تقارير

قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أفغانستان.. ما مضامينه وتداعياته؟

صدور قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكد التزام الحكومة الأفغانية وطالبان بمبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية في كل النواحي.. الأناضول
أصدرت حكومة طالبان في أفغانستان يوم الأربعاء 21 آب/ أغسطس قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، والمكون من 35 مادة، وقد تضمن جملة من المحظورات والتقريرات، حسب رؤية حركة طالبان الدينية واختياراتها الفقهية من بين الآراء والاجتهادات المقررة في المذاهب الفقهية المعروفة. 

تنتمي حركة طالبان في أصولها وتوجهاتها الدينية إلى المدرسة الديوبندية، المعروفة بتبنيها للمذهب الماتريدي في العقائد، واتباعها للمذهب الحنفي في الفقه، وهي تمثل اتجاها دينيا سنيا نشأ في مدينة ديوبند بالهند، درس فيها وتخرج علماء كبار من باكستان وأفغانستان، وتُعد مرجعية محترمة وموثوقة عند جماهير العلماء وطلبة العلم في تلك البلاد.

ووفقا لمراقبين، فإن من مبادئ حركة طالبان المركزية العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، وهي تسعى بكل إمكاناتها لوضع ذلك موضع التنفيذ، وقد أعلنت عن ذلك منذ وصولها للسلطة بعد تحرير أفغانستان من الاحتلال الأجنبي، ويأتي هذا القانون تتويجا لمراحل سابقة مهدت لإصدار هذا القانون، ومن ثم تنفيذه عن طريق وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

من أكثر مواد القانون الجديد تداولا في التغطيات والتقارير الصحفية جملة، المواد المتعلقة بالمرأة ولباسها وسترها ورفع صوتها في الأماكن العامة، كالمادة التي تنص على "وجوب ستر المرأة جسدها بالكامل في حضور الرجال الذين لا ينتمون إلى أسرتها"، وكذلك وجهها "خوفا من الفتنة"، وأن "صوت المرأة عورة"، ويعد صوت المرأة أمرا له خصوصيته، لذا لا ينبغي أن يسمع في الغناء، أو إلقاء الشعر، أو القراءة بصوت عال في الأماكن العامة".

كما تناولت التغطيات الصحفية ما جاء في المادة 21 من القانون، التي تنص على أن "الصداقة والتعاون مع الكفار خطيئة"، والطلب من عناصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنفيذ ما جاء في القانون بجدية، والإشارة إلى أن المادة 17 تحظر نشر صور الكائنات الحية، ما يهدد العمل الفني في أفغانستان، كما تحظر المادة 19 عزف الموسيقى، وسفر النساء دون محرم أو اختلاط الرجال بالنساء الأجانب والعكس" حسب تلك التغطيات.

أثار قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ردود فعل وانتقادات واسعة محليا ودوليا، وأحدث أزمة مع بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، ووصفه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، بأنه "يعزز السياسات التي تمحو تماما وجود المرأة في الأماكن العامة، ويساهم في إخفاء أصوات النساء ويحرمهن من استقلاليتهن الفردية، ويحاول فعليا تحويلهن إلى ظلال بلا وجه ولا صوت"، داعيا حكومة طالبان إلى إلغائه. 

وانتقدت رئيسة بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدات إلى أفغانستان روزا أوتونباييفا القانون، ووصفته بأنه يمثل "رؤية مؤلمة لمستقبل أفغانستان، حيث يحظى مفتشو شرطة الأخلاق بسلطات تستند إلى اعتباراتهم الخاصة، لتهديد وتوقيف أي شخص بناء على لوائح واسعة وغامضة أحيانا من المخالفات". وحذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من أن القانون قد يضر بآفاق التعامل مع المجتمع الدولي.

لكن حكومة طالبان عادة ما ترفض على لسان المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد الانتقادات الدولية لسياساتها الداخلية، لا سيما ما يتعلق منها بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين والتعليمات الخاصة بلباس النساء ووجودهن في الأماكن العامة، وتطالب المجتمع الدولي باحترام سياساتها وقوانينها المستمدة من الشريعة الإسلامية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

ويأتي صدور هذا القانون في الوقت الذي ما زالت فيه حكومة طالبان تسعى للحصول على اعتراف دولي بشرعيتها، فكيف سينعكس ذلك على جهودها من أجل الحصول على الاعتراف الدولي بها؟ وما تداعيات تطبيق القانون محليا ودوليا؟ وهل يعد القانون إعلانا رسميا بتطبيق الشريعة الإسلامية في أفغانستان؟  

في هذا الإطار رأى الناشط الإعلامي الأفغاني، عبد الرحمن ريحان أن "المجتمع الدولي يستغل هذا القانون كأداة للضغط على الحكومة الأفغانية، إذ إن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بعد هزيمتها في أفغانستان، وخروجها منها، بدؤوا بمهاجمة حكومة طالبان، والضغط عليها".

وأضاف: "وعلى الرغم من وجود حكومة مركزية في أفغانستان، تمسك بتلابيب السلطة وتبسط نفوذها وسيطرتها على الدولة، وتحظى بقبول واسع من الشعب الأفغاني، وتدير شؤون الدولة بكفاءة وتقدم خدمات يومية لمواطنيها، إلا أن المجتمع الدولي لا زال لغاية الآن لا يعترف بحكومة طالبان، بل ويهاجمها ويضغط عليها بالسبل كافة".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لقد عانى المجتمع الأفغاني الإسلامي كثيرا من التدخل الأجنبي، والأفكار المنحرفة، وويلات الديمقراطية المزيفة، وفي الداخل الأفغاني يوجد قبول شعبي لقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحترام لكل القيم التي تعد من أهم مكتسبات النظام الإسلامي في أفغانستان".

