تناول المصريان المحكومان بالإعدام في قضايا
مخدرات وليد ويوسف العشاء من دون أن يعرفا أنها وجبتهما الأخيرة، إذ أعدمتهما
السلطات
السعودية دون سابق إنذار صبيحة اليوم التالي، ما يثير رعب رفاقهما في
الزنزانة الذين باتوا ينتظرون الموت بأي لحظة.
وفي سجن تبوك في شمال غرب السعودية، يعيش أكثر من
50 متهما محكومين بالإعدام في قضايا تهريب مخدرات إلى المملكة الخليجية الثرية في
خوف وترقب، مع تسريع وتيرة تنفيذ أحكام
الإعدام على خلفية قضايا قتل ومحاولة تهريب
مخدرات خصوصا.
ومنذ أيار/ مايو، أعدمت السعودية 28 شخصا في تهم
مرتبطة بالمخدرات، في مقابل شخصين فقط في 2023.
وقال محمد وهو شاب مصري مدان بشكل نهائي فضّل أن
يستخدم اسما مستعارا لحساسية المسألة لوكالة "فرانس برس": "كل
أسبوع تقريبا هناك حالة إعدام على الأقل في جناحنا. نحن في انتظار قاتل وبطيء
للموت".
أُوقف الشاب البالغ 40 عاما والذي كان يعمل في
القطاع الفندقي في الرياض في 2015 فيما كان يتسلّم شحنة أثاث اتضح أنها محشوة
بالمخدرات. ورغم أنّه لم يعترف قط بمسؤوليته عن الشحنة، صدر حكم بالإعدام في حقه
واثنين آخرين وتم تأكيده في 2018. وهو ينتظر التنفيذ مذاك.
وأعلنت هيئة حقوق الإنسان السعودية في كانون
الثاني/ يناير 2021 أنَّ المملكة فرضت وقفًا على تنفيذ عمليات الإعدام في ما يخص
الجرائم المتعلقة بالمخدرات، مشيرة إلى "التركيز أكثر على إعادة التأهيل
والوقاية". وقال الشاب الذي لم يبلغ أسرته بحكم إعدامه: "شعرنا بارتياح
وفرحة شديدة حين سمعنا بوقف الإعدام في قضايا المخدرات"، وتابع: "شعرت
أنّ الحياة أعطتني فرصة ثانية".
إلا أن السعودية أعدمت 19 شخصا في تشرين الثاني/ نوفمبر
2022 حين عاودت تنفيذ عقوبة الإعدام في هذا النوع من القضايا بعد توقف دام حوالي عامين.
وبات تنفيذ 15 حكما بالإعدام في قضايا مخدرات
خلال تموز/ يوليو الفائت فقط، يقض مضاجعه وزملاء زنزانته.
وتابع بقلق بالغ: "لا ندري من عليه الدور.
ربما أنا أو رفيقي الأقرب. إذ لا يتم إبلاغنا مسبقا لتوديع ذوينا أو حتى الاستعداد
نفسيا".
وأضاف منتحبا: "الإعدام في قضايا المخدرات
مبالغ به جدا. أنا لم أقتل أحدا. سأكون راضيا بالسجن 40 عاما".
وتقول السلطات إنّ هذه الإعدامات تتوافق مع
الشريعة الإسلامية وتهدف إلى حماية سكانها "من آفة المخدرات، وإيقاع أشد
العقوبات بحق مهربيها ومروجيها".
حرب على المخدرات
وفي نهاية 2022، قالت الأمم المتحدة إنّ فرض
عقوبة الإعدام على جرائم المخدرات "تتعارض مع القواعد والمعايير
الدولية"، داعية السلطات السعودية إلى "اعتماد قرار رسمي بوقف تنفيذ
أحكام الإعدام في جرائم المخدرات والتخفيف من أحكام الإعدام (القائمة) وضمان الحق
في محاكمة عادلة لجميع المتهمين".
