء أو ما يسمّى في المغرب مثلا :بوشويكة".
وأكّد أن "أعراض المرض تبدأ بآلام في الرأس وارتفاع في درجة الحرارة، وألم في المفاصل وانتفاخ على مستوى الغدد، فضلا عن الإرهاق والحمى، بالإضافة إلى طفح جلدي ينتشر في كامل جسد الإنسان، ويمكن أن يصيب حتى العينين".
خطورته في انتشاره
"له عدّة مضاعفات خطيرة على صحة الإنسان، وقد يؤدي إلى الوفاة؛ حيث إنه بحسب التقديرات الحالية، 3 في المصابين يمكن أن ينتهي بهم الأمر بالوفاة"، استرسل حمضي في حديثه لـ"عربي21"، مبرزا أن "رقم 3 في المئة يظلّ تقديرا أوليا، والتقدير الأولي يكون دائما أكبر، على أن يتم تأكيد الرقم الحقيقي عمّا قريب".
إلى ذلك، قال حمضي إن "طرق انتشار "جدري القردة" لا زالت لم تعرف كلّها بعد، وهو ما يتيح له فرصة الانتشار أكثر فأكثر، وكلما انتشر أكثر كانت خطورته أكبر"، في إشارة إلى أنه ليس حديث الظهور، إذ تم اكتشافه سنة 1958 في أحد المختبرات بدولة الدانمارك، بعدما تم إجراء تجارب على قردة تم جلبها من بعض الدول الأفريقية.
وأشار حمضي إلى أن "أول إنسان أصيب بهذا الفيروس هو مواطن كونغولي، خلال عام 1970، وبقي المرض منحصرا في دول وسط وغرب القارة الأفريقية حتّى عام 2022، قبل أن ينتشر في بعض الدول الأخرى خاصة في صفوف المثليين من الرجال؛ كما تنتشر أيضا بين الأطفال بالرغم من عدم وجود علاقات جنسية بينهم؛ إذ أنه ينتشر داخل المدارس وداخل الأسر، وينتشر كذلك حتى عن طريق التماس أو الاحتكاك بين الناس وكذلك السوائل، أو حتى بعض المواد الملوثة".
أي تلقيح؟
أبرز الباحث في السياسات والنظم الصحية، في حديثه لـ"عربي21" أن "اللقاحات التي تستعمل حاليا لمواجهة هذا النوع من الفيروسات، هي نفسها التي كانت تستعمل لمحاربة مرض الجدري البشري، الذي تم القضاء عليه سنة 1980، قبل أن يودي بحياة الملايين عبر العالم".
"تم استعمال بعض هذه اللقاحات خلال عام 2022، فقط على مستوى بعض الدول الغنيّة، وكانت نسبة نجاحها حوالي 85 في المائة ضد فيروس جدري القردة، أما الدول الأفريقية والدول الفقيرة فإنها لم تصلها هذه اللقاحات، وهو ما جعل الفيروس ينتشر فيها أكثر".
وفي هذا السياق، كانت سانيا نيشتار، وهي الرئيسة التنفيذية للتحالف العالمي للقاحات والتحصين "جافي"، قد أعلنت أن "التّحالف يتوفّر على ما يصل إلى 500 مليون دولار لينفقها على توفير لقاحات لدول تشهد بؤر جدري القردة في أفريقيا".
وأوضحت نيشتار أن "الأموال المتاحة للقاحات جاهزة للتصرف فيها، لكن هناك عقبات تتعلّق بقبول الطلبات الرسمية للحصول على اللقاحات من الدول المتضررة، إضافة إلى إقرار اللقاحات من منظمة الصحة العالمية".
وبحسب وزارة الصحة الأمريكية، عبر بيان لها، الأربعاء الماضي، فإن "اللقاح سيكون عنصرا أساسيا للحد من انتشار الوباء". فيما تبرّعت الولايات المتحدة بخمسين ألف جرعة من لقاح جينيوس المعتمد من هيئة الغذاء والدواء (FDA) لجمهورية الكونغو الديموقراطية.
كذلك، كان مختبر الأدوية الدنماركي "بافاريان نورديك"، قد أعلن عن استعداده لإنتاج ما يصل إلى 10 ملايين جرعة من اللقاح بحلول عام 2025.
حقيقة أم مؤامرة؟
وفي الوقت الذي بات القلق يُساور عددا من العلماء والأطبّاء، حول العالم، بخصوص انتشار سلالة جديدة من "جدري القردة"، بحثا عن حلول ناجعة للتخلّص منه، ذهب عدد من رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بالقول إنّ "الأمر لا يتعدّى أكثر من كونه مؤامرة، من أجل إحداث أسواق جديدة للقاح"، فيما قال البعض إنه "فيروس مُحدث بتقنيات الذكاء الاصطناعي".
ورصدت "عربي21" عددا من التغريدات، على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، يقول ناشروها إنّ الفيروس الجديد ما هو إلّا رغبة في تحقيق ما يسمّونه "المليار الذهبي"، أو أنّه "مؤامرة جديدة تغزو العالم".
سبعة عوائل تتحكم في الكره الارضيه تخطط وتنفذ وتقرر امراض وكوارث .. من اجل مصالحها الشخصيه
كذبة
#منظمة_الصحة_العالمية يختصرها هذا المقطع
pic.twitter.com/1B8jGufvUB
تجدر الإشارة إلى أن جدري القردة (Mpox)، المعروف كذلك باسم monkeypox، تم اكتشافه لأول مرّة، خلال عام 1958، عندما حدثت حالات تفشي لمرض "شبيه بالجدري" بين القرود، وإلى وقت قريب رصدت معظم الحالات البشرية لدى أشخاص في وسط وغرب أفريقيا، حيث كانوا على اتصال وثيق بعدد من الحيوانات المصابة.