ما زال الجدل يتزايد في
المغرب، جرّاء قرار حكومة عزيز أخنوش، استيراد أكثر من مليونين ونصف المليون طن من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من دول أوروبية؛ فيما تتسارع أصوات عدد من الفعاليات البيئية والنواب البرلمانيين، للمطالبة بمساءلة ليلى بنعلي، وهي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.
ودعا عدد من المُهتمّين بالبيئة، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، إلى التراجع عن قرار الترخيص لاستيراد أكثر من مليونين ونصف المليون طن من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من الدول الأوروبية؛ محذرين ممّا وصفوه بـ"الانعكاسات الوخيمة على البيئة والصحة".
وفي قلب البرلمان (مجلس النواب)، أثار الفريق الحركي، بقيادة إدريس السنتيسي، قضية استيراد النفايات، عبر سؤال كتابي، استفسر فيه الوزارة الوصيّة عن "عواقب استيراد النفايات على البيئة وعلى الصحة"، مطالبا بـ"توضيحات حول الحيثيات التي دفعت الوزارة إلى اتخاذ هذا القرار".
كذلك، طالب الفريق الحركي، بأهمية مُناقشة الموضوع في اللجنة النيابية المختصة بحضور الوزيرة، بهدف الحصول على معلومات أكثر دقة.
للوزارة مُبرّراتها..
وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، عقب موجة غضب وُصفت بـ"العارمة"، خرجت عن صمتها، عبر بيان، جاء فيه: "استيراد النفايات غير الخطرة مؤطر ببنود اتفاقية بازل الأممية المتعلقة بنقل النفايات خارج الحدود، التي وقّع وصادق عليها المغرب والمنشورة في الجريدة الرسمية رقم 4892 بتاريخ 19 أبريل 2001".
وأوضحت الوزارة، عبر البيان، الذي وصل "عربي21" نسخة منه، أن استيراد النفايات، "مقنّن وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ولا سيما القانون رقم 00-28 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، وكذا نصوصه التطبيقية والمرسوم رقم 2-17-587 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات استيراد النفايات وتصديرها وعبورها..".
"لغاية تنوير الرأي العام حول عمليات الاستيراد التي أثارت الجدل الإعلامي المذكور، فإن عدد التراخيص الممنوحة للشركات المستوردة للنفايات غير الخطرة من أجل التثمين الطاقي أو الصناعي بلغ 416 ترخيصا منذ سنة 2016 إلى حدود اليوم" تؤكد الوزارة عبر البيان نفسه، الذي يشير إلى أن ذلك أتى عقب "ما تم نشره في الآونة الأخيرة من معطيات مضلّلة وخاطئة عبر منابر إعلامية مختلفة، وما يجري تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي".
واسترسلت أن "المغرب يركّز على الاستيراد من الدول الأوروبية التي تتميز بجودة عالية لأنظمة ووسائل فرز ومعالجة النفايات ممّا يضمن الحصول على منتوج ليس له تأثير مضر بالبيئة وبالصحة العامة للمواطنين"، مبرزة أن "المغرب يعتبر من بين الدول التي لا تحظى إلا بنسبة قليلة من حصّة النفايات المستوردة (صنف النفايات غير الخطرة) مقارنة مع دول أخرى مصنفة في خانة الاقتصادات المماثلة".
وبحسب البلاغ، فإن منح التراخيص من أجل استيراد النفايات غير الخطرة يخضع، إلى "مسطرة إدارية دقيقة وصارمة، وفق مقتضيات المرسوم المشار إليه سلفا، تتطلب لزاما الإدلاء بوثائق التحاليل الفيزيائية والكيميائية وبطائق تقنية للتعريف بالنفايات المستوردة وبمصدرها".
كذلك، وفق المصدر نفسه، "يشترط الحصول على رأي الوزارات المعنية بمجال استعمال النفايات موضوع طلب الترخيص، وتتوقف الاستجابة للطلب على التثبت من مدى حاجة الصناعات الوطنية لمثل تلك النفايات كمواد أولية أو تكميلية وبأنها ذات جدوى اقتصادية محققة".