وأطلقت السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم
العربي وإحدى أكبر أسواق مخدر الكبتاغون في الشرق الأوسط، في نيسان/ أبريل 2023،
أكبر حملة ضد المخدرات، تشهد توقيف مروجين ومتعاطين في الطرق العامة عبر البلاد.
ولا يمكن معرفة ما هو سبب زيادة الإعدامات أخيرا.
ولم ترد السلطات السعودية على أسئلة وكالة "فرانس برس" بخصوص استئناف
أحكام الإعدام في قضايا المخدرات.
وقالت الباحثة في "المنظمة الأوروبية
السعودية لحقوق الإنسان" ومقرها في برلين دعاء دهيني إنّ زيادة الإعدامات
"أتت بعد عام تقريبا من إطلاق حملة قاسية ضد المخدرات سجلت فيها انتهاكات
واسعة، من بين ذلك اعتقالات جماعية".
وتابعت: "بالتالي، نعتقد أن هذه الحملات
جعلت السجون الجنائية أكثر اكتظاظا، ويبدو أن عمليات الإعدام الأخيرة هي محاولة
لإغلاق بعض القضايا العالقة".
وبعدما نفذت 19 إعداما في قضايا مخدرات في نهاية
2022، توقفت المملكة عن هذا النوع من الإعدامات لـ 9 أشهر، قبل أن تستأنفه مجددا
في أيار/ مايو 2023. وتعارض ذلك مع تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن
سلمان، الحاكم الفعليّ للسعودية، في مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" في
2022 أنّ المملكة تخلصت من عقوبة الإعدام باستثناء حالات القتل أو عندما يهدد شخص
ما حياة الكثير من الأشخاص.
"اعدموني الآن"
بالنسبة للشاب شادي، وهو اسم مستعار لمدان مصري
يبلغ 34 عاما، فإنّ "الواقع يختلف عن حديث ولي العهد تماما".
وأوضح الشاب الموقوف منذ 2018 والذي صدر في حقه
حكم بالإعدام في العام التالي أنّه كان يعمل مندوبا للمبيعات في مدينة جدة
الساحلية في مقابل 6 آلاف ريال شهريا (1600 دولار) ولم يكن "بحاجة إطلاقا
للمخاطرة بتجارة المخدرات"، حسب قوله.
وقال من منطقة من سجن تبوك مخصصة للسجناء الذين
سيتم إعدامهم: "أنا مظلوم ولم أنل حقي في محاكمة عادلة على الإطلاق ولم يكن
لدي محام يدافع عني".
وأكدت الدهيني "وجود شوائب عامة تكتنف
قضايا المهددين بالقتل وخصوصا في قضايا مخدرات"، من بينها "تعرضهم
للتعذيب وسوء المعاملة وعدم حصولهم على الحق في الدفاع الكافي عن النفس".
وذكر تقرير حديث لمنظمتها أنّ "السعودية
رفضت توصية تتعلق بوقف الإعدامات على جرائم المخدرات" خلال الاستعراض الدوري
لوضعها الحقوقي في مجلس حقوق الإنسان.
ولم تعلق السلطات السعودية على الأمر.
ومنذ وصول الأمير محمد إلى منصب ولي العهد في
2017، تتّبع السعودية أجندة إصلاحية طموحة تُعرف باسم "رؤية 2030" تهدف
إلى تحويل المملكة التي كانت مغلقة سابقًا إلى وجهة سياحية وتجارية عالمية وتعتمد
إصلاحات اجتماعية. لكنّها تتعرّض لانتقادات بسبب سجلّها في حقوق الإنسان والتضييق
على الحق في التعبير خصوصا.
ونفذت السعودية 150 حكما بالإعدام خلال العام
الحالي، في مقابل 170 في 2023.
وبالنسبة للمتهم شادي فإنّ "انتظار حكم
الإعدام بمثابة تعذيب قاس. طالما ستعدمونني بنهاية المطاف. اعدموني الآن".