تحذيرات متجددة أطلقتها
سلطة النقد الفلسطينية، هي المؤسسة القائمة بأعمال البنك المركزي، من تداعيات استمرار امتناع
الاحتلال الإسرائيلي عن استقبال
الشيكل المتراكم لدى البنوك العاملة في الأسواق الفلسطينية بالضفة الغربية.
القصة قديمة حديثة وتعود إلى عدة سنوات ماضية، إلا
أنها تفاقمت منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر
الماضي، فيما لم تصدر سلطة النقد أي توضيحات بشأن أسباب تأخر الاحتلال في استقبال
الشيكل المتراكم.
فنيّا، يقصد بتكدس الشيكل، وجود كتلة نقدية من العملة
الإسرائيلية تفوق قدرة الأسواق الفلسطينية والبنوك العاملة فيها على استيعابها،
وهنا يكون البنك المركزي الإسرائيلي مطالبا بامتصاص الشيكل المتكدس؛ كونه الجهة
المصدّرة للعملة.
وبحسب بيانات تعود لسلطة النقد الفلسطينية، تفوق
الكميات التي تتكدس سنويا لدى القطاع المصرفي الفلسطيني 18 مليار شيكل، بينما
تجاوزت في السنوات القليلة الماضية حاجز 22 مليار شيكل.
وحتى عشية الحرب الإسرائيلية على غزة، كانت سلطة
النقد الفلسطينية وبنوك إسرائيلية، تنسقان لتحويل الكتلة النقدية الفائضة، بمتوسط
ربع سنوي يبلغ تقريبا 4 مليارات شيكل.
لماذا تنشأ؟
يعدّ الشيكل أداة الدفع والأجور الرئيسية في السوق
الفلسطينية، وهو العملة المعتمدة إلى جانب الدولار الأمريكي والدينار الأردني، وفق
بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994.
وتنشأ أزمة تكدس الشيكل لدى البنوك بسبب عدة عوامل،
أبرزها مدفوعات التجارة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ما يجعل النقد يتحرك
بين الطرفين.
كذلك، ورغم تراجع عدد العمالة الفلسطينية في أراضي
الداخل المحتل منذ اندلاع الحرب على غزة، فإن أجور تلك العمالة تتم بالشيكل، حيث
تنتقل هذه العملة من "إسرائيل" إلى الأراضي الفلسطينية.
ثمة عامل آخر يتمثل في مشتريات فلسطينيي الداخل من
أسواق الضفة الغربية، وعلى إثرها ينتقل جزء من الكتلة النقدية الإسرائيلية إلى
الضفة الغربية.
هذه النقطة الأخيرة، تعززت أكثر في السنوات القليلة
الماضية، مع تحديد الاحتلال الإسرائيلي تعاملات الكاش بمبلغ 11 شيكلا للأفراد، وأي
مشتريات فوق هذا الرقم، يجب أن تكون من خلال أدوات دفع أخرى غير الكاش.
وهنا، وجدت شريحة من فلسطينيي الداخل ومن جانب
إسرائيليين بدرجة أقل، في الضفة الغربية قناة لتلبية المشتريات فوق هذه المبالغ،
والدفع كاش، لتجاوز القيود الإسرائيلية.
كما أن عاملا آخر بحسب مصادر مصرفية فلسطينية، تحدثت
للأناضول، تتمثل في انتقال أموال بعملة الشيكل عبر الحدود بين الضفة الغربية
وإسرائيل، وتصريفها في الأسواق المحلية.
ما التبعات؟
مع تصاعد أزمة تكدس الشيكل لدى البنوك، تصبح المصارف
في وضع يجعلها بشكل متباين غير قادرة على استقبال ودائع من عملائها بالعملة الإسرائيلية.
ومرد هذا الرفض من جانب البنوك، أنها تحدد حجم
الكتلة النقدية بكل عملة لديها، في وقت تجاوزت كتلة الشيكل المستويات التي تنص
عليها الأنظمة الداخلية لكل مصرف.
وأصبحت خزائن بعض البنوك تتكدس بعملة الشيكل، فيما
اضطرت أخرى إلى وضع الكتلة النقدية في أكياس مخصصة للقمامة بسبب امتلاء الخزائن،
بحسب مشاهدات مراسل الأناضول لإحداها.
هنا، ومع تكدس العملة الإسرائيلية، ينشأ ما يسمى
"الشيكل الخامل"، الذي لا تستطيع البنوك استثماره عبر إقراضه، ومن ثم تبقى الكتلة النقدية خاملة لديها.
ستكون البنوك في هذه الحالة أمام تكلفة تأمين عليها؛ لأن كل شيكل أو دولار أو دينار يدخل المصرف يتم التأمين عليه؛ تجنبا لأي تطورات
قد تفقدها هذه العملة.
كما أن البنوك ستتحمل كلفة تخزين هذا النقد لديها ما
دام غير مستثمر في قنوات أخرى، وستكون كذلك أمام كلفة نقله من مكان لآخر، سواء بين
الفروع، أو عندما تحل أزمة التكدس وتوافق البنوك الإسرائيلية على استقباله،
ومن ثم يتم شحنه والتأمين على عملية الشحن كذلك.
كل هذه التكاليف المالية تسجل نفقات على البنوك،
وتؤثر بنهاية المطاف في نتائجها المالية، والأهم أن قيمة الشيكل أمام هذه التكاليف
ستكون أقل فعليا من شيكل.
وما دام أن المال أو "الودائع المصرفية"
هي وقود العمل المصرفي، فإن وجود عملة خاملة غير مستثمرة، تعد عبئا عليها، وتزيد
التكاليف التشغيلية على تلك البنوك.
ويعمل في السوق الفلسطينية 13 مصرفا محليا ووافدا،
بواقع 7 بنوك محلية و6 وافدة، منها 5 أردنية ومصرف مصري واحد.