سلطت وثيقة للاتحاد الأوروبي الضوء على تدهور وضع حقوق الإنسان في ظل الرئيس
التونسي قيس سعيد، باعتبار أنه قد يقود إلى "إثارة القلق" بشأن صفقة منع المهاجرين التي عقدتها الكتلة الأوروبية مع تونس.
وذكر تقرير لصحيفة "
الغارديان" أن
الاتحاد الأوروبي "يخشى على مصداقيته وهو يحاول التعامل مع سحق المعارضة التونسية في وقت يريد فيه الحفاظ على صفقة الهجرة المثيرة للجدل مع الدولة في شمال أفريقيا".
وكشف عن مسودة تقرير أعدته الخدمة الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي تقدم تفاصيل عن "تدهور واضح للمناخ السياسي وتلاش للفضاء المدني" في ظل الرئيس سعيد الذي حظر وعلق البرلمان وراكم كل السلطات في يده منذ بداية ولايته عام 2019.
ويتوقع المسؤولون في الاتحاد الأوروبي بقاء سعيد بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، حيث اتسمت الفترة التي تقود لذلك اليوم بملاحقة وسجن المعارضين بذريعة نشرهم الأخبار المضللة.
وأضاف التقرير أن الوثيقة ستزيد من مظاهر القلق بشأن معاهدة 2023 بين الاتحاد الأوروبي وتونس بشأن الهجرة والتي قصد منها تدفق المهاجرين من دول الساحل والصحراء إلى أوروبا وسط اتهامات للاتحاد بأنه يقوم بتمويل الديكتاتوريين، بعد عقده معاهدات واتفاقيات مماثلة مع مصر وليبيا.
وتوصل التقرير إلى أن "علاقات الاتحاد الأوروبي وتونس أصبحت معقدة جدا"، وقد أرسل مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل التقرير إلى وزراء خارجية الكتلة الأوروبية في 7 تموز/ يوليو.
وجاء في التقرير: "لا يزال الاتحاد الأوروبي مهتما في الحفاظ على الشراكة مع تونس من أجل التأكيد على استقرار البلد"، ووصف المعاهدة بأنها وسائل لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وحماية حقوق الإنسان و"مواصلة التعاون الفعال في إدارة الهجرة". وحذر الاتحاد بأنه بدون هذا الدعم، فربما وقعت تونس تحت تأثير "دول معادية ثالثة" لم يسمها التقرير ولكنه أشار إليها بـ "المنافسين". وكان يقصد بالتأكيد الصين وروسيا وإيران.
ويكشف التقرير عن مخاوف فريق بوريل من أن مصداقية الاتحاد الأوروبي قد تتضرر مع سعي الكتلة للموازنة بين حقوق الإنسان والحد من الهجرة والسعي إلى علاقات أوسع نطاقا مع تونس، مضيفا أن "هذا يستلزم البحث عن توازن صعب جدا، بين مصداقية الاتحاد الأوروبي من حيث القيم ومصلحته في البقاء منخرطا بشكل بناء مع السلطات التونسية". ويشير التقرير المكون من خمس صفحات إلى اعتقال السياسيين المعارضين والصحافيين والمحامين ورجال الأعمال قبل انتخابات الشهر المقبل الرئاسية. وكذا اعتقال أشخاص يعملون في منظمات غير حكومية تساعد المهاجرين "غالبيتها من الشركاء الذين ينفذون برامج يمولها الاتحاد الأوروبي".
واعتقل منذ كتابة التقرير المزيد من الأشخاص، بمن فيهم الناشطة في مجال حقوق الإنسان والصحفية سهام بن سدرين، الرئيس السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة التي أنشئت بعد الربيع العربي للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان. وقد أُمرت بالاحتجاز قبل المحاكمة في الأول من آب/أغسطس، بعد تحقيق اعتبر وعلى نطاق واسع أنه استند على اتهامات لا أساس لها.
وقد تحدثت بن سندرين قبل اعتقالها ضد القمع السياسي و"الجو السام" في تونس بعد تعليقات سعيد العنصرية ضد المهاجرين من دول الصحراء الأفريقية. ويشير تقرير الخدمة الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي إلى أن "النقد العام والتدقيق" بشأن العنف والطرد وغير ذلك من أشكال إساءة معاملة المهاجرين وطالبي اللجوء "التي غالبا ما تتورط فيها السلطات" تثير "أسئلة مقلقة حول دعم الاتحاد الأوروبي لسلطات إدارة الحدود".
وقد طلب بوريل إعداد التقرير وأرسله إلى 27 وزير خارجية في الاتحاد الأوروبي.
وأطلعت صحيفة "الغارديان" حسين بيومي من أمنستي انترناشونال على التقرير الذي قال إن التحليل الوارد فيه يعكس وضعا خطيرا للغاية، مضيفا: "لا يمكن التستر على هذا الواقع: فالوضع في تونس فيما يتعلق بحقوق الإنسان والتراجع الديمقراطي يثير القلق الكبير".
وقال إن الجزء الأخير من التقرير "يبدو وكأن شخصا آخر كتبه" لم يقرأ الصفحات السابقة. وأضاف أن التقرير يقول: "إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يستمر في التواصل بشكل أكبر مع السلطات التونسية وتوسيع التعاون والشراكة، على الرغم من إدراكه الواضح أن هذا من شأنه أن يشكل انتهاكا لالتزامات الاتحاد الأوروبي تجاه تعزيز حقوق الإنسان والقانون الدولي وسيادة القانون".
وأوضح: "من خلال توسيع التعاون مع تونس من أجل السيطرة على الهجرة الدولية، أعطى الاتحاد الأوروبي بعض النفوذ لتونس".
وعلق النائب المخضرم عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان الأوروبي، أودو بولمان أن الوضع الحقوقي في تونس "مثير للقلق الآن" وكان "مثيرا للقلق" عندما تم توقيع مذكرة التفاهم و"منحت المفوضية الأوروبية أموال دافعي الضرائب في الاتحاد الأوروبي لنظام استبدادي يحاول تقييد كل أشكال المعارضة بأساليب غير إنسانية".
ووعد الاتحاد الأوروبي تونس بـ 105 ملايين يورو في عام 2023 لمكافحة مهربي البشر، وتوسيع صندوق مراقبة الحدود الحالي الذي تبلغ قيمته عدة ملايين من اليورو. وقالت الحكومة التونسية في وقت لاحق إنها أعادت 60 مليون يورو إلى بروكسل. وأضاف بولمان أن المفوضية يجب أن تحقق في وضع حقوق الإنسان في أي بلد قبل الشروع في أي سياسة خارجية. وتقول الصحيفة في نهاية التقرير إنها اتصلت بالمفوضية للتعليق.