ولفت ريحان إلى أن "الإمارة الإسلامية ضحت كثيرا من أجل إقامة الشريعة في أفغانستان، وبعد وصولها إلى الحكم تبذل قصارى جهودها من أجل تطبيق الشريعة، لكن تطبيقها لا يعني أنه ظلم لحقوق المواطنين، أو سلب لحقوقهم، بل الأمر على عكس ذلك تماما، فلن يكون في تطبيق الشريعة ظلم، وستكون المرأة آمنة، وسيجري تطبيق العدالة الاجتماعية وتقديم الخدمات لكل المواطنين".


                                        عبد الرحمن ريحان ناشط إعلامي أفغاني

وأردف: "وكل دول العالم لها قيمها وقوانينها التي تسعى لتطبيقها عبر أنظمتها وفي مجتمعاتها، وكذلك هو الحال في دولة أفغانستان، فحكومة طالبان تسعى إلى تطبيق القيم والقوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية"، متسائلا: "لماذا يستغربون أن تقوم حكومة أفغانستان بتطبيق أحكام الشريعة في مجتمعها، الذي ضحى أبناؤه منذ ما يزيد على أربعة عقود من أجل إقامة نظام إسلامي يعيشون في أكنافه في دولتهم؟".

وعن بعض الأصوات الأفغانية التي تنتقد قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أوضح ريحان أن "غالبية الشعب الأفغاني يرحب بهذا القانون بكل صدر رحب، لكن يوجد بعض الأفغان الذين يعترضون على هذا القانون وينتقدونه، ممن عاشوا في ظل الديمقراطيات الغربية، وتأثروا بأفكارها وقيمها، يرون فيه تضييقا على الحريات الشخصية، وأنه يضع قيودا على حرية المرأة في لباسها وخروجها ووجودها في الأماكن العامة".

من جهته، قال الصحفي المختص بالشؤون الباكستانية والأفغانية، جمال إسماعيل: "صدور قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يؤكد التزام الحكومة الأفغانية وطالبان بمبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية في كل النواحي، وهو ما يعطي الحركة تأييدا ضمن الحركات الجهادية والدعوية في أفغانستان وغيرها، وإن اختلفت الرؤى حول المنهجية والتطبيق لهذه المسألة المهمة".

وأردف: "كما أن القانون الجديد سيلاقي معارضة من عدد من القوى المحلية في المجتمع الأفغاني المناوئة لطالبان، بعض هذه القوى لا تعلن معارضتها للشريعة علنا، لكنها عمليا تصطف مع القوى المعادية للشريعة خارج أفغانستان، وما يسمى بالمجتمع الدولي والمؤسسات الأجنبية، لكن هذه القوى ليست في حال ووضع يمكنها من التأثير القوي على حكومة طالبان وقدرتها على فرض الشريعة في المجتمع الأفغاني".

وتابع لـ"عربي21": "وقد مهدت حكومة طالبان بمدة ثلاث سنوات لهذه القوى، ولكل المجتمع الأفغاني للتمهيد لقبول الشريعة مصدرا للتشريع والحكم في أفغانستان.. وهي مدة أكثر من كافية في ظروف العالم الحالي، حيث تعمد الحكومات التي تنقلب على أي نظام، إلى إعطاء فترة انتقالية لا تتجاوز في كثير من الأحيان ثلاث سنوات، إن كانت الأمور الأمنية والأوضاع مستقرة".

وعن انعكاسات هذا القانون على الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، رأى إسماعيل أن "تأخير الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، لم يكن مرتبطا بقرار تطبيق الشريعة أو ما يسمى بقانون الأخلاق، فهذه الدول وقفت منذ اليوم الأول ضد الإمارة، كما وقفت ضدها في أيام حكمها الأول 1996 ـ 2001".


                         جمال إسماعيل صحفي مختص بالشؤون الباكستانية والأفغانية

وأضاف: "لا يحق لما يسمى بالأوساط الدولية والمجتمع الدولي أو الأمم المتحدة التدخل في هذه المسألة؛ لأنها تخص أفغانستان وحدها فقط، وقبل أن يعترض المجتمع الدولي على مثل هذه الخطوة التي تخص أفغانستان وشعبها، عليهم أن يعيدوا أموال الشعب الأفغاني التي نهبتها أمريكا وبريطانيا، التي كانت وديعة لديهما من البنك المركزي الأفغاني أيام أشرف غني، كما عليهم وقف أعمالهم العدوانية ضد أفغانستان، من خلال المسيّرات التي ترسلها واشنطن عبر دول الجوار الأفغاني.".

وأكدّ أن حكومة طالبان ستمضي في تطبيق هذا القانون الذي "جاء تتويجا لما مرَّ قبله من مراحل دعمت ورسخت حكم الإمارة الإسلامية، وقبول الشعب الأفغاني لمبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية، مع العلم أن الوضع في أفغانستان ليس كما تتناقله وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، فخلال أقل من ثلاث سنوات من حكم الإمارة الإسلامية، تمكنت من تسديد الديون الأفغانية الخارجية كافة، رغم الحصار والمقاطعة التجارية والاقتصادية المفروضة على أفغانستان حاليا".

وختم كلامه بالإشارة إلى أن "مسألة تطبيق الشريعة ليست مقرونة بهذا القانون وفرضه، فالإمارة أعلنت أنها ستطبق الشريعة من أول يوم بعد تحرير أفغانستان من الاحتلال الأجنبي"، منبها إلى ضرورة أن يكون "الاقتباس من القانون نفسه الذي أصدرته الإمارة، ومن ثم يكون التعليق على نصه الأصلي، وليس على فقرات مجتزأة منه، حسب ما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة".