سجلت الدولة
اللبنانية في السنوات الأخيرة تحولات ديموغرافية كبيرة، حيث لوحظ تراجع ملموس في معدل النمو السكاني.
ووفقًا للأرقام التي أصدرتها المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية اللبنانية للفترة بين عامي 2020 و2023، والتي تمت مقارنتها مع البيانات من 2016 إلى 2019، تبيّن أن نسبة التراجع في النمو السكاني وصلت إلى حوالي 40%.
وأظهرت مراجعة لأعداد الولادات والوفيات في عام 2023 حسب الأقضية، أن
الزيادة السكانية كانت طفيفة أو شبه معدومة في المدن.
أما في المناطق الزراعية، وخاصة في المناطق ذات الأغلبية الإسلامية مثل بعض المناطق في الشمال مثل عكار، وصور وضواحيها جنوبًا، فقد سُجلت معدلات نمو سكاني أعلى.
والأهم من ذلك، أن المراجعة كشفت أن المجتمع اللبناني يتجه نحو
الشيخوخة، ما يثير تساؤلات حول المستقبل الديموغرافي للبلاد وتأثيراته المحتملة على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
الأرقام تتحدث
ووفقا للأرقام، فقد شهد لبنان بين عامي 2016 و2019 ولادة 354,866 شخصًا مقابل 100,771 حالة وفاة، ما أدى إلى زيادة سكانية قدرها 254,095 شخصًا، بمتوسط سنوي بلغ 63,523 شخصًا.
لكن هذه الأرقام تغيرت بشكل كبير بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، حيث انخفض عدد الولادات في الفترة من 2020 إلى 2023 إلى 271,913 شخصًا، بينما ارتفع عدد الوفيات إلى 119,101 حالة.. ما أسفر عن زيادة سكانية قدرها 152,812 شخصًا فقط، بمتوسط سنوي بلغ 38,203 شخصًا.
ويتبين عند مقارنة هذه الفترات٬ أن النمو السكاني في لبنان انخفض بنسبة 39.8% بعد الأزمة، ما يعكس تأثيراتها العميقة على التركيبة الديموغرافية للبلاد.
وتزامن هذا الانخفاض في معدل الولادات مع ارتفاع في عدد الوفيات بنسبة تقارب الـ20% بين عامي 2020 و2021، حيث شهد عام 2021 زيادة ملحوظة في عدد الوفيات مقارنة بالعام الذي سبقه.
الأكثر شيخوخة
وفقًا للأرقام٬ فقد شهد قضاء المتن أدنى زيادة سكانية بين اللبنانيين في عام 2023، حيث تم تسجيل 1,431 ولادة مقابل 1,420 حالة وفاة، ما أدى إلى زيادة سكانية صافية قدرها 11 فردًا فقط.
أما قضاء كسروان فقد احتل المرتبة الثانية، حيث سُجّلت 941 ولادة مقابل 872 حالة وفاة، ما أسفر عن زيادة صافية قدرها 69 فردًا.
وجاء قضاء بشري في المرتبة الثالثة، حيث بلغ عدد الولادات 397 حالة مقابل 310 حالات وفاة، ما أدى إلى زيادة سكانية صافية قدرها 87 فردًا.
زيادة المغتربين
ويرجع تراجع النمو السكاني أيضًا إلى ظاهرة الهجرة المتزايدة. فقد كان عدد المهاجرين حوالي 25 ألفًا سنويًا بين عامي 1996 و2016، لكنه ارتفع إلى 78 ألفًا سنويًا منذ عام 2018.
وتشكل هذه الأرقام تهديدًا كبيرًا للتركيبة السكانية في البلاد، خاصةً مع ارتفاع نسبة المغادرين من الفئات الشابة والمهنية ذات المستويات التعليمية العالية.
معضلة التعداد والطائفة
تمثل الديموغرافيا اللبنانية تحديًا معقدًا يتجاوز مجرد الأرقام والإحصاءات. ففي الدولة مختلفة المذاهب والطوائف يتم تصنيف اللبنانيين بناءً على انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، بدلاً من التركيز على هويتهم الوطنية كمواطنين لبنانيين أولاً.
ويعتبر التصنيف الطائفي في التعامل مع السكان السبب الرئيسي وراء عدم إجراء أي تعداد رسمي للسكان منذ عام 1932.
وتخشى العديد من الأطراف السياسية اللبنانية من أن الكشف عن الحقائق الديموغرافية قد يؤدي إلى تغيير التوازنات الطائفية القائمة، رغم الاتفاق على مبدأ المناصفة في المناصب السياسية والإدارية العليا، بغض النظر عن التوزيع العددي للطوائف.
وعلى الرغم من غياب التعداد الرسمي، فإن الحقائق الديموغرافية تبقى متداولة بطرق غير رسمية، مثل أعداد طلاب المدارس أو الناخبين، إلا أنها تظل غير دقيقة تمامًا.
ويشير التقرير إلى وجود أخطاء في هذه الأرقام، منها القيود المكررة للزوجات أو أسماء المتوفين التي لم تُشطب من السجلات.