قضايا وآراء

نظام الأسد: حاجة المحتل وذريعته

يرى كثير من السوريين في بعض السياسات الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا بزعامة جورجيا ميلوني، أنها تحابي نظام الأسد بتعيين سفير لها لدى النظام السوري- الأناضول
بعيدا عن العدوان المستمر على غزة، والغارات المتكررة على مواقع النظام السوري من قبل طيران الاحتلال الإسرائيلي، تنشغل بعض دول الاتحاد الأوروبي في مهمة إعادة العلاقة مع النظام السوري، بالتوازي مع الجهد الروسي في هذا المضمار الذي يفتح خط التطبيع التركي مع نظام الأسد، في ظل رغبة مشتركة بين عدد من دول الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في سياساتها السورية على قاعدة إيجاد حل لمشكلة اللاجئين السوريين في هذه البلدان، من خلال تخفيف الضغط عن الديكتاتور السوري المسبب الأول لمحنة وكارثة السوريين في بلدهم وأماكن تهجيرهم.

يأتي هذا بعد 13 عاما من اندلاع الثورة السورية وارتكاب نظام الأسد لكل موبقات جرائم الحرب وضد الإنسانية، واستخدامه لشتى صنوفها، بشهادة منظمات دولية ومحلية، وبمعرفة عميقة من الدول نفسها التي تحتضن السوريين بجوهر سياسة النظام السوري طيلة السنوات الماضية نحو شعبه، وفداحة الجرائم باستخدام غاز السارين والخردل والكيماوي، والاستعانة بالاحتلالين الروسي والإيراني لتركيب عضلات النظام ونفخها على أجساد السوريين، والتي تسببت في دمار واسع للمجتمع السوري ونزوح نصف سكانه.

مرور الزمن لا يعني نهاية الجريمة ونسيانها، وعدم تكرار الإشارة للديكتاتور والطاغية السوري لا يعني براءته من الجرائم، وبقاء الأسد في سدة الحكم لا يعني انتصارا لنظامه على الشعب السوري، بل يعني أمرا متعلقا بالأكاذيب والشعارات نفسها وبالنفاق المصاحب للعدوان الإسرائيلي على غزة وبالصمت عن جرائم الإبادة الجماعية
لذلك، رأت عاصمة الاتحاد الأوروبي -بروكسل- ودول أوروبية أخرى قبل عقد من الآن؛ في قطع علاقتها مع النظام الركيزة الأساسية للضغط على النظام السوري، تحت ذريعة تمسكها بقيم حماية الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان والمواطنة، ورفض جرائم الإبادة التي اقترفها الأسد وحلفاؤه.

لمسَ السوريون عدم الجدية الغربية والأمريكية، بالتعاطي مع النظام ومنع جرائمه وجرائم حلفائه، لذلك كانت فاتورة الضحايا كبيرة والدمار أوسع، وقد كان لها فضل كبير في بقاء النظام وإعادة سطوته الأمنية على المجتمع السوري، وتعزيز سيطرته على 70 في المئة من الجغرافيا السورية، ومثلما عايش الفلسطينيون ضحايا الهمجية الصهيونية خذلانَهم الكبير في فشل المجتمع الدولي بمنع الإبادة الجماعية عنهم في غزة، وبمحاباة المستعمر الصهيوني.

لذلك يرى كثير من السوريين في بعض السياسات الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا بزعامة جورجيا ميلوني، أنها تحابي نظام الأسد بتعيين سفير لها لدى النظام السوري، خطوة تُعزز من تخفيف الضغط على النظام، وتزيد الضغط على السوريين في دول لجوئهم وفي دول المنطقة، لأن التطبيع مع النظام السوري تجاهلٌ للحل السياسي المقرر على أساس القرار الدولي 2254، للتوصل لحل سلمي، وتأمين انتقال سياسي، وقفزٌ عن الجرائم المتهم بها الأسد ونظامه، وهو موقف ما زالت تتمسك به فرنسا وألمانيا القائلتان بأنه من غير المعقول التطبيع مع النظام في دمشق في غياب انتقال سياسي ورفض نظام بشار الأسد لأي ترتيبات تفيد الشعب السوري.

مرور الزمن لا يعني نهاية الجريمة ونسيانها، وعدم تكرار الإشارة للديكتاتور والطاغية السوري لا يعني براءته من الجرائم، وبقاء الأسد في سدة الحكم لا يعني انتصارا لنظامه على الشعب السوري، بل يعني أمرا متعلقا بالأكاذيب والشعارات نفسها وبالنفاق المصاحب للعدوان الإسرائيلي على غزة وبالصمت عن جرائم الإبادة الجماعية.

وبنفس السؤال المجيب عن أسئلة الشعب الفلسطيني والسوري، لماذا يفلت المجرم من العقاب؟ وكيف يستمر النفاق الغربي من قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وكيف تكون المصلحة المشتركة بين أدوات الاحتلال والطاغية العربي المؤدية لشراكة متبادلة أوجدتها مصالح بين المحتل والطاغية، وبين هؤلاء والمشروع الاستعماري الغربي في المنطقة العربية؟ دوافع كافية كانت قبل العام 2011 لأن يثور السوريين ضد النظام وسياساته ووظيفته المكشوفة، فوجود نظام الأسد وتمكينه من السيطرة، كان حاجة استعمارية صرفة، والتطبيع معه عربيا وغربيا، لمقاصد منع التغيير لأي جانب من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة العربية، هي مقاصد كانت قائمة لعقود طويلة، قبل أن يرث الاسد حكم أبيه.

الفائدة المرجوة للعلاقة مع نظام الأسد عربيا بعد تورطه بكل ملفات دعم الإرهاب وارتكاب جرائم الحرب وضد الإنسانية، تطرح السؤال نفسه للضفة الشمالية للبحر المتوسط عن المصلحة الكامنة في العلاقة مع نظام الأسد وما تحمله تبريرات الدول نفسها لإسقاط جرائم ضخمة موجودة في أدراج محاكم هذه الدول وعلى رفوف المنظمات الدولية.

لا شيء في جعبة نظام الأسد ليقدمه على طاولة السياسة العربية، غير النجاح الذي كوفئ عليه بمنع الانهيار من الوصول لأنظمة عربية أخرى ترى في "صموده" حماية لها، بعد أن أصبح نموذج خرابه لسوريا عامل مفاضلة ومقارنة من طغاة ومستبدين في المنطقة العربية، ومن احتلال يقدم وحشية جرائمه في غزة كنموذج عقابي على الشعب الفلسطيني.
التطبيع مع نظام الأسد تم عمليا من خلال القفز عن جرائمه، وقبوله المتكرر بتلقي عدوان الاحتلال الإسرائيلي والصمت عنه وعن جرائمه بفلسطين، فمشتركات الاستفادة المتبادلة بينه وبين أنظمة الاحتلال والاستبداد، فككتها غزة، ومقاومة الشعب الفلسطيني عرّت كل قاموس التطبيع ومفردات الخزي والخذلان والنفاق والخيانة والتآمر، وكشفت الحاجة الاستعمارية الغربية والصهيونية لبقاء أنظمة عربية
ولا شي في جعبة النظام ليكون فاعلا على مسرح السياسة الدولية بغير المهام التي يحملها وينفذها في الجانب الأمني الذي يصدح به منذ 13 عاما؛ "وجودي يمنع عنكم الإرهاب"، و"أنا موجود لكي أحارب الإرهاب عدوّي وعدوكم"، شعار يرفع أيضا لتبرير الفظائع والجرائم في غزة وكل فلسطين.

على الخط الموازي من كل ذلك، يظهر تنسيق عربي مباشر بين أمن النظام وما يوازيه في أنظمة عربية تتأهب للخلاص من مشكلة اللاجئين السوريين. وإذا كانت استراتيجية الأسد مع الأوروبيين لم تؤتِ ثمارها بعد، وتؤت بعضها في أنظمة عربية كانت سباقة في التطبيع معه ومع الاحتلال الإسرائيلي، ولم تتخذ أي خطوة للتراجع عن التطبيع مع المحتل في ذروة جرائم العدوان على غزة، وتشجع وتدعم بقاء الأسد لفائدة مشتركة بين جميع الأطراف التي تجد في وظيفة الأسد المانعة للتغيير المنشود في المجتمع السوري والتي أرعبت محاولته في الثورة الاحتلال والاستبداد، فقد كانت جرائمه عامل اطمئنان لديهم وفزاعة على شعوبهم.

التطبيع مع نظام الأسد تم عمليا من خلال القفز عن جرائمه، وقبوله المتكرر بتلقي عدوان الاحتلال الإسرائيلي والصمت عنه وعن جرائمه بفلسطين، فمشتركات الاستفادة المتبادلة بينه وبين أنظمة الاحتلال والاستبداد، فككتها غزة، ومقاومة الشعب الفلسطيني عرّت كل قاموس التطبيع ومفردات الخزي والخذلان والنفاق والخيانة والتآمر، وكشفت الحاجة الاستعمارية الغربية والصهيونية لبقاء أنظمة عربية يصبح الرعب فيها سلاحا يمنع مواجهة المحتل وحاجته المحروسة في قصور الرئاسة العربية.

x.com/nizar_sahli