وتابع: "إن استغلال وإعادة تدوير مكونات النفايات غير الخطرة يتطلب توفير أجهزة مدعمة بتقنيات متطورة لرصد ومراقبة الانبعاثات الغازية الناتجة عن عملية الاحتراق، وهو ما يمكن من الحفاظ على جودة الهواء وضمان عدم الإضرار بالبيئة وبالصحة العامة".
إلى ذلك، أبرزت الوزارة، أن "التجارة الدولية للنفايات غير الخطرة تخضع لمنافسة قويّة بين الشركات الدولية المتخصصة وباقي الفاعلين في هذا القطاع، خصوصا مع التطور المتنامي الذي يعرفه مجال تدوير وإعادة استعمال النفايات في إطار ما يعرف بالاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري".
وأكد البيان، أن استيراد المغرب للنفايات، يأتي بغرض "تدويرها واستغلالها كمادة أولية أو تكميلية في المجالين الصناعي والطاقي (كصناعة الأنابيب المخصصة للتطهير السائل وأنابيب السقي بالتنقيط والصناديق البلاستيكية وغيرها، بالإضافة إلى استعمال العجلات الممزقة كمادة فعالة لإنتاج الطاقة البديلة في أفران معامل الأسمنت)".
وأبرز أن: "سلاسل تثمين النفايات تهم 13 مجالا، وتمتلك إمكانات كبيرة لخلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني كتحسين الميزان التجاري وتوفير أكثر من 9500 منصب شغل مباشر وغير مباشر في الصناعات الحديدية في أفق خلق ما لا يقل عن 60,000 فرصة عمل بحلول عام 2030".
نقاش لا ينتهي..
على الرّغم من المُبرّرات التي قدّمتها الحكومة؛ إلا أن ردود الفعل الغاضبة، توالت بين رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يعتبر القرار الذي أقدمت عليه
الحكومة المغربية "تهديدا لصحّة المواطنين" ومن يقول إنه "ضرب في الدستور وكافة القوانين المنظمة للتنمية المستدامة"، فيما تُدافع القلّة عن قرار الحكومة بالقول: "إنه يخدم الجانب الاقتصادي للبلاد".
كذلك، رصدت "عربي21" عدّة منشورات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، تعود بالذّاكرة إلى عام 2016، حيث تعرّضت، آنذاك، الوزيرة المكلفة بالبيئة في حكومة عبد الإله بن كيران، حكيمة الحيطي، لغضب المغاربة، إثر ترخيصها استيراد النفايات من إيطاليا.
وفي هذا السياق، أوضح بنعطا محمد، وهو منسق "التجمع البيئي لشمال المغرب"، عبر بيان، وصل "عربي21" نسخة منه، أن "المغاربة فوجئوا بقرار وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بالسماح باستيراد أكثر من مليوني طن من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من الدول الأوروبية".
وأضاف البيان، الذي حمل عنوان: "لا لتحويل المغرب إلى مطرح لنفايات الدول الأوروبية"، أن قرار الوزيرة يأتي "تنافيا مع روح المواطنة ومهمتها في الحفاظ على ما تبقّى من كرامة بيئية للمواطنين المغاربة الذين هم في حاجة ماسة إلى النظم المعلوماتية والتقنيات الصناعية والزراعية والطبية والاقتصادية..".
"سيُستورد 970.896 طنا من فرنسا، و20 ألف طن من إيطاليا، و30.054 طنا من إسبانيا، و1.5 مليون طن من بريطانيا، و60 ألف طن من السويد، و100 ألف طن من النرويج" أوضح البيان نفسه.
وأردف: "هذا القرار، يتناقض مع الدستور المغربي الذي ينص على حق المواطن في العيش في بيئة سليمة ومع القوانين والاستراتيجيات التي اعتمدها المغرب للحفاظ على البيئة ونمط التنمية المستدامة والانتقال الطاقي العادل"، مبرزا أن "المغرب اعتمد على مجموعة من القوانين والمراسيم التطبيقية والاستراتيجيات للحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